الفصل الرابع : فرحة ثلج تليها عاصفة

520 29 3
                                    

غريب كيف يختبئ إنحراف الذكور وراء نصوص الدين و كيف يطبق هذا الأخير على المرأة فقط أما الذكر فخلق من نور و ليس من طين . كبرت في السن و أصبحت إمرأة تحب التجمل سواء في المنزل أو خارجه ، بدأت في عشق التسوق و أنا صاحبة ١٦ سنة ، فكنت أشتري كل ما هو جميل لأزين به نفسي ، كان هذا دائما ما يحسن مزاجي و يجعلني أشعر بالرضى تجاه نفسي . كنت أحب الجمال و أقدره ولكن العالم وجد طريقا لكي يلطخه بوسخه الذكوري , ذاكرتي لا تستطيع التخلص من نظرات أخي سالم لمفاتني كلما أستعد للخروج ، قبل أن يلقي علي بجملته المعتادة :" وش اللبسة هذي ؟؟ حابة يقولو علينا ماشي رجال؟ " . خطوات ثابتة ، أعين مليئة بدموع الأسف ثم وجه مكشر مليء بالحقد و جسد عذراء محبوس في سجن ملابس الشرف . لحظة سكون أستجمع فيها قواي لأقابل وجه المنحرف الذي يدعو نفسه أخي ؛ لا أنا لست ضعيفة يا سالم سوف أتحرر منكم و من عاداتكم الظالمة ، سوف أنجح و أقدم لنفسي هدية الحرية و سوف أكون عبرة لكل من كانت ضحية مجتمع مماثل .

                       ١٢ جانفي ٢٠١٧
إكتست جبال مدينة خنشلة بحلة بيضاء أبهرت سكانها كعروس تخرج بفستانها الأبيض أمام زائريها ، استيقضت باكرا ذلك اليوم فصراخ وقهقهات الأطفال في أزقة حينا كانت كفيلة بإيقاض الجميع . نهضت من سريري بأعين منتفخة و أزلت ستار نافذة غرفتي فأرسل الثلج بياضه من خلال أشعّة النور التي ملأت المكان في صباحٍ بارد ٍ . كم هو جميل الثلج ، بنقاوته و نعومته اللتان تملئا قلوب الكبار و الصغار سعادة . مرّت عشرة دقائق ببطئِ الستِّين وكأنّ العقارب تجمّدت و أنا أنظر من خلال النافذة و أستمتع برؤية الأطفال يلعبون بكرات الثلج ، وددت أن أخرج معهم و لكنني أعلم جيدا أن أهلي لن يقبلوا بهذا ،إكتفيت بالمشاهدة حتى أحسست برعشة خفيفة في كل جسدي من برودة الجو ، فإنسحبت لأنضم إلى أهلي لتناول الفطور ، تحرص أمي دائما على أن يكون بمثالية و دقة شديدة فتبدأ بوضع غطاء طاولةٍ ملون بمربعات حمراء و بيضاء . بعدها تقوم بتحضير القهوة في "الكنكة" لأبي الذي يضيف لها أعواد "الشيح" في الأخير . تضع طقم كؤوس منظم على حسب الأماكن ، كل و كأسه مع ملعقة بجانبه و إبريق حليب في المنتصف . في الأخير تخرج صحن "الكايك" الذي تخبئه في الفرن ليلة قبل ؛ تضعه فوق الطاولة بإبتسامة و تراقبنا و نحن نتناول الفطور معطية إنطباع أنها قامت بواجبها . بسيطة هي أمي و أحلامها أبسط . لو سئلت عن أكثر شيء تريده في العالم لقالت :" صحة أبنائي".
تمنيت حقا أن أكون ببساطتها من دون هذا الدافع الدائم الذي بداخلي و الرفض للإستعباد و الإستسلام للذكورية القذرة.
بعد الفطور إقترح علينا أبي أن نذهب في نزهة للّعب بالثلج ، فالمدارس و المؤسسات الحكومية مغلقة بسبب الهطول الكثيف للثلوج . اذكر جيدا ذلك اليوم فلأول مرة في حياتي أحسست بالسعادة و الحرية ... نزلنا من السيارة وسط بياض الثلوج و البرد القارص و لكن أمي حرصت أن نلبس جيدا قبل الخروج . كنت أبدو كالمغفلة ؛ ثلاثة قمصان ، سروال تحته جاربان طويلا الخصر ، معطف طويل مموج بصوف يملؤه ، قبعة ووشاح متناسقان مع بعض على عكس باقي ملابسي . لكنني لم أهتم ، كنت سعيدة . كان المكان سحريا و كأنني وجدت الجنة في غيمة بيضاء تطفو في السماء ببطىء . مشيت مطولا بعينين لامعتين و جريت تفاديا لكرات الثلج و لكن إحداها وجدت طريقها إلى وجهي فأرجعتني خطوتين إلى الخلف . مسحت عيناي فإذا بأبي يضحك وقال :" هيا أبنتي كوني كيما باباك ، لازم واحد ما يقيسك ولا القش هذاك كامل ما خلاكش تتحركي ؟" إنفجر ضحكا و توجه بكلامه إلى أمي و إخوتي :" كنزة إذا تهزوها هك و تحطوها في ساحة الحرية يتحط عليها الحمام ، من كثرة ما لبستلها يماها بزاف القش ولات متتحركش عادي رجعت تمثال. " ضحكوا جميعا بأصوات عالية و أنا إكتفيت برؤيتهم سعداء ، أنا حقا في الجنة و هكذا أريد أن تكون عائلتي ؛ سعيدة .

١٣ جانفي ٢٠١٧
بعد يوم مرهق استسلم جسمي لطراوة السرير ليستمد راحة دامت 12 ساعة ، فتحت عيني لحياة غير التي عشتها و بدأت أرى أملا في والد لم يهتم بي طوال حياتي . إتجهت إلي المطبخ لأجده يتناول غدائه بينما يقرأ جريدة الوطن ككل يوم واضعا نظاراته التي تبرز عينيه الخضراواتين التي دائما ما تكون محاطة بإحمرار يزيد منظره رعبا . كسرت الصمت و قلت :" صباح الخير ، كي صبحتو ؟"
فرد علي :" الصباح؟ كشما بقى صباح؟؟ شوفي الساعة . ولا نتي تعرفي غير ترقدي و تهبطي لباباك ببيجامة مزيرة و تهدري معاه بكل وقاحة ." جمدت في مكاني و هربت الكلمات من عقلي ، لم أقل شيئا و بقيت في صدمة . لم يتوقف عند ذلك الحد بل أضاف :" مزالك تتفرجي فيا ؟ تحركي بدلي عليا الخماج هذا . راكي وليتي مرا يا دين الرب . حشمتيني نقول عليك بنتي ، ديما نقول راح تحشمي بصح والو !! "
"عمبالك بحاجة ؟ بعدما شفتك لبارح ، لأول مرة في حياتي قلت راح تتبدل وتولي أب يهتم و يحب بنتو . أب يحضنها و يقبلها و لكن الله غالب ."
أتذكر تفاصيل ما حدث بعدها ، ولكن ما بقي في ذاكرتي هو صوت الجريدة و هي ترتطم بجبهتي ثم أبي ينهال علي ضربا حتى فقدت وعيي .
-متروحش للسبيطار آخر كلمة . داويها وإلا خليها تموت .
-بصح يا عمار خفت عليها ، معليش أديها و نقولولهم طاحت .
-متفهميش الهدرة ؟ قراري ما يتبدلش .
صفع الباب و لم أسمع شيئا بعدها إلا بكاء أمي ، كنت مصابة بصداع شديد و ألم في جميع أنحاء جسدي . فتحت عيني بغية معرفة ما حصل و لكنني فقدت الوعي مرة أخرى .
في اليوم الموالي إستيقضت فأحسست بثقل كبير في رأسي و ألم لم أعهده طوال حياتي ، بكيت و حاولت الصراخ ولكن كلما تعالى صوتي زاد الألم .أمي بقيت بجنبي ، بأعين منتفخة مسودة الظلال و وجه بائس تعبان . أمسكت بيدي وقالت : " أنت تعرفين جيدا أبوك ، وتدركين إلى أي حد يمكن أن يكون عنيفا . لماذا كلمته بتلك الطريقة؟ حاولي إكتساب بعض الراحة الآن لكي تلتئم جروحك بسرعة . "

ايقنت يومها أن جسدي لم يعرف أبدًا معنى أن يضم بقوة و وجنتاي لم تحضيا أبدا بقبلات والد فخور ، رُبيت على الضرب و الشتم و حددت قيمتي عنده بالسترة و العبودية الكلية . كان تمردي أكثر مخاوفه و كأي وحش آخر إختار القوة لكي يسقط من كياني و يزيل أي فكرة تراودني فتخرجني عن طاعته و لكنه لا يعرف أن ألم الجسد يشفى أما النار المشتعلة داخلي لم و لن تنطفئ أبدا و خاصة التي بسبب عمار، نعم عمار فمنذ ذلك اليوم لم أسميه أبي .

قوية و لكن ... حيث تعيش القصص. اكتشف الآن