الفصل السادس : كنزة ذات القلنسوة

432 22 11
                                    

أصبحت منفردة بنفسي ، أعشق الظلام و السكون . أتجنب كل ما هو إجتماعي و لا يوجد شيء أمقته في هذا العالم أكثر من كلمتي : "رجل" و "حجاب ". أصبحت الحياة مسلسلا دراميا أمثل فيه أكثر الأدوار برودة ، أنا التي أصبحت أكثر الممثلين براعة . أكره القفص الذي حبست فيه و كلما مر الوقت إستهلكت طاقتي أكثر و لكنني مصممة على البقاء في هدوء حتى يفتح الباب وأهرب .
لازلت رافضة لفكرة الحجاب ، و لازلت مصممة على أن أخلعه و لكن هذا يتطلب حرية كلية و أنا الآن أمشي بخطى بطيئة حتى أفكر في خطة عبقرية . أسبوع مر منذ إرتدائي الحجاب ، بدأت تلك الأنظار في الإعتياد علي و قلّت الأسئلة و التهاني . و لكن الليالي طويلة و النوم قليل ، فقدت بعض الوزن فالطعام أصبح من دون ذوق ، كل شيء تغير . الألوان باهتة و رمادية و الأشخاص صاروا وجوها متشابهة .
                         ٥ فيفري ٢٠١٧
اعتدت على لبس قطعة القماش و لكنني لا زلت أكن ذلك القرف و الإشمئزاز لها . فحجبته عن أعين الناظرين بكنزة ذات قلنسوة، حتى و إن كنت مجبرة على إخفاء شعري سأفعله وفق قواعدي . واجهت بعض المشاكل في المدرسة بسبب رفضي لنزعها . كنت أطرد تقريبا كل يوم و لكنني لم أبالي و بقيت مصرة حتى اعتادوا عليها مثلما إعتادوا على الحجاب . كنت أمتلك ثلاث سترات بقلنسوة فقط إرتديتها طيلة العام في الصيف ، الشتاء ، الربيع و الخريف . بعدما كنت فتاة تحب التجمل و التغيير أصبحت تلك الفتاة ذات غطاء الرأس . تدريجيا أصبحت أرتدي القلنسوة دون حجاب أسفلها دون أن ينتبه لي أحد ، أصلا مؤخرا لا أحد في المنزل ينظر إلي أو يكلمني . كانت قصتي محزنة ، و تغيري أكثر . كنت شمسا ساطعة بنور يعمي أعين الناظرين و لكنني أصبحت ظلا أسودا لا ينتبه له إلا من ينظر أسفلا . و لكنني إكتشفت شيئا ، التحرش ليس له علاقة أبدا باللباس ، فكان أشباه الرجال الذين أصادفهم في الشارع ينظرون إلي بنفس النظرات و أكثر . إلى متى يدركون أن المشكل الحقيقي يقبع فيهم و ليس في لباس المرأة ، المشكل نفسي حيواني ناجم عن كبت سنين طويلة و لكن عند المقارنة نجد أن المرأة أيضا لا تحظى بأي علاقات جنسية إذ انها في معظم الأحيان لا تتحرش بالرجال . ربما لأن المجتمع يبجل الرجل إعتقادا منه أن تلك طبيعته التي لا تتغير ، وكأنه لا يرتكب أي خطأ بل يسير وفق خطا إلهية ما ، يسن القوانين ويمشي وفقها كل العالم ، لو أردنا أن نعد عيوب المرأة لإستعملنا أصابع الأرجل ويتبقى هناك الكثير لم يعد بل ننساه ، أما حينما ننظر الى الذكر نجد ان عيوبه جد محدودة ، من جيبه الى ملابسه ، ان كان فقيرا في مجتمعي فهو يلقب ب" الزوالي" وهذا الكائن هنا يعتبر من اشرف المخلوقات بصفته " عايش قدو قد حالو" وكأن البقية يعيشون في الجحيم بثرواتهم ، الغني هنا نقوده حرام عكس الفقير اذ تعتبر نقوده حلالٌ متفق عليه من قبل الجميع،  تم ربط المرأة بالرجل في كل شيئ حتى أمست تبدو كتابعة له و هي لاشيء بدونه ، يقال زوجة فلان ، اخت فلان ، بل وحتى يخجلون من منادات زوجاتهم وأخواتهم بأساميهن علنا ، جعلوا المرأة تبدو كعيب يجب اخفاؤه أينما حلّت ، صفاتها تعتبر انقاصا من شأنهم ، اذا كان احدهم صوته رقيق او قام بفعل غريب ما وإن تملكه الخوف يقصفونه بالعبارة " وشبيك دير كيما النسا " ، انا اعلم انه مجتمع ذكوري فاشل يخاف نجاح المرأة ، لأنها لا تكف عن إثبات نجاحها في كل مرة تتحرر فيها من قيد ما ، تم ربط الرجولة بالقوة والأنوثة بالضعف ، وكأن هؤلاء البشر يملكون بطاقات مكتوب عليها " رجل " ، " إمرأة " يلصقونها على من يريدون وفق معايير أغبى من الغباء في ذاته، ان تكلّم احدهم عن النساء أصبح منهن ،واذا تعلق الامر بالوالدة لوحدها لأصبح رجلا شهما ، جعلوا من الواقع مكانا لهم وللمرأة سجن يتشكل من عدد معين من الجدران يسمى بالمنزل ، مهمتها التربية والطبخ والغسيل ، اما العظيم فهو يعمل ويكد لكي يتحصل على مقدار معتبر من النقود ليرمي منه نسبة جد صغيرة على وجهها وكأنها جارية وضيعة ، بتفكير كهذا أصبح الإيمان بأن مهمتهم هي جمع المال معششا في قلوبهم وعقولهم ، وكل من يعترض يعتبر " ديوث" ، كتبت الحياة على الرجال وللنساء جحيم فيها وفي آخرتها ، ضعي يدك على قلبك وعدّي نبضات قلبك كلما دخل زوجك للمنزل وانت لم تتمي عملك بعد ، لم تجعلي العشاء جاهزاً بعد من أجل السيد ، لا أرى نصيبي من الحياة لحد الآن كل ما تريه لي طريقي هو مزيد من الصراعات والكفاحات للحصول على ابسط حقوقي ، تتملكني الوساويس حين اخرج من المنزل وأخطو بسرعة تلك الطريق الفارغة صباحا ومساءً خوفا من ان يغتصبني احدهم او يتحرش بي ، فلا حق لي في الرد عليه بأية طريقة ممكنة ، حتى السكوت لا يجدي نفعا فكل الطرق تصب في نهاية واحدة "نتي قحبة"  ، يبدو وأنه كل ذكوري حين يخرج من بطن امه الى هذا العالم المتعفن تلك اول كلمة تقال له في أذنه ، يتكلمون كما يحلوا لهم علنا ، وينظرون اينما شاؤوا ، لكن نصيبنا هو الأرض ، ان نقوم بعدِّ الحفرات في الطريق من والى المنزل ، لازلت اتسائل لم أمتلك أذنان ! ، لم يوجد هذا الفم بوجهي ؟ لم امتلك هاته الاعين ، هاته المفاتن ؟ اهي موجودة لأغلقها وأخفيها عنه ؟ خوفا عليه من ذاته ؟ ، متى يحين وقت اعتناءهم بأنفسهم وتعلمهم تنضيف قذارتهم من افواههم الى اجسادهم والتحكم بشهواتهم ليأتي  اهتمامي بنفسي وحياتي ؟ بعيدا عن محاولة الاختفاء من تلك النظرات السامة ، الا تمتلك المرأة شهوة ام ان شهوة الرجل أقوى من عقله ؟ لا يمكن له التحكم فيها ؟ من الذي يمتلك عقلا ناقصا هنا ! ، استر نفسي واختبئ في اركان الدنيا المظلمة أشاهد الرجال يغزون الشوارع والمقاهي والمؤسسات وكل ما هو موجود بالعالم ، ايوجد عالم اخر ننتمي له ؟ لا اريد ان اسيطر على احد ، اريد ان اعيش عيشة كريمة اسمع فيها صوتي ولا ينزعج احد من سماعي اصرخ الى ان تتمزق اوتاري قائلا ان صوتي ايضا عورة ، اين هي الحياة ..أين !؟

قوية و لكن ... حيث تعيش القصص. اكتشف الآن