رجع من المدرسة...كان آخر يوم في امتحانات الشهادة الثانوية..يحمل حقيبة على ظهره مليئة بالكتب والمذكرات..كانت شمس الطريق حارقة تلفح وجهه الذي رسم ابتسامة كبيرة عليه..دخل البيت..رمى الشنطة داخل دولابه تحت احد الرفوف بحيث يضمن الا يراها ثانية..نزع ملابس المدرسة التي كانت كملابس السجن بالنسبة له..استرخى على السرير ممددا جسمه ..كان يحس بالتعب ..سهر ودراسة وهم وغم ...احس بفراغ كبير ..فراغ جميل بمجرد ان فكرة الدراسة قد خرجت من رأسه..كان وليد صاحب ال19 عاما قد انتهى من امتحانات الشهادة..امتحن من المساق العلمي هندسية..كان ممتحنا للمرة الثانية بعد ان احرز 73 ..لم تكن لتدخله الكلية التي يحبها..الهندسة المدنية.نهض وليد من السرير ذهب للغرفة المجاورة حاملا هاتفه..وجد حبوبته زهرة..جالسة على السرير امامها تربيزة واضعة صينية القهوة امامها..كان بخار القهوة خالط انفه..سحبه من غرفته وجاء مستسلما لها ..بالقرب منها اخته رهف تشاهد التلفاز..وقف في باب الغرفة ثم قال وهو يبتسم(علي النعمة البشوفكم قبل الامتحان والبشوفكم اسع م واحد)..ضحكت الحجة زهرة وهي تتوسط السرير(وليد..سلامتك والله من الامتحانات..والله وشيشك دا اتختف..تعال قنب في العنقريب دا اشرب ليك جبنة)..جلس بالقرب منها وهي تسكب له القهوة..ثم قال (والله ي حجة السنة دي ان شاء الله بجيب نسبة حلوة تدخلني الجامعة)..واخته رهف تضحك (والله م حتجيب اي شي وشك دا م وش جامعة)..ردت الحجة زهرة(بري ي بتي..ولدنا يخش الجامعة ان شاء الله )..ووليد يرتشف كوب القهوة(دي خليها مرض اصلا..كدي التنجح هي)..كانت رهف تبلغ من العمر 13 عاما امتحنت شهادة الاساس وتبقى لنتيجتها شهران..ردت رهف(على الاقل ان شاطرة م زيك بليد)..نظر اليها والكوب في يده وكانت تضحك وهي تشاهد التلفاز(عليك الله م تملينا فقر..شوفي سحر الاسمر ولا العولاق بتاعك دا)...ضحكت الحجة زهرة(ي ولدي اسع اجازتكم كم كدا)..ردت وليد وهوو يتصغح الهاتف(والله زي 6 شهور عديل..قلتا نشوف لي شغل ولا اي حاجة)..ردت الحجة زهرة(اي كلامك صح..اوعاك من العطلة).كان وليد يسكن مع امه الاستاذة حنان التي تعمل استاذة لغة عربية في احدى مدارس البنات في مرحلة الاساس..واخيه الاكبر سعد الذي يبلغ من العمر25سنة خريج بنوك ومصارف جامعة الخرطوم..بعد تخرجه من الجامعة لم يجد وظيفة فعمل سائق ركشة..يكسب قوت يومه ويساعد امه حنان في معيشه البيت..والحجة زهرة والدة الاستاذة حنان..يسكن جميعهم في امدرمان الثورة الحارة ال21 ..
زوج الاستاذة حنان وهو عماد جادالله متوفي منذ 8 سنوات..ترك لهم هذا المنزل..ورحل عن الدنيا.
بعد قليل قدم سعد كان متوسط الطول..معتدل القامة..وجد وليد يشرب القهوة نظر اليه(خلاص انتهيت من امتحاناتك وعايز تقدنا)..ضحك وليد(والله انتا الحتقدني ..اها الشغل كيف في الركشة)..وسعد جلس وهو يسكب بعض القهوة(زي وشك..ي حجة القهوة دي اصلية)..نظرت الحجة بإستغراب(اجي ي يمة شنو الاصلية وما اصلية...دهب هو)...امسك سعد بالكوب وهو يشرب (يعني دسيسة..اها قلتا لي عايز تخش وين ي وليد)..ووليد يتصفح هاتفه وقد وضع ظهره على الدولاب(هندسة مدنية ان شاء الله)..ضحك سعد(ياخ احلام زلوط دي خليها ..قول خشيت واتخرجتا..حتقعد عاطل زي اخوك دا)..رد وليد(علي النعمة انتا محبط اكتر من وش استاذ جادين..الشغل راقد)..نظر وليد الى رهف وجدها مندمجة في التلفاز(عليكم الله عاينو زي دي...هوي ي بت 24 ساعة تلفزيون..م عندك شغلة انتي..ي حجة زهرة اديها تفرك الخدرة)..نظرت اليه رهف .."كجمت خشما" ردت(على فكرة ي سعد انا مؤجزة..يعني اعمل العايزاو)..والحجة زهرة تضحك...سال وليد سعد(اسمعني ياا..م بلقا لي شغل كدا ظريف..جازف لي)..رد سعد وقد نهض للذهاب الى المحطة والبحث عن رزقه بعد ان شرب القهوة(والله الا كن تشتغل طلبة وانتا عارف قروشا زي قروش الحرام بتنتهي بسرعة لكن بشوف ليك..هوي يلا لي بعدين).بعد قليل قدمت الاستاذة حان والدة وليد..مرتدية التوب الابيض..وحاملة الحقيبة السوداء في يدها..وجدتهم في الغرفة مجتمعين وجدت وليد الذي انتهى من امتحاناته(وليد..اها اشتغلتا كيف..انا كنتا مراقبة الرياضيات ..جاتكم ساهلة قالو)..رد وليد(ساهلة ساي..غايتو جازفتها..وتاني خلاص م كل مرة اقرا وبتاع)..ردت والدته التي جلست(لا تاني ماف قراية..بس ي ولدي ربنا يضوقنا فرحتك وتخش الجامعة)..رد(لا م تخافي ان شاء الله).اما سعد فقد اوقف ركشته في المحطة..جلس منتظرا دوره ..جاء اليه صديقه نزار..سائق ركشة هو الاخر..اخذا في الحديث ..قال نزار(والله ي ابو السعود ..الليلة وديت لي مشوار للشهداء..30 جنيه دي دخلتها جيبي..جيت راجع مشوار لاستوب الواحة بي 30 واموري ظبطت)..وسعد خالفه رجله على الاخرى(والله كدا عزيت نفسك..لكن والله مع الزيادات دي م بتعمل شي).رد نزار(والله زي م قلتا البنزين والغاز طارو السما )رد سعد(والله م عارف المقعدني في البلد دي شنو..لو لقيت لي طريقة السعودية ولا قطر.تاني ماف شي بذكرني بالبلد دي الا كيس التمباك دا) واخرج كيسه ووضع (سفة).رد نزار(والله الايامات دي التقديمات شغالة نشوف لينا واسطة ونقد سلك).رفع سعد "منفلة" ركشته(على قولك نشوف واسطة.كدي انا دوري جا استأذنك
يتبع....