الجزء الاول: اللقاء

8.1K 145 11
                                    

عندما ترك الشيطان العرش في قصره بسبب انسية وبدأ المشي في الأرض متخليا عن طبيعته الأصلية ومعتنقا للبشرية نفس المخلوقات التي نفته من النعيم وجعلته ملكا لعالم لا يفارق عالم الانس، بدأت قصتنا عندما أراد الشيطان أو المعروف بعدة أسماء في عدة ثقافات منها ابليس ولوسيفر وعزازيل أن يجوب في الأرض التي يحبها ويرتاح فيها أرض السحر والشعوذة المسماة قديما ببابل وحاليا بسوريا، يمشي فيها ويتأمل حال البشر اليوم في هواتفهم الذكية لا يعلمون أين هي الحياة ولا بما ينتظرهم بعد الموت يمشي ويشاهد و يستنشق الهواء المملوء برائحة السحر الذي وضعه هو بنفسه منذ ملايين السنين ليغري به بني آدم ويظلهم عن طريق الحق.
بينما هو في تجواله اذ يلمح نورا عظيما في معظم الأحوال يخاف من الانوار فلطالما كانت تعني أن احد الملائكة في الأرجاء الذين دائما كانت لهم الغلبة ضده، كانت بنيته ضعيفة فلم يكن يأكل أي شيء من مأكولات بني البشر التي نعرفها و حتى قصره كان يوجد في أعماق البحر الأطلسي لم يكن يملك أجنحة أو قروننا و جلده لم يكن أحمر، كان أشبه بطفل سيء التغذية يقتات على بعض الأعشاب البحرية و الفطريات التي تنمو بجانب قصره جلده شاحب يميل للزرقة فلم يكن يرى نور الشمس الى بضع دقائق كل ألفية، عكس الملائكة الذين يعتبرون في قمة الكمال الجسدي و القوة، يمكن تقسيم العالم الى ثلاثة بشكل أساسي في قمة الهرم يوجد العالم الإلهي الذي يوجد فيه الله مع الملائكة، العالمين الاخرين مرتبطين ببعضهما لدرجة يمكن اعتبارهما واحد عالم الجن وعالم الانس غير أن هناك اختلافا واحدا فيهم الجن يستطيعون ان يروا الانس أما العكس فمستحيل.

رغم ضعف الشيطان الا انه يمتلك ميزة أو قوى خارقة يمكن أن تطلق عليها ما شئت، ميزة يمكنه من خلالها أن يتقمص أي من الاشكال سواء كان ذكرا انثى او حتى حيوانا وعند تقمصه للشكل يمكنه أن يظهر في عالم الانس كما يريد ويشاء خاطره وهذه الميزة ليست حكرا على الشيطان وحده بل حتى كبار العفاريت يمكنهم ان يقوموا بنفس الشيء.
احس من الضوء المشع بعضا من الدفىء الذي لم يحس به من قبل وبخطى ثقيلة اقترب نحوه ليلمح تفاصيل وجهها لأول مرة، لم تكن فائقة الجمال بل كانت في مظهر عادي مجرد فتاة سورية لم تتجاوز ربيعها الثاني والعشرون، اقترب منها ودار حولها بعض مرات يتذكر فيها خطيئته الأولى ولماذا طرد من الجنة، خطيئته الأولى مع ابوها آدم (عليه السلام) و بعد كل هذه السنوات التي لا يستطيع عدها مازال لا يعرف ما هو الشيء المميز في هذه المخلوقات الصغيرة التي تموت بسرعة، استمر بالالتفاف حولها كي يعرف ما سبب النور الذي ينبعث منها النور الملائكي الذي لم يرى مثله من الاف السنين، أراد أن يلهو معها قليلا فأسقط سلة الفواكه التي كانت بيدها فانحنت تلتقطه بدون ان تنطق باي كلمة، جاء صاحب المحل التي كانت فيه بسرعة اليها وقال:
ـ"انتبهي الى اغراضك يا شابة هل انت مصابة بالشلل أم ماذا؟".
ـ"اسفة يا سيدي سوف أقوم بالتقاطها حالا".
استمر صاحب المحل في توبيخ الفتاة التي كانت تعتذر وتعيد في كل مرة، هنا خرج الشيطان من المحل و اتجه الى ركن فارغ من الشارع واستعمل قدرته لكي يخرج في هيئة رجل آدمي وعاد الى المحل اتجه مباشرة الى الفتاة وبدأ في التقاط الفاكهة معها دون أن ينطق بأي حرف من الحروف، انتهى من التقاط الفاكهة فنهض متجها نحو الزقاق كي يعود الى هيئته الشيطانية ومنها الى عرشه اذ بصوت يناديه قائلا:
ـ" يا سيد يا سيد توقف قليلا اريد أن اتحدث معك لبرهة".
توقف الشيطان في مكانه واستدار معلنا موافقته الحديث معها.
ـ"من انت يا سيدي؟ ولماذا ساعدتني ولم يكن لك أي عمل في المحل أنت فقط قمت بمساعدتي والرحيل".
ـ"كنت أراقب من نافذة المحل لم يكن خطئك لقد سقطت السلة من يدك بدون قصد".
استغربت من لكنته الغريبة لكنها إستئنستها في نفس الوقت وتابعت لتقول:
ـ"أنت لست من الارجاء سيدي صحيح؟ هل هذه زيارتك الأولى الى المدينة؟".
ـ"لا ليست الأولى هذه واحدة من المئات يا طفلتي كنت اتي هنا حتى قبل أن تولدي".
عادت البنت مجددا للاستغراب فحسب المظاهر لم يكن يكبرها بكثير فهي مجرد بضع سنوات لكن مجددا تجاهلت استغرابها وواصلت الحديث كأن شيئا يجذبها الى هذا الرجل ويحثها على الاستمرار ومعرفة المزيد".
ـ"انا اسفة يا سيدي لم اعرف بنفسي بعد انا اسمي حواء، وهذه المنطقة هي حيي الذي اقطن فيه تشرفت بلقائك".
حتى وان كان شيطانا أحس أنه يجب أن يقوم بتقديم نفسه وطارت الكلمات من فمه عفويا قائلا:
ـ"لي كل الشرف يا انستي انا آدم".
ـ"انت آدم وانا حواء يا لها من صدفة لطيفة". وابتسمت ابتسامة عفوية وذهبت في طريقها.
هنا ادرك ما فعل كيف له ان يتخذ من اسم الشخص الذي طرد بسببه من الجنة اسما شخصيا له وبقي يفكر في ما فعل حتى وصل الزقاق وعاد الى هيئته الشيطانية واتجه الى عرشه.

توالت الأيام والليالي والشيء الوحيد الذي يفكر فيه هوتلك الفتاة، بدأ قصره يضيق به وكل الأفعال الشيطانية التي يقوم بها أعوانه أصبحت مجرد روتين يومي، ببساطة أصبح كل شيء في مملكته مملا له؛ مر أسبوع على الحادثة و عاد مجددا الى نفس المكان الذي التقى فيه بالفتاة وفي قرارة نفسه يريد أن يلتقيبها مجددا لكن لا شيء وبقي على حاله قرابة الشهر,في يوم من الأيام التي كان يخرج فيها لمح ذلك الضوء مجددا، وعلى غير العادة سار متجها نحوه لكي يتأكد ما اذا كان حواء هناك، ولأول مرة منذ ملايين السنين قام بالابتسامة، ابتسامة مصدرها الحب وليس الكراهية، اسرع الى زقاق وتحول الى هيئته البشرية وذهب مقتربا منها كي يحظى ببعض الكلمات معها.
ـ"مرحبا، لم أرك منذ وقت طويل حواء كيف حالك؟".
ـ"اه ادم أنا بخير الحمد الله ماذا عنك؟". مبتسمة ابتسامة مرحبة.
ـ"بخير، بخير". مبديا علامات الارتباك وعدم الارتياح.
ـ"لم أرك منذ وقت طويل ماذا حدث لك؟".
ـ"لقد كنت خارج البلد لفترة كنت اعمل".
ـ" اهلا بعودتك اذا ارجو انك تستمتع بإقامتك هنا".
ـ"انا مستمتع في الحقيقة لطالما أحببت سوريا".
استمرا في الحديث لمدة و استمتعا في حضرة بعضهما وافترقا مجددا، هذه المرة حزم الشيطان أن يعيش في سوريا وأن يقوم بابتياع منزل في تلك الضاحية كي يلتقي بحواء ويرى مصدر الوميض الصادر منها.

نجل الشيطانWhere stories live. Discover now