وكان مما يطوف حول مجالس البداية من أسئلة؛
متى بدأ الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أول ما نزل عليه؟
وكيف كان يأتيه؟كان السؤال على الأرض، وكانت الإجابة من رب السماء:
قال الله يا ناس: {شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن}، ثم يحكي تحديداً أيّ ليلةٍ فيه، فقال: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}.
وشهر رمضان هو الشهر الذي كان يُجاور فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبل حراء كل عام. -حين كان يعتزل الناس- يُطعم من مرّ عليه من المساكين.
حتى نزل عليه سيدنا جبريل.
•وكان أول ما نزل به من القرآن بشارة النبوة: {اقرأ باسم ربك الذي خلق}.قال ابن عباس عن أول هذا النزول: "إن القرآن نزل جملةً واحدة -في رمضان- في السماء الدنيا، فجُعل في بيت العِزة مكنوناً في الصُحف المُكرمة المرفوعة المُطهرة، ثم نزل مُفرقاً؛ الآية بعد الآية، والسورة بعد السورة، في أجوبة السائلين وفي النوازل".
وهذا له علاقة بسابق علم الله بما يجري وما سيحدث.كيف كان يأتيه؟
•قلنا أن أول ما بدء به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى الشيء في المنام إلا وقع مُحققا.
وربما جاءه جبريل عليه السلام في المنام قبل أن يأتيه في اليقظة، توطئةً وتيسيرا عليه، ورفقاً من الله به لأن أمر النبوءة عظيم وعِبؤُها ثقيل.فهذه أول حالات الوحي، وهو النوم، وقد قال قبله سيدنا إبراهيم عليه السلام لابنه: {إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى؟} فقال له { يا أبتِ افعل ما تؤمر }، فدل على أن الوحي كان يأتيهم في المنام كما يأتيهم في اليقظة. وذلك أن الأنبياء عليهم السلام كانت تنام عيونهم، ولا تنام قلوبهم.
•ثانيا: أن ينفث في روعه الكلام نفثاً، -أي إلهاماً-
وهذا النفث قد يكون من جبريل، أو من الله عزّ وجل:
-كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ورزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب."-وكما قال أكثر المفسرين في قوله سبحانه: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا} أي: هو أن ينفث في روعه بالوحي.
•ثالثاً: أن يأتيه الوحي في مثل صلصلة الجرس، -كأن صوته مثل رنين الجرس، والمقصود بذلك الصوت الشديد- وكان هذا أشد صور الوحي عليه، وقيل إن ذلك ليستجمع قلبه عند تلك الصلصلة، فيكون أوعى لما يسمع وألقن لما يلقى.
يقول رسول الله: فيُفصم عني: أي ينفصل عني. وقد وعيت ما قال: أي حفظت ذلك لأنه نزل على قلبه مباشرة.•رابعا: أن يتمثل له الملَك رجلا، فقد كان يأتيه سيدنا جبريل غالباً في صورة دحية بن خليفة الكلبيّ-رضي الله عنه- وكان رجلا جميلا، -فيعي عنه ما يقول؛ ويرى ويسمع، كلامه فيحفظ ذلك الذي تكلم به الملك.
وقال الله عن ذلك: {لا تحرك به لسانك لتعجل به}، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه المَلك وتلا عليه القرآن، تعجل بالتلاوة معه، لشدة شغفه به، وشوقه لكلام ربه. فتعهد الله له بحفظه في صدره، وأمره بالصبر عليه فقال، {إذا قرأناه فاتبع قرآنه} ، {إن علينا جمعه وقرآنه}؛ أي جمعه لك في صدرك وأن تقرأه. {ثم إن علينا بيانه}. أي تفسيره لك، وتيسير فهمه وأحكامه.•خامساً: أن يتراءى له جبريل عليه السلام في صورته التي خلقه الله فيها، "له ستمائة جناح، يتناثر منها اللؤلؤ والياقوت، كأن عِظم خلقه سد ما بين السماء والأرض."
وقد رآه رسول الله مرتين، وكلمه وهو على تلك الصورة.
{رآه بالأفق المبين}. ثم {رآه نزلةً أخرى عند سِدرة المنتهى}.•سادساً: أن يُكلمه الله من وراء حجاب؛ إما في اليقظة كما كلمه في ليلة الإسراء. {أوحى إلى عبده ما أوحى}، وإما في النوم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ بن جبل، الذي رواه الترمذي،
لما احتبس عنهم في صلاة الصبح، قال: أتاني ربي في أحسن صورة، فقال يا محمد، أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟
فقلت: لا أدري.
فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي، وقال يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: في الكفارات. والدرجات.
فقال وما هن؟-أي المكفرات للذنوب- قلت مشي الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المساجد بعد الصلاة- أي انتظار الصلاة-، وإسباغ الوضوء عند الكريهات، ومن حافظ عليهن عاش بخير ومات بخير، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه."والدرجات: هي إطعام الطعام ولين الكلام، والصلاة بالليل والناس نيام.
قال سلّ. قلت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني..."- وذكره ابن تيمية.وهذه هي رؤيا القلب، والتي أشار إليها الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه، لما سُئل: هل رأى رسول الله ربه؟
-قال: رآه بقلبه. وفي رواية؛ "رآه بفؤاده مرتين."•فهذه ستة أحوال في إتيان الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم. -استعنت بشرح السهيلي في الروض الأنف.
-نُكمل إن شاء الله.
السلسلة| •ميراث رسول الله ﷺ
أنت تقرأ
هل جزاء الإحسان إلا الإحسان
ChickLit"كن أنت من يستخدمه الله لجبر القلوب المنكسرة حتى ولو كنت أكثرهم انكسارًا فمن سار بين الناس جابراً للخواطر أدركه الله في جوف المخاطر قال تعالى : ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾