لِنُعِدْ تَشغيل شريط التسجيل الخاص بِذَاْكِرَتِنَاْ عند آخر لقطةٍ توقفنا عندها مُسترجعين أهم الأحداث التي وقعت بِفصلنا السابق ، عندما فُتِحَ باب الغرفة على تلك السيدة التي سبق و قمنا بوصفها حين أردفت قائلة تلك الكلمات التي غُلِفْتْ معانيها بِشِفْرَةٍ كانت أصعب من أن نقوم بِتَحْلِيْلِهَاْ أو كَأَحَّرُفٍ تم غَلْقُهَاْ بِقُفْلٍ ضائعٌ مِفْتاحُهُ :
"و أخيراً أتيت ، لقد كنت أنتظرك "
فَهِمَهَاْ الصغير على أنها حبٌ و إشتياق تُكنه تلك السيدة له على الرغم من أن أَعْيُنَهُمْ لم تلتقي يوماً و أسمائهم لم تُذْكَرْ عند الآخر و لو صدفةً و فَهِمَهَاْ الكبير على أنها تُوَعِدُهُ و تُنْذِرُهُ بالعقوبة و العذاب جراء ما اقترفه من ذنب جسيم كان هو أساس تواجدها بهذا المكان
كُلٌ من الوالد و إبنه كان يعتقد بشيئٍ يخاله صحيحاً بنظره فَكِلَيّهِما كانا بتعابير أقل ما يقال عنها أنها متناقِضة فكان ما رسم على وَجْهَيْـهِمَاْ مختلفاً كإختلاف اليل و النهار فمنهم من كانت الإبتسامة تشق ووجه سعادة و منهم من كان القلق والتوتر يُقَيِدَاْنِه أسيراً عندهم
لكن الأكبر لم يسمح بنفسه هزيلاً خائفاً من ماضيٍ عفى عنه الزمن - أو هذا ما يعتقده - فَسْتَجْمَعَ ما تبقى له من برود و كبرياء يمثل عدم الإكتراث بالتي تنظر إليه بملامح أشبه بمن ذَبُلَ قَلبهُ إشتياقاً ،
و تورمت عيناه بكاء ،ً و تشققت شفتاهُ حسرةً على الماضي ، و في النهاية بات يتوسل الرب بكل يأس أن يعيد ربط قدره مع محبوبه من جديد
~•.•.•~
فما الحب سِوى نعمةٌ و نقمةٌ سواءُ
يجعل من الواقع فيه في سعادةٍ يخال أنها أبديةٌ
و يزرع بعقله وُروداً متفتحةً زاهيةً
ليكتشف لاحقاً أنه كان بغفوةٍ جميلة مليئةٍ بأحلام
وردية ، و ما الواقعُ إلا ألمٌ و عذابُ
~•.•.•~
ليدفع الوالد إبنه بخفةٍ من الخلف قاصداً تقدمه
فهو من كان راغباً برؤيتها فكيف له الآن أن يختبئ خلف ظهره بعد أن أزعجه برغبته تلك ليردف بعمق :" ما بك يا سونقهوا ، توقف عن التشبث بي هكذا "
" حسن..حسناً "
إكتفى صغيرنا بهذه الكلمة ليعبر عن إِنْصِياعه الكامل لوالده ، على الرغم من إجابته إلا أن والده ما زال مستمراً بدفعه للأمام ، بدى ذلك وكأنه يدفعه للهلاك بمفرده و يقوم بحماية نفسه أليس هذا مثيراً للشفقة فأي أبٍ يضحي بإبنه لحماية نفسه و إن كان الوضع غير خطيراً أصلاً
يدفعه و يدفعه حتى كاد يسقط أثر تعثره بقدمه الأخرى لكن يداً أَرَقَّ من الريش ، أدفئ من الشمس و أنعم من الحرير أحاطت به فأمسكته و منعته من السقوط نعم من أمسك به كانت تلك السيدة المزعوم بأنها والدته إستقبلته بإبتسامة جَعَّدَتْ من تفاصيل وجهها سعادةً لتردف بلطف جعلت منه بغير إدراكٍ أن يشد من فمه الصغير للأعلى جاعلاً من عينه تكاد تختفي تحت خدوده التي تكَوَّرت و إرتفعت بشدة دَلَّتْ على سعادته هو الآخر
" فلتجلس هنا بالقرب مني هيا "
قالت ذلك وهي تشير بيدها إلى مكان بالقرب منها على السرير التي كانت تجلس عليه و الإبتسامة لم تفارق وجهها لحظةً ، ليجلس بتردد و خجل رداً على طلبِها فيشعر بأناملها و هي تتداخل بين خصلات شعره و تداعبه و صوت ضحكاتها ملئ تلك الغرفة التي لم يكن الصوت جزءاً من مكوناتها سابقاً فلم يكُنْ يسمع منها سوى صوت تلك المروحة و هي تدور ببطء و تحرك معها الهواء الذي يبعث الفراغ في الأنفس لتنطق قائلةً :
" أنت حقاً لطيف كم وددت أن أفعل معك هذا منذ وقت طويل "
قالت ذلك بإبسامة أكبر من سابقتها لكن مدتها كانت أقصر لأنه سرعان ما أردف بكلمات جعلت من تلك الإبتسامة تختفي و كأنها لم تكن و ما قاله هو :
" و لما لم تفعلي ؟ و لما لم تكوني معي أصلاً من البداية "
سكوتٌ فظيعٌ قد عمَّ المكان فجأةً فما قاله سبب صدمة لكلٍ من الأب الذي كان قد إتخذ من الجدار رُكنناً يَتموُّضَعُ فيه و يتكئ عليه عاقداً ذراعيه و يستمع لما كانوا يقولونه بعدم إهتمام ، و للأم التي إنطفئ لمعان ذلك الضوء بمُقْلَتِها أثر ما سمعته و عادت عينها سوداء قاتمة لا حياة بها
و لكن ألم يكونا يَعْلَمَان بأنه ربما قد يسأل هذا السؤال و لو نظرنا إلى الأمر بزاوية أي طفل مثل سونقهوا فمن الطبيعيّ أن يكون هذا أول سؤال يطرحه على أمه التي و أخيراً حظيَّ بفرصةٍ لرؤيتها عندما بلغ السابعة ، أي أنه عاش سبعة سنوات دون أمه التي كانت هي محور تفكيره كل ذلك الوقت
فكيف تريدون منه أن لا يسأل عن ما كان يُحَيِّرُهُ و عجز عن الإجابة عنه" أنظر إلى تلك الطيور ! أليست جميلة "
كانت تشير والدته إلى تلك الطيور قُرْبَ النافذة
متجاهلةً الرد على سؤال إبنها التي ظنت أنه قد ينسى ما قاله و يتشتت تركيزه بما أشارت إليه و كان ظنُّها صائباً فهو سارع للإلتفات على النافذة بأعين براقة شديدة اللمعان يراقب تلك الطيور بتلهفٍ و حماس شديدين مُتَناسياً ما سأله سابقاً(مرَّ اليوم سريعاً و إنتهى بتوديع حار من الأم لطفلها
يَعِدُها بتكرار الزيارة ).
.
.
مضت الأيام تكوِّن أسبوعاً ، و مجموعة أسابيع صنعت شهراً ، و أشهر ركضت تكوِّن سنة ، و عدة سنوات أصبحت ... حسناً فلنتوقف عن هذا كل ما أحاول قوله أن بضعة سنوات قد مرت على ذلك اليوم الذي يعتبره سونقهوا كأفضل يوم بحياته ، يتذكر كل لحظة فيه، كل كلمة نطقت بها والدته، كل ضحكة خرجت من شفتها و كل لمسة قامت بها .
إلى أن جاء ذلك اليوم المشؤم الذي تمنى لو لم يكن موجوداً ، تمنى لو ينسى ذلك اليوم تمنى أن يمسحه من ذاكرته تماماً لأن كُل حدثٍ بذلك اليوم تَفَرَّدَ بنغمته الخاصة ، بنغمة مزعجة بحق عُزِفت كَسيمفونية بائسة وسط عالم من الفراغ التام مليئ بسواد فظيع ....
__________________________
أنت تقرأ
𝐑𝐄𝐃
Horror- أَحّمَرٌ . " فَقَطْ عِنْدَمَاْ يَتَحَوَلُ مُجَرَّدَ لَوّنٍ إِلَىْ هَوَسٍ وَ ذُعّرٍ لِلْبَعَضِ " . ⚠️يحتوي على مشاهد عنيفة 𝚜𝚝𝚊𝚛𝚝𝚎𝚍 𝚒𝚗 18-3-20 𝚏𝚒𝚗𝚒𝚜𝚑𝚎𝚍 𝚒𝚗 ...