5

66 10 52
                                    

كعادة أهل هذا الحيّ البائس..
نظرات ارتياب كثيرة تسدد نحوي كأنني دراكولا أو شيء من هذا القبيل..

إنها تؤلم.. حياتي.. تؤلمني جداً..
ولكنني راضيةٌ عنها هكذا.. لايمكن لاحتمالات أخرى ان تناسبني أكثر من وضعي الحالي..

لا أرغب بأحدٍ في حياتي.. الأمر مريح أكثر هكذا..

وحدة، وحدة، وحدة.. والكثير منها يملؤ حياتي..
ياله من امتلاء عجيب فعلاً.

قاطع تفكير إيڤا صوته الحيويّ المعتاد وخطواته السريعة ليقف أمامها بوجهه الذي ملئته حياة الفقر بالبؤس والتعب والشحوب.. لكن ابتسامته البشوش غطت كل تلك المآسي خلفه لتخفيها بشكل شبه كليّ..

"أين غيتارك؟! " صدحت كلمته المتشبّعة بتعجبٍ شديدٍ اتخترق وحدتها  وتشتتها بحدّة وقوة..

كريستوف.. الفتى الوحيد من أهالي هذا الحيّ المتقرقع الذي واتته جرأة كبيرة ليحشر أنفه في حياة إيڤا محاولاً معرفة مايستطيع عن تلك المرأة الغريبة.

ماكان منها الا أن رمقته بنظرتها الباردة المعتادة لتزيح عينها بعد وهلة وتتخذ يمينها بخطوة مفسحة مجالاً لنفسها لتكمل مسيرها..

عادت لتخطو بخطواتها الهادئة برويّة واستمر كريستوف بالسير الى الخلف ووجهه مقابلٌ لها..

كعادته.. مانعاً اياها من تجاهله ومحاولاً تبادل الكلام معها..

"ليس من عادتك الخروج نهاراً إيڤا، ومن دون غيتارك أيضا ً.. أصابني فضول شديد.. الى أين؟؟ ما الذي تغير.. سأستمر بنخر دماغك حتى أعلم.. هيا إيڤا أرجوك أخبريني"

أعلم بأن إلحاحه سوف يستمر كثيراً.. لكنني حقاً أشعر باختناق شديد لما أنا مقدمةٌ على فعله ولا رغبة لي بالتكلم حوله..

" إيڤا.. تعلمين أنني سألحق بك وسيتسبب ذلك بمتاعب كبيرة لي وستتحملين عاتقها ان لم تجيبي؟"
قال جملته بإصراره المعتاد.. سيتسبب بطرده من عمله الذي لايكاد يعيله اصلاً..
وسوف أحمل على عاتقي ذنب عدم دخول ذرّة طعامٍ لفمه او لفم عائلته.. يبدو بأنني مجبرة على التكلم فعلاً..

فحياتي لاتسمح لي بتحمل شيءٍ كهذا مرة أخرى..

" عملٌ جديد" بكل اقتضاب أعطيته إجابة أزادت تطاير علامات الاستفهام حول وجهه..

" عمل من دون غيتارك؟! كيف هذا! وفي وضح النهار.. ماذا ستعملين إيڤا، هل ستتركين العزف؟"
صدحت نبرة صوته بقوة أصمت أذني وزادت امتعاضي بشكل شديد..

أعلم بأنه في العادة يجب أن يظهر على وجهي ملامح امتعاض وغضب شديد..

لكني لا أعلم لماذا أظهر مشاعري الحقيقية أمام هذا الفتى ولا أشعر بسوء لإظهارها..

ذبلت ملامحي وبانت تعاسةٌ شديدةٌ على وجهي بينما أوقفت خطواتي تماماً واستقرت  على الأرض نظراتي المحملة ببؤس شديد ..

"لقد قدمت طلب لوظيفة يا كريس .. قدمته اضطراراً لحاجتي لشيء يحتاج مالاً لايستطيع تأمينه لي عملي كعازفة.. لكنني بالتأكيد لن اهجر العزف كريس.. تعلم هذا "

تبادلا النظرات لعدة ثوانٍ حتى تغيرت ملامح كريس كما تناديه هي لتظهر ابتسامته الدافئة المطمئنة وتجعل خيطاً رفيعاً من الدفء والطمأنينة يتسلل لأعماق قلبها..

"سعيد لأجلك.. سعيد جدا يا إيڤا.. سعيد إن أقسمتي لي بأنك تحتاجين لمال لشيء غير صحتك.. أقسمي بأنك لست مريضة "

أحبت كلامه المليء بالدفء والقلق.. حاوط كلامه شغاف قلبها بطبقة رقيقة من الدفء الذي بعث بها شيء من السعادة..

هذا الفتى وحده من يستمر بجعلها تتذكر بأنها انسان ولديها عواطف..

رغم إعجابها الشديد وراحتها الشديدة لسؤاله... الا أن تلك المشاعر لم تخرج سوا على شكل تربيتةٍ صغيرةٍ على كتف كريس " ليس لسبب صحيّ، أنا بكامل صحتي" أخبرته بصوت شديد الثبات ورغم جمود ملامحها الا أن قلبه استطاع ان يطمأن ويعلم بأنها صادقة..

أحاطت يديه إيڤا بكل عفوية لينقل لها شعوره بالسعادة والاطمئنان بحضن قصير جدا وسريع.

هذا الحضن لطالما أشعرها بشعور لم تسطتع فهمه يوماً.. لكن كل ماتعرفه أنه يريحها بطريقة ما.

"سوف أنتظر عودتك، اليوم سأذهب معك ليلاً الى النادي لأحضر عزفك.. بلغت الثامنة عشر الليلة الماضية، لن تستطيعي منعي من مرافقتك بعد الآن"

أخبرها كلماته بحماس شديد وهو يبتعد عنها ملوحاً ليعود الى عمله ويتركها في جوف حياتها وحيدة مرة أخرى..

لايمكن للأمر أن يكون سيئاً جداً إيڤا.. اصبري كعادتك!.

واست نفسها بكلمات لم تستطع إدخال الطمأنينة الى قلبها بقدر ما فعل حضن الفتى كريس لها.

عليها أن تتابع المسير وأن تخرج عن الخط الذي رسمته لحياتها في بعض الأحيان.. فلا وجود لخطط مثالية.. كما أنه لا وجود لمصطلح (مثالية) أصلاً في هذا الكون..
تعلم هذا بشكل يقينيّ.. ولذلك اختارت لحياتها أسلوباً بغاية السوء كهذا..

_____________________

ماتنسو ال vote⭐⭐
و ال comment 💬
و ال follow 💗💗🥰

لا زالت!! حيث تعيش القصص. اكتشف الآن