لم اعرف كيف وجدت نفسي قد نهضت خلف المدعوّة إيڤا تلك وبدٱت أسير خلفها في جولتها كما بدى لي..
سرنا شرقاً مبتعدين عن كافيه موران قاطعين عدّة أحياء فرنسية مبنية على الطراز القديم وقد كانت وجهتها كنيسة مادلين كما بدى لاحقاً..
ظهر أمامنا مبنى كنيسة مادلين المهيب المبني على ارتفاع نحو عدة اقدام عن الأرض.. انها الكنيسة الفرنسية الوحيدة المبنية على طراز المعابد اليونانية كانت محاطة برواق مهيب من عشرات الاعمدة الضخمة المزركشة.. صعدت خلفها حوالي ال75 درجةٍ أو أكثر قليلاً.. لم أستطع أن أكون دقيقاً في عدّي بسبب الإجهاد الذي أصابني من سرعة خطواتها..
دلفنا الى باحة الكنيسة لأصاب بالانبهار الشديد.. إنها مرتي الأولى حقيقةً في هذه الكنيسة..
أول دخولي ملئ أذني دبيب أصوات زوار المكان الذي كان قوياً بسبب هول اتساع المكان وضخامته...صعدت عيناي بهدوء وحذر من الأرضية الرخامية المزركشة الى الثريّات الضخمة المتدليّة من أعلى سقف الكنيسة..
لم تكن روعة الارضية الرخامية أقل من روعة السقف المكون من أربعة قببٍ ضخمة يدخل من خلال زجاجها ضوء الشمس الى المكان لينعكس على تلك الجدران المليئة بالنقوش وعلى التماثيل التي تملئ ساحتها..لم أستطع الانبهار أكثر بروعة وضخامة المكان لكي لا أضيّع مرشدتي السياحية التي أتجول خلفها خلسةً..
تابعت السير خلف خطواتها .. سارت بخط مستقيم تماماً بينما لم تزح عيناها عن التمثال الذي تسير باتجاهه أبداً..
كان التمثال لطفل يسند نفسه على أمرأة بينما تسنده المرأة من كتفه جيداُ وهي تحمل بيدها كأساً من الماء كما فسرته مخيلتي .. وبدى لي بأن المرأة ليست سوى أُمّ ذلك الطفل.. لكنه لم يَرُق لي حقيقة أبداً، ولم أفهم سبب تحديقها المطول به والذي انتهى بتنهيدة طويلة بدت شديدة البؤس.
استدارت بهدوء و بشكل آليٍّ غريب، عدلت غيتارها على كتفها لتعاود السير بذات الخط المستقيم خارجة من الكنيسة..
لن أسرد الاسئلة التي تتزاحم في رأسي ولن أحاول التفكير بها لأنها كثيرةٌ جداً وبلا أجاباتٍ مفيدةٍ بالتأكيد..
لم يبدو لي بأن جولتها قد انتهت أبداً.. فقد أخذت غربها هذه المرة لتسير بمحاذاة نهر السين..
رأيتها تضع سماعات الأذن وتشغل هاتفها لتستمع على مايبدو لشيء يؤنسُ وحدتها ويجعل جولتها ممتعةً أكثر..
لست أدري السبب مرة أخرى لكنني فعلت مثلها وتابعت السير خلفها على مسافة آمنة كي لا تتمكن من ملاحظتي..سرت خلفها حوالي ساعة كاملة على محاذاة نهر السين حتى ظننت أنها ستذهب لشارع الشانزليزيه..
ولكنها لم تفعل.. شعرت أنها أشمئزت عندما خرجت من شرودها ولاحظت بأنها قد أصبحت هناك..
وقفت لبرهة ثم استدارت يميناً لتغير وجهتها..
تشعرني بأنها إنسانٌ آلي بتلك الحركة.. التوقف، الاستدارة،ثم إكمال السير.. أمنَ الضروريّ القيام بتلك الوقفات للاستدارة بدل أن تقوم بالاستدارة بشكل طبيعي وحسب ؟!!..
لن أحاول التفكير في إجابة!! فعلى مايبدو إن حياتها وشخصيتها تحوي الكثير من التصرفات والعادات الغير مألوفة قليلاً..!!