1

19 0 0
                                    

(١)

كنت أرهب تلك المجموعات التي يترأسها الحقد والغباء المستتر خلف الوجوه الضاحكة، يا ليتها ضاحكة ؛هي متصنعة لا اكثر.
ولكن كنت أبحث دوماً عن شخص ينافي كل ذلك، شخص يمشي وحيداَ، لاتتربصه تلك العيون الوحشية، لا تتساقط عليه أضواء الحديث الملوّنة بالسخط والتذمر، ودائماً أنجح في استخراجه وَسَط ذلك الصخب المُدوي، من السهل أن تجده ، ولكن من الصعب أن تحافظ على رؤيتك إياه،فهو مضاد لتلك الحشود، يذهب بعيداً ، بل أبعد مما تتخيّل، يحافظ على انتظام دقات قلبه؛ حتى لا يتأثر بمن حوله، هو مُجبر على الحضور، لا يريد أن يخسر ما تبقى له في حياته، هي ثم أصدقاؤه.

ترفع هاتفها في صعوبة بيّن ذلك الزحام، لتضغط على الخانة الأولى التي طالما استحوذ عليها، هو لا يتربص المنزلة الأولى سوى في هاتفها، تنتظر انتهاء ذلك الصفير لتسمع صوته يجيب عليها، ولكنها تعلم أنه لا يحب المُبَادرة في الكلام، فتقول: "إنت فين يابني؟ إنت جاي معايا عشان أدوّر عليك؟"
يجيب عليها بعد تردد في اختيار الكلمات المُوّفَقة؛ حتى لا يصطدم بغضبها:"أهو..حسيت بخنقة فطلعت بره في الهوا أخد نفسي".
"يابني عيب اللي بتعمله، أحمد لو بص على المعازيم وملقكش هيزعل!"
"لا متخافيش؛أحمد أكتر واحد فاهمني."
"يا سلام!؟"
" أو تاني أكتر واحد، مش عارف"
تضحك تلقائياً ثم تجيبه" طب هتسيبني لوحدي وسط الناس اللي معرفهاش دي؟"
" يا بنتي إنتي اللي سبتيني أقعد لوحدي وروحتي تقفي مع صحباتك، ولا المفروض أقف معاكم؟ لو معندهمش مانع هاجي أقف معاهم"
"اتلَّم، ثم أنا روحت أقف معاهم لما نادوا عليا ومفيش ١٠دقايق ورجعت تاني وملقتكش"
"حاضر ، أنا داخل أهو"
يرفع عينيه ليوجها صوب تلك النجوم المتلألأة ، ثم يأخذ نفساً عميقاً؛ معلناً أنه مُتجه نحو ما يكرهه، الزحام..

"بس مقولتليش، اي القمر اللي إنتي لابساه ده ، هو الكراش معزوم على الفرح ده ولا اي؟"
"يابني دي سابع مرة تعلّق على اللي لابساه النهارده في أقل من ساعة!!!"
"وبعدين أه جه هو النهارده، وشكله جميل أوي المرادي"
"نعم!!؟"
"اي، مش إنت اللي بتسألني"
"ولابس اي الخرا اللي بتتكلمي عنه ده؟ ولا أقولك، هو فين عشان أشوف ذوقك؟"
"مش عارفة ، كان هنا من شوية واختفي وقعدت أدوّر عليه"

يبتسم ابتسامة خفيفة، هو يحب أن يعبث معها حتى يراها غاضبة قليلاً،فيخبرها" تعرفي إن العروسة شكلها حلو أوي، أحمد عرف يختار والله"
تنظر له وعيناها تستشيط "وإنت مالك بيها؟ وتبصلها ليه أصلاً؟ إنت جاي عشان أحمد ولا عشان اللي هيتجوزها أحمد؟"
"شششششش، سامعة؟ الأغنية اللي بتحبيها أهي..تعالي نرقص"
كان يستعد لذلك اليوم أياماً أرهق فيها نفسه، قضى الليل كله يحاول أن يتعلم رقصة واحدة حتى، يحاول أن يحفظ تلك الأغاني التي تحبها، بل طلب من صديقه أحمد أن يسمح بتشغيل تلك الأغنية بين ذلك الدوّي المستمر..
"إي ده ما أنت بتعرف ترقص أهو، أمال اي اللي مش بعرف والكلام ده؟"
" هو أنا هرقص مع أي حد ولا اي؟"
تسيطر على وجهها علامات الخجل، الغريب أن كل مرة يُلقي فيها تلك العبارات كانت تخفض رأسها خجلاً،بالرغم من أن علاقتهما بدأت منذ ولادتهما، وتستمر طوال الليل والنهار، لا يعلمان أهي علاقة حب؟صداقة؟ أم مجرد علاقة تربط بين أصحاب منزلين متجاورين؟

هو وهي.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن