(٣)
يدق الجرس ليعلن أنه وقت الاستراحة أو كما يقولون(الفسحة)..
يجري مهرولاً، يصطدم في أصدقاءه وكذلك باقي الطلاب، لا يهمه شيء ،يمسك جيداً في ذلك الكيس الذي أعدّته والدته في صباح هذا اليوم، البعض من الفاكهة الطازجة وبعض السندوتشات المفضلة لديه، يقبض الكيس بقبضته كأنه يحميه من الجميع، الآن وصل إلى ما يريد ، ذلك المقعد الذي اعتادا أن يجلسا سوياً معاً، يمسح عرقه في أكمامه، لايريد أن يظهر سيئاً أمامها..
أما هي، سندريلا تمشي بهدوء تام بين تلك الضجة الناتجة من هؤلاء الأطفال الأشقيّة، ملابسها تبدو نظيفة تماماً، لا يتخللها شيء، تربط شعرها كعادتها بطريقة مختلفة، لا تجيد ربطه ولكنها مازالت جميلة، حاملة في يديها صندوق بلاستيكي صغير تضع فيه طعامها حتى تجلس بجواره...
"كل مرة أنا اللي أفوز في السباق وأجي الأول ولا اي؟"
"عشان إنت خمّام وبتجري بسرعة"
"لا أنا مشيت براحة خالص"
"باين على وشك الأحمر ههه"
"إحنا الولاد جامدين وأحسن منكم عشان كده بنكسب"
"يلا ناكل عشان الفسحة بدأت من شوية ومش عايزة أتأخر عن حصة العربي"
"وأنا كمان، لازم أقف على السلم عشان أمنع العيال ومتهربش"
"بص ماما جابتلي اي ، البانيه اللي بحبه ، أنا بحب ماما "
"وأنا كمان بحبها، بتعمل أكل جميل، بس أكل أمي أحلى، حتى دوقي.."
يجلسان معاً؛ حتى ينتهي كل منهما من طعامه ؛ مستمعين لنصيحة الأمهات [الشاطر هو اللي بيخلص الأكل كله]وهما يتناجيان مع بعضهما البعض لحين انتهاء الفسحة، يذهب أحد الأشقية ليعبث معها...
"هاتي السندوتش ده"
"إنت بتعمل اي ياعبدالله؟إنت بتضايقها ليه؟"
"ملكش دعوة، أنا عايز السندوتش ده وهاخده دلوقتي"
"بس ده مش بتاعك ، ده السندوتش بتاعها"
"إنت مصمم بقى..."
كان يعلم أنه وقع في كارثة، فهو عبدالله ...الطفل الأقوي في هذه المدرسة، ابن لمعلمة تُدّرس هنا، ضحم الجسد مقارنة بزملاءه، كما أنه الأكبر هنا، عبدالله في الصف السادس، هو في الثالث، هي أصغر منه بعام..
ولكنه علم أنه سيخسر سواء عاركه أو ظل واقفاً يتلقى تلك اللكمات، هو لا يحب أن يظهر أمامها خاسراً..
ابتعد عن مقعده قليلاً ثم قفز تجاه ذلك الضخم، لم يوقعه كما تخيل، ولكنه وقع بعد ذلك، بعد يلكمه مردداَ"متجيش جنبها تاني"
الأطفال يصفقون ، البعض يبعد الطرفين عن بعضهما، البعض يساند هذا الضخم؛ فهو الكبير هنا ...
بضع دقائق، وجد نفسه أمام خمسة أو ستة طلاب كأمثال ذاك الضخم، انهالوا عليه بضرب قاسي
الفتيات تصرخن، هي تبكي ، الأولاد خائفين من الاقتراب أو العبث مع هؤلاء الكبار..
ينهي الموقف تدخل المعلمين، ما هذا الدم؟ هل هذا كله من فتى واحد؟ يا إلهي!! ملابس عبدالله امتلئت بدماء ذلك الضعيف، ولكنه يقف ويضحك على عبدالله بعدما استطاع أن يرسم على وجه بعض الكدمات التي من الصعب إخفاؤها، هو يعلم أن ذلك نصراً في حد ذاته..
كالعادة ، ينتهي الأمر داخل غرفة المدير بعد أن وبّخ الطرفين وطلب من كل واحد منهما أن يقبّل رأس الآخر...
يُقبّل رأس الضخم ويخبره بصوت خافت جداً"السندوتش جميل أوي"
أنت تقرأ
هو وهي.
عاطفيةأحيانًا نجد عقلنا يحاكي قصة حب لم نراها في حياتنا اليومية، وتلك إحدى المرات الذي راوغني عقلي فيها.