(٢)
ينتهي هذا الصخب العالي بتوديع الأشخاص للعروسين، وتنتهي أيضاً مغامرتهما كذلك بعد أن سلّم على صديقه أحمد ،وبعد أن ودّعت هي صديقاتها.
"ها يا بنتي، أظن إحنا خلّصنا خلاص ولازم نروّح، الساعة لو وصلت ١١ أبوكي هيقتلني"
"لالا الجو هنا حلو وأنا عايزة أتمشى شوية"
الجميل في الأمر أنه حفظها، حفظ ردودها وحفظ تفكيرها، وكان يعلم يقيناً بأنها ستختار المشىّ عن السيارة، فأوصى صديقه بأن يعيد سيارته،في حين أنه سيلقي بعض الكلمات التي جمعها بعد صراع داخلي في الطريق ..
"عارفة؟ أحلى حاجة في الليل هي القمر، بحسه كائن مش مفهوم حكايته..هو مش بيطلع نور ولا حاجة .. بس بالرغم من كده، لازم يظهرلنا كل يوم بليل وهو منوّر...
بحسه دايماً بيعاني عشان ينوّر، وإحنا مش هاممنا إلا إننا نشوفه وخلاص، مش مهم بيطلع إزاي ، بينوّر إزاي..المهم إنه بيطلّع
عامل كده زي بتاع الدليڤري، مش مهم اسمه أو شكله، المهم إننا نشوفه"
يقطع سكونها ضحكات خفيفة تغيّر من مجرى الحديث قليلاً
"ما أنت كنت حلو في الأول ، اي اللي جاب بتاع الدليڤري دلوقتي؟ وبعدين صح أنا جعانة"
"ربنا يهديكي، إحنا مش لسه واكلين في الفرح؟"
" هو ده أكل؟ ولا تقصد إني تخينة وباكل كتير؟!"
" تصدقي بالله أنا كمان جوعت..تعالي نشوف أي مطعم"
يستغل ذلك الموضوع حتي يلتقط يديها اليمنى ؛بحجة أنه يعرف الطريق، ولكنه ينسى نفسه بعدما لمس يديها، الآن أصبح تائهاً...لا يتكلم ولا يحرك وجهه..
"فين المطعم ، أنا بقالي ربع ساعة ماشية!"
"يابنتي مش من شوية كنتي عايزة تمشي؟ وبعدين هانت مفيش إلا دقيقتين أهو"
هو يكره أن يصل، لأن حينها لن يكون هناك داعي لأن يمسك يديها.
أما هي فيقتلها الوقت، تنتظر المكان بفارغ الصبر؛ لأن حينها سيجلس أمامها وستوّبخه قليلاً حتى تستطيع أن تنظر إلى عيناه دون خجل.
"وبعدين مقولتليش، اي المكالمة اللي جت لحضرتك إمبارح وكانت ٣ساعات دي؟!"
"كنت بكلّم التيم عشان البروچكت اللي هيتسلّم الأسبوع الجاي"
"والتيم ده اللي فيه منى ،صح؟"
"الله يفتح عليكي"
"أيوه بتكلمها ليه بقى"
"يا بنتي هو أنا قولتلك كلمتها هي بس؟ كنت بتكلّم مع التيم كله، مش هقعد ٣ساعات أكلّم منى بس، ليه؟بحب!!"
"والله اسأل نفسك، وبعدين أنا مالي.. أنا جاية أكل وبعدين تروّحني"
" ما أنا الخدام بتاع أهلك أه"
"نعم؟"
"لالا ، بقول الأكل هنا طعمه تحفة"يمر الوقت، وكلاهما لا يشعران به، فقط ذلك الهواء البارد هو الذي يتخلخل جسدهما،لاحظ هو ذلك، فسارع بخلع معطفه.."شكلك سقعانة ، خدي البسي الچاكيت ده"
"فعلاً الجو بقي سقعة أوي"
"اي شغل الفرافير ده، أمال العساكر اللي واقفين في عز السقعة يعملوا اي؟"
"يلبسوا حاجة تقيلة!!"
"نبيهة أوي ماشاء الله"
ينتهيان من الطعام وكذلك الحديث..ها هما يعلنا موعد الرحيل
"ياحلاوة!!أبوكي بيرن أهو، أقوله اي دلوقتي؟ بنتك كانت جعانة وبأكلها؟"
"إنت هتذلني ولا اي بقى؟ "
يرفع هاتفه ويذهب بعيداً قليلاً عنها حتى يحدّث والدها ويخبره بإنها بخير معه....
تعبث هي على الطاولة بيديها الناعمة، لا تدري ماذا تفعل معه، لا تدري من هو بالنسبة لها؟ تلك المشاعر المشوبة، دائماً ما تبعد عين المرء عن الصواب، تلعب بالعقل حتى لا يعي ما حاله...
"يلا بينا عشان كمان شوية وأبوكي هيجي يقتلنا سوا"
يأخذ بيديها برفق، كان يحب تلك الحركة التي تحدث كثيراً في الأفلام الأمريكية ، كان ينتظرها بشدة، كأنه على استعداد تام أن يضحي بحياته لكي ينال ويحظى بهذه اللحظة، وها قد نالها..يعودان الآن من نفس الطريق، طريقة يجمع بين دفء البحر ليلاً وتلك البرودة القاسية، والقليل من الرومانسية المسيطرة على قلوب العُشاق الذين يجلسون بجانب البحر، يتبادلون الهمسات والضحكات الخافتة ،يستمعون إلى أغانيهم المفضلة، يأكلون ما يشتهون سوياً..
يشاهد كلاً منهما ذلك السيناريو، ويصنع كلاهما سيناريو أفضل مما يروّنه، ولكن لا يستطيع أحد أن يبلغ الآخر عما يشاهد في مخيلته أو حتى أن يضع تعليقاً على ما يراه.
وهكذا..ظلّا ينظرون ويتخيلون ما يحبون حتى سرقهم الطريق ووصلا إلى تلك المنطقة ، ذلك الحي الذي جمعهما صِغار وكبار، كلٌ يدرك علاقتهما باستثناءهما ، مُشتتين..
"الحمد لله على السلامة يا جميل"
" جميل؟ من إمتى الكلام اللطيف ده بيتقالّي"
"من النهارده"
يزداد وجهه خجلاً، وهي كذلك..حتى توّدعه وتجري مسرعةً إلى بوابة منزلها،ينتظرها حتى تغلق هذه البوابة.يُحدث هاتفها ذلك الصوت المميز اللذي يُعلن إنه يرن عليها، فتبتسم وتفتح مسرعة..
"يا سلام!"
"فيه اي؟ ده ذنبي إني بتطمّن عليكي؟"
" على أساس إني كنت مع مين؟ ده أنا لسه مطلعتش السلّم حتى"
"ماشي يا جميل"
" جميل تاني؟"
"لا ، إنتي لازم تتعودي عليها بعد كده"
تضحك ولا تدري ماذا تقول...
"يلّا مش عايز أطوّل عليكي، بيباي يا جميل "
"بيباي"
يدخل غرفته وبداخله شيء غريب، لم يعتاد على ذلك..هناك خطب بقلبه، هل سيفعلها؟
يجلس بجوار ذلك الورق المتناثر اللذي يغطي أثاث غرفته لا يفكر إلا في شيء واحد ، هل حان الوقت؟يفتح باب بلكونته، يشغل بعض من الأغاني التي ضمها في مجموعة واحدة ، اسماها(هي) ، كل جملة بداخل أغنية فيهن تذكره بها ، وراح يمضي ساعات وهو يحاول أن يعد تلك النجوم.
كان يحب الفضاء ، يعشق تلك السجادة الزرقاء المتلألأة ليلاً،كان يحب أن يكون رائداً فضائياً، أو على الأقل أن يحظى بعملٍ متصل بمجال الفضاء؛ ولذلك سجلّها على هاتفه(كوكبي)سكوت كثيف، صوت نباح الكلاب العاليّ، الآن يعرف أن الفجر قد حان..وهو سئم الجلوس والنظر إلى السماء فحسب..يمسك هاتفه، يختار اسمها ثم يضغط عليه...
تغلق باب منزلها، تعلم أنها متأخرة وأنها ستنال العقاب من والديها، مهلاً لم يحدث ذلك، كيف؟
اعتادت أن تناله إن رجعت قبل ذلك الوقت حين تخرج مع صديقاتها، أمر عجيب..
ولكن ذلك لم يعكر خطواتها الخفيفة التي تظهرها كما لو أنها ترقص في زفافها..تدخل غرفتها، تأخذ تلك الدمية - الذي أهداها إياها منذ الابتدائية - وتضعها بين يديها وتذهب في النوم وهي تقول (أخيراً)تستيقظ على صوت هاتفها ، الصوت الذي يخبرها بأنه يتصل ، كانت تُفضّل أن تسجله بما يستحقه، ولكنها لن تنجو من سخافة أختها إن رأت ذلك، فاضطرت أن تسجله باسمه..
لم يكن من العادة أن يتصل في ذلك الوقت ..أحست أن هناك مشكلة، فأسرعت إلى الهاتف وضغطت على الزر
" خير يابني فيه اي"
بصوت هادئ ثقيل، يملؤه الثقة "صاحية؟"
ارتابت من تلك النبرة" تقريباً أه ،فيه اي قلقتني؟"
"بحبك"
......
أنت تقرأ
هو وهي.
Romanceأحيانًا نجد عقلنا يحاكي قصة حب لم نراها في حياتنا اليومية، وتلك إحدى المرات الذي راوغني عقلي فيها.