الفصل الأول

4.5K 76 12
                                    

"فهمي ما يحدث ؟!!".
كانت نظراته الجامدة على الهاتف الذي أغلق فلم يعد يمنحه شيئاً ، ولا حتى رسالة مسجلة كلما كرر الاتصال .. رفع عيناه إليها وكأنه لا يراها .. عاودت النظر إليه والهتاف .. ومس عضديه بأنامل مرتجفة لا تجرؤ على الاقتراب لكنها جاهدت وفعلت :" فهمي ما بك .. ارتفع صوتك وأنت تكلم أمي فما بها؟!"
ارتجاف صوته عندما أفاق لمكانه :"أبي .. فتحي .. حادث ..".
كرر حادث داخل عقله باضطراب .. ثم قطع الغرفة بخطوتين تجاه الشاشة المظلمة المعلقة على الجدار ..يبدل بواسطة جهاز التحكم عن بعد في قنواتها فيجلب إحدى القنوات الإخبارية بالوطن .. وجد بالفعل ما يصبو إليه .. هذا شارعهم .. عربات الإطفاء تخرج منه .. معرضهم كما هو .. لكن مهلاً .. أمر عقله بالتريث .. بينما شروق تقف ملاصقة له وكأن لا شيء كان يفصلهما من لحظات.. ولا كأن هناك طلب قد طال سمعه منها كوابل من رصاص ..
غمغمت بشهقة ملتاعة :" فهمي .. هل ما يقوله المراسل هو صحيح ؟!!".
نظر إليها وكأنه يعي للتو ما يحدث فهتف وهو يضع رأسه بين كفيه ويدور حول نفسه :" أبي .. أبي .. فتحي .. نعم ..أمي قالت هذا وهناك غيرهم .. لكن من هذا الذي يفكر في تفجير معرض ذهب .. أو سرقة معرض في الشوارع الجانبية الفقيرة ".
أجابته وهي تأخذ كفه بين راحتيها :" اللص لا يفرق معه .. المهم أنه معرض ذهب .. بالنهاية كل شيء قضاء الله فهمي .. دعنا نكرر محاولة الاتصال بهم .. سوف أتصل على اسما .. سيكونا بخير ".
ارتفاع رنين الباب في شقتهم الجديدة جعلها تنتفض في مكانها وتسجل عيناها جمود لحظي .. بينما تنتظر مكانها سحب كفه من بين أصابعها مذكراً قلبه بطلبها .. فتحتضن هي نفسها وتثبت قلبها تحت راحتيها حتى لا يخرج من مكانه في هذه اللحظة الصعبة وكأنه كتب عليها الفقد بمرارة حزنه صك ملكية أبدية ..
لم يتحرك فهمي فقد ترك هذه المهمة لطاقم الخدمة الذي جلبه ليريحها بالفعل طرقة مهذبة قطعت عليهما الصمت معلنة حالة من الاستنفار الغير طبيعي .. أسرعت خلايا القلب تتضارب بأقصى طاقتها :"سيد فهمي هناك ضيف لك ؟!!".
بصورة من يجيد العربية لكنه ما زال يحشو فمه بلهجة بلاده تحدثت الخادمة الماليزية ثم تركت الباب لتجيد استقبال الضيف ..
ارتفع جدار سميك من التوتر حاولت شروق اختراقه بمطالبتها الحوار بصوت يتمسك بتلابيب الاعتذار:" فهمي رجاء ".
رفع لها كفه من مكانه الذي لا يبعد سوى خطوة واحدة ولكنه بدا لها قصياً بمسافة ميل كامل ..مانعاً سيل كلمات قد تجرحهما معاً :" فيما بعد .. سأحقق لك كل ما تطلبين .. ما طلبتِ ليس شيئاً مستحيلاً".
خرج من الغرفة بكبرياء رجولي يرفض الكسر .. يرفض الشفقة في الوضع الجديد الذي صار فيه ..تاركاً خلفه ظلال أنثى محطمة .. ممزعة بين واجبها نحو طفلها الوحيد وبين زوجها الذي في محنة شديدة .. لابد لها من الصمود من أجله .. حتى لو أراد تركها وهذا ما ترجمه عقلها من كلماته الأخيرة .. ما طلبتِ ليس شيئاً مستحيلاً..
وضعت راحتيها على وجهها تمسح عينيها .. تستعد للخروج من كل الدنيا .. تنظر حولها لغرفتها الجديدة التي لم تمكث بها ساعات طويلة .. بل هناك أدراج لم تمسها بيدها بعد ولم تفتحها .. أليس ما هي فيه هو الظلم نفسه .. حنين جارف يأخذها لتعود هناك بمنزل الحاج ناصف حيث أمانها الحقيقي .. اجتماع عائلة تمنتها .. انتفضت مرات مدركة أن الرجل مصاب ولا أحد يعرف ما به وما مدى إصابته .. يتطلب وضعه الدعاء منها وليس الأنانية .. قررت أن ابنها هو ما تريد له الأمان .. مازن هو أهم منها.. حياته أهم من حياتها .. رفعت كفيها بالدعاء للرجل المصاب وابنه ثم مسحت عينيها التي باغتتها تهبط بقطرات مالحة فوق صخرة قلبها الساخنة ..
نظرت للمرآة البلورية ذات الصناعة المميزة الموضوعة فوق منضدة الزينة والتي تدل على ذوق راق في الاختيار .. لم تصدق أن كل ما فعلته معه النظر داخل عدة ملفات اختارا معاً الشقة من بين عدة أماكن أتاحتها الشركة .. اختارا هذه الشقة ذات الطابقين للعمر أو هكذا كانت تظن فالعمر معها كان لحظة سعادة زائفة .. زيفتها لنفسها .. أي سعادة لبنت زين العابدين التي باعها كجارية فلم تملك احترام الزوجة الشرعية السائرة في ضوء الشمس بعزة وكرامة ..
مسحت عينيها قبل أن تهطل من جديد بدمع الفقد ففي اختيارها لا يوجد ثالث .. ثم عدلت من وضع طرحتها التي اهالتها على شعرها .. خرجت لتواجه مصيرها المحتوم ..

الآن،فقط أجيبك؟[الجزء الخامس من سلسلة حد العشق]!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن