الفصل الرابع

312 5 0
                                    


قبل قليل،،

"تزوجيني!".
نظرت له بيرين بعدم فهم ثم استوعبت ما يقول، حركت رأسها رفضاً ثم قالت له: "لماذا؟ لأن عمك يتوقع مكاسباً؟ أم لأن زوج أختي لم يستوعب ما حدث أم لأني حاولت إيلامك؟؟" شرد بشفتيها الرائعتين اللتان كلما همست أو تحدثت تتخذان شكل قلب صغير بدعوة إغراء غير اعتيادية يتمنى أن يقطف من أزهارها الوردية ما يروي ظمأه، أخيراً أجابها بالإجابة الوحيدة التي تحل الأحجية الظالمة الإثم بينهما: "أنتِ تعلمين أننا يجب أن نتزوج فقد أخذتكِ عنوة!".
حركت حاجبيها بعدم فهم ثم أجابت ببساطة: "لا، لن نتزوج!".
مدّ يده في غفلة منه ذاته وقبض على كفها فلم تبالي بيده: "دعيني أكفر عن أخطائي تجاهكِ فلا أقدر أن أحيا مع ذنبي تجاهكِ" حاولت أن تسحب كفها منه ولكنه شدد عليها وهو يقول بخزي وشعور مظلم: "تزوجيني لأنني اغتصبتُ طفولتكِ، براءتكِ... اغتصبتكِ!".
أجابته بحقد مموه بالشفقة الوليدة تجاهه: "لا، لن نفعل.. لأنكَ لم تفعل!"
نظر لها وقد تدلت شفته لأسفل فبدا مظهره يدعو للضحك ولكنها لم تفعل، ازدرد ريقه بصعوبة وهو يهتف: "أنتِ تكذبين".
كانت إجابتها كمن عبر الجسر ووقف بنهايته ينوي أن يقطع الحبل حتى لا يعود للطرف الآخر منه أبداً: "هل تظن أنني أكذب فعلاً؟!" وأردفت بقوة: "لا، لن أكذب بهذا الشيء، أنتَ لم تغتصبني!".
تردد صدى كلماتها داخل قوقعة عقله: "لم تفعل! لم تفعل!".
انتفض جسده ولم يرَ أمام عينيه سوى ألمه ووجعه، له أعوام يعيش بذنب واهٍ لم يحدث أبداً.. مقابل كل الوجع لابد أن تقترف الآثام، همس بغشية: "لم يحدث؟! كيف هذا؟! وشعوري؟ ومحاولتك لقتلي؟؟ كل هذا كان عبثاً!" لم يحدث؟! هل كل أوجاع أعوام طوال صارت بلحظة (لم يحدث)؟
صرخ بها لدرجة انتفضت أمامه بهذه اللحظة من جنونه: "لم يحدث أيتها المخادعة؟!" نظرت داخل عينيه بفراغ في محاولة يائسة للفهم.
"حاولتِ قتلي ولم يحدث؟!!" دفعته في صدره بغضب فصرخ: "لم أفعل!!" ورفعت كفها لأعلى وهوت على وجهه بلحظة انفلات لأعصابها، فرحته لنجاته من ذنبه أطاحت بصوابها كلياً، صراخه سعادة بنجاته أوجعها.. آلمها.
"بل فعلت!" تجمد فوق النجمد المتولد لصفعتها على وجهه، "نعم فعلت".. استدار ليضرب الحائط بقبضتيه يكاد يكسر عظامهما مدركاً ما تقصده فكل ما فعله معها يُعد اغتصاب وها هو صوتها الحزين الباكي يخنقه عندما انساب من خلفه: "فزعي وخوفي، ألم يكن اغتصاباً؟ -شهقت- تمزيق ملابسي؟ ألم يكن اغتصاباً؟؟" دفعت أصابعها في كتفه ليواجهها ثم قبضت على كفيه تضغط عليهما بكل قوة تتمنى تكسيرهما بينما لم يقدر على رفع بصره إليها ليواجه حملة الشرّ الموجهة له: "أصابعك هذه وهي تتحرك فوق بشرتي، ألم يكن اغتصاباً؟" زاد نحيبها ولكنها فقدت سيطرتها وتحكمها على ذاتها: "ضغط جسدك لم يكن اغتصاباً؟؟ لقد كنتَ.. كدتَ أن.." شهقات كثيرة منتحبة منعتها عن الاستمرار، لم تجد وصفاً لما كان يفعله بها، تركت كفيه ليسقطا بانهزام جانب جسده وتقهقرت خطوات حتى التصقت بالجدار فأسندت ظهرها عليه خلفها: "لقد اغتصبتَ روحي!".
تهاوت ساقاها ليسقطا تحت جسدها جاذبين كل ثقل حصلت عليه بهذه اللحظة لأسفل، هبط أمامها بانكسار أشد لم يكن يتخيل أن خفة روحه التي واتته بلحظة أدرك فيها أنه لم يستمر بإيذاء إحداهما.. جيندا كانت أو بيرين، كانت على حسابها هي، فقد عانت أكثر منه.
"حتى المعرفة التي نلتها على يديك مبكراً كانت اغتصاباً!" جثا على ركبتيه بعد أن اقترب خطوة تليها خطوة.
"نعم فعلت، فلكل شيء عذرية، أنا فقدت عذرية روحي وأفكاري.. فقدت عذرية هذا الجسد الذي صرت أكره كل جزء فيه، لو طاوعت نفسي كنت مزقته لأنه
جعل حقيراً مثلك يمسكه بشهوانية ورغبة" ضمت جسدها داخل ذراعيها بقوة: "أفكاري لم تعد لطفلة صغيرة، صرتُ أفهم ما كان يمرّ أمامي وكان غامضاً ومستعصياً على الفهم! حتى المعرفة الإجبارية في غير أوانها تعد اغتصاب" انهار سدّ تماسكها وقد تم توصيل الماضي بجسر هوائي ينفذ لروحها، كانت تبكي كما لم تبكِ من قبل، تنتحب بشدة وكأنها فقدت أغلى فرد بحياتها للتو.. تجددت جروحها وشروخ جدرانها التي كانت فقط تسدّها بعجينة من الطحين ما أن هبطت عليها قطرات من مطر ذابت!
اقترب أكثر منها، حاول أن يدفع رأسها داخل كتفه وهذا ما يملكه.. مواساتها على ما أصبحت فيه لكنها دقعت كفيه وسط شرودها الهامس بضعف بما لا يتصوره يوماً: "لقد أصبحت أكره ارتداء ملابس داخلية لأنها تذكرني بلحظات موجعة كنت أنت السبب فيها" حاول مجدداً أن يجعلها تبكي على كتفه، ربما هو مَنْ يحتاج تلك اللحظة الصادقة.. هو لا يدعي أبداً معها، لقد أخرجت كل صدقه عادت تضيف بعد أن دفعت كفيه مرة أخرى: "عندما وجدتك تضحك وتعيش، جنّ جنوني! كنت أريد إيذاءك، قتلك لم يكن يشفيني.. كنت أريد أن أجعلك تفزع عمرك كله تصحو من النوم تصرخ وكأن النار تلتهمك فهذا ما فعلته معي.. نظرة الرعب هي ما كنتُ أحتاجها منكَ ولكنكَ لم تفعلها مرات... كل مرة تهزمني!" استنفزت طاقتها تماماً فلم تعد قادرة على المقاومة عندما وضع رأسها على كتفه لتبكي بكت وبكت حتى فقدت قدرتها على فتح عينيها المحمرتي الجفون.. هطول دمع القهر أراحها قليلاً ولكنه سلب منها كل قوتها لدرجة لم يكن يتخيلها هو.
"أريد أن أريحكِ فقط أنني أفعل، أصرخ كل يوم في منامي والنار بالفعل تلتهمني.. أنتظر متى يحين دوري!" لم تحرك ساكناً، قبعت في مكانها.. جسدها منهك، ساقاها مرميتان باستراخاء، ذراعاها جانبها ورأسها فوق كتفه تتنفس فقط كدليل للحياة، تتصارع داخله قوتان متساويتان بالمقدار متضادتان بالاتجاة لتجعلا محصلة قراراته صفر...!
هو أضرّها ويريدها، أنفاسها تعيده للماضي.. لجسد زاده رغبة بنعومته ورائحة خاصة بلا عطور أو روائح صابون تغير من منهجه، إنه عطر جسدها الخاص الذي تعرق جراء معاناتها النفسية.. يخاف منها وعليها كله بنفس المقدار، الموقف داخله سريالي مختلف عنها تماماً.. يشعر بالشفقة عليها ولكن ذنبه ضاع مع الماضي.. ماضٍ زائل بلا رجعة، لقد وجد راحته مع غفرانه لنفسه فأحداث الماضي رغم بشاعته إلا أنها قابلة للغفران، ربما لو كان أنثى لاختلف الوضع.. لكان تفهم أكثر موقفها، لكان أدرك وحشية ما تعرضت له وما حاول أن يفعله معها، كانت محاولة قاسية.. لكنها تبقى مجرد محاولة، إنما الآن يريد أن يقف معها على نقطة بداية جديدة من هنا لينطلق كل منهما نحو حياته التي ستلتقي يوماً حتى لو رفضته فلن يتركها، هي له منذ ذاك اليوم البعيد.. هي مَنْ ستكمل حياته، كل هذه المشاعر ولن يقدر أن يبوح لها بواحدة منها.. فقط سيضع رأسها على كتفه كرفيقة ليساندها كصديقة، ربما تشعر أنه عشق خيالاً أول امرأة أراد أن يفقد عذريته معها، المرأة الوحيدة بحياته.. كان دائماً مخموراً لكنه لم يقترب من أي امرأة، والآن أخيراً وجد نفسه... ولن يضيعها!
"لم تكوني أنتِ المقصودة.. نعم آذيتك، اغتصبتُ جسدك.. روحك ومزقت بوحشية وحقارة مغلف البراءة الذي أفقدكِ طفولتكِ، ولكنكِ غزوتِ كل لحظة من حياتي، كل ثانية أفكر بمَنْ كانت معي.. لقد نسيت عن ليلتها كل شيء، كل ما يخص هذه الليلة صار في الضياع، فقط شعوري بالجسد بين يدي أنه لامرأة ناعمة" أرادت دفعه بأصابع واهنة خشية منه ولكنه كان أكثر عناداً هذه المرة فربت على رأسها بعطف زائد وهو يكمل: "لا تخشي شيئاً وتأكدي أنكِ ستكونين معي كما تكونين مع أختك أو أمك حتى، أنا فقط أشرح لكِ أني لم أخرج من هذه الليلة خالياً البال أو سعيداً، كنتُ أعاني" أصدرت صوت طقطقة طفيفة من شفتيها استنكاراً لادعاءه الكاذب.
"كنتُ أعاني مرتين، مرة كرهي لذاتي بسبب اتفاقي الحقير الذي لم أكن أقوى عليه فتنفيذ القرارات القذرة يحتاج نفوساً وضيعة وأنا لستُ كذلك، شربتُ وشربتُ حتى أقتل ضميري وأستمد منه القوة لأفعل هذا بامرأة، وبعدها شعور أن هناك امرأة صرتُ.. صرتُ.. أريــ.." عدّل اعترافه حتى لا تفر خوفاً: "صرتُ أعرف تفاصيلها" رفعت رأسها عند هذا المنحنى ومسحت عينيها ثم أسندت رأسها على الجدار منهية كل هذه العثرات: "لا تدعي! أنتَ فقط تريد أن تنال مما علمتَ أنكَ لم تنله وأنا لستُ غبية لأضع نفسي مع وحش مثلك مرة أخرى" تحرك ليجلس جوارها بطريقة مماثلة لها مرهقاً، نال منه التعب أيما نيل.. وتحدث إليها كأنهما يعرفان بعضهما معرفة مميزة أو كأنهما صديقان حميمان وما بينهما مبهج: "أنا لا أكذب، ربما اخترتُ الوقت الخطأ ولكنكِ ستعرفينني بالقريب العاجل" ردت عليه بحدة فكل ما يعد به أو يقوله لا تريده، إنما تريد السلام العقلي والراحة بعيداً عنه: "أتعلم؟ ربما القانون الجائر الذي أكافحه منذ خرجت للحياة العملية وهو زواج المغتصبة من مغتصبها أو تموت هي ربما يكون صحيحاً تماماً أو هكذا أراه الآن حتى يتعذب ضميره العمر كله ولكن هذا لا ينفي أنه يعتبر جائزة له وقتل لها!".
"أنا تعذبت بما فيه الكفاية وحاولتُ أن أكفر عن جريمة كنتُ أظن أني ارتكبتها وللآن أنتِ لا تريدين أن تعلميني ما حدث بالضبط!!".
تنهدت وضجت بصراخ: "أووووف منكَ!! تباً لكَ، تبــــــــاً لك!!!" صمتت عندما مال لوجهها بيأس ثم عادت تهدر وهي تحاول إيجاد الكلمات: "سأعلمك حسناً! أمممم.. أنتَ... أنا... أقصد... عند اللحظة الحاسمة.. مممم فقط وقد كدتَ... كدتَ.. كدتَ تـــ.. تعبر خط النهاية، دفعتُكَ للخلف وسقطتَ.. فقط سقطتَ وحقاً لم يكن يهمني إن متَ حتى، كل ما أردته هو الفرار فقط من ذاك الوكر القذر، تركتُكَ خلفي وهربت وأنا لا أستطيع الركض، كنتُ شبه محطمة مهشمة! الركض كان رفاهية لم أنلها أما أنتَ... فلتذهب للجحيم!".
شرد في نفسه، ما تقوله أقرب للصحة ولكن هناك حلقة مفقودة، لقد أفاق ليجد نفسه على الأرض ولكن هناك حِرَام صوفي ملقى على جسده الذي لا يواريه شيئاً رغم أنه مازال يرتدي روبه المنزلي المفتوح ورباطه مفكوك، هناك مَنْ يعرف بالأمر ولكنه اختار الصمت كالقبر، أدار شيئاً داخل عقله وهكذا أدرك أن جسره إليها مكتوب له الانفجار فلن تكون له يوماً، ليس لمجرد أنها ترفضه.. بل لكون مَنْ يعرف يحميها ولن يصدق أنه سيحافظ عليها، همسها المتعب أخرجه من شروده عندما وجدها تقف لتحمل حقيبتها: "ربما يجب علينا أن ندفن الماضي هنا، سأعتبره يوماً لقاء يوم، إيذاء مقابل إيذاء وأرجو منكَ إن وجدتني بمكانٍ ما ادعِ أنكَ لا تعرفني أو لم تعرفني ولا تريد أن تعرفني لأن هذا ما أريده، وكما ذكرتَ منذ قليل لم نعد صغاراً.. أنتَ من القنوط بحيث لم أعد أريد إيلامك، مؤكد سوف تفعلها بنفسك يوماً ما".
"للأسف قد نتواجه يوماً ما فأنا لن أكف عن مطاردة كوابيساً طاردتني عمراً كاملاً" ردّ بصوت مصمّم فأجابته بوهن يحمل التوسل: "لِمَ تُصِرّ على أن أتذكر ما حاولت نسيانه عمري كله؟!" أجابها موضحاً: "ولكنكِ لم تفعلي، وإلا كنتِ لن تحاولي قتلي أو تزيني سيارتي بإزمير بكلمة غبي وتزيلي طلاءها.. وأيضاً القمامة التي ألقيت ذات يوم أمام منزلي" كتفت ذراعيها بغيظ: "هل صدمك شخص بكتفه ذات يوم بالمرة لتلقي عليّ اللوم أنني قد جعلته يتقصدك؟؟ أي قمامة التي أحملها؟! القمامة تعرف القمامة مثلها أما أنا فلم أفعلها!".
ضحك وهو يصفق بيديه: "مرحى مرحى! اعترفتِ للتو أنكِ مَنْ شوهتِ سيارتي" نظرت له بتوجس متسائل فرمى بنظرة تجاه كاميرتها الموضوعة على الأريكة حيث تركتها فالتقطت تلك النظرة وسبّته بقوة: "أيها الحقير! عبثتَ بالكاميرا وشاهدت كل ما فيها؟!" رفع كفيه لأعلى وهي تقترب معلناً أنه يرفض أن يلمسها بينما هي تتحرك تجاهه وما إن اقتربت حتى تجمدت مكانها وهو يعلن: "أظن أننا اجتزنا اليوم الماضي كله ومن الآن سنكون أشخاصاً أخرى".
أجابته وهي تبتعد مرة أخرى: "أنتَ واهم يا هذا!".
"هل لو طلبتُ منكِ المغفرة ستقدرين على منحها؟" تساءل بأمل مفقود إلا من شعلة خافتة لا يمكنها الانطفاء حتى لو أراد فأجابته بضعف: "ربما فيما بعد، ربما عندما أنتصر على القانون الغبي أكون قد استطعت.. أما الآن أظنه مستحيلاً!" ردّ عليها بتفهم: "ربما عندما تعشقين ستقدرين".
"ربما عندما أجد شخصاً جديراً باحترامي قد أفعلها، ولكن تأكد أنه لن يكون أنت" ابتسم بخبث وهو يجيب داخل عقله.. (ربما لن يكون لكِ غيري). ثم تحرك بادعاء أنه يعيد ترتيب شيئاً وهمياً من ملابسه وهو يجيبها بلامبالاة: "الآن نستطيع أن نمضي كل بطريقه بدون إزعاج للآخر، ربما يكون هذا أسلم حل حالياً" تنهدت براحة رغم أن هناك تداعيات جديدة بالصحف ولكن ادعاء خلافات ليس ببعيد وربما تستطيع إقناع عدنان بالتلابس كله فيقف جوارها بدون كشف للماضي... بينما هو عقله يعمل باتجاه آخر، أياً كان مَنْ علم بتلك الليلة السوداوية القديمة فليكن من هنا اقتراب جديد بعد اغتراب.. سيكون طريقه إليها محفوفاً بالمخاطر ولكن ماذا يفعل بعطرها الذي يلازمه في أحلامه؟ والآن سيقتحم يقظته وخاصة بعد أن أراحت رأسها على كتفه فها هو يتنسم عطرها الخفيف كلما تحرك وياله من شعور بالألفة الذي يملأه أن اليوم هو نقطة بدايته الجديدة...!
*********
الآن،،

كوني عطري[سلسلة لا تعشقي أسمراً(3)]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن