الفصل السادس

276 7 0
                                    


خاطرة الفصل السادس

متى تعشقين وتعترفين؟
أأنتظر يوماً تسمحين لنهري بالسريان
أم سيظل قلبي أسير النسيان؟
أأنتظر منكِ فكّ القيود بالحنان
وتحطيم جدارن السجن بالأشجان
أم سيحرم القيد لمسك والتوهان؟
سئمت العبودية وكرهت صكوك الغفران
ملكك المتوج سأكون
اكتبي هذا على الجدران
وعلّقيه مصباحاً يضيء كل مكان
سأعود يوماً وهنا ستكونين
تنتظرين بشغف العشق الولهان
داخل أسوار صدري يخطفكِ الذوبان
وقتها ستعلنين للهواء والأكوان
أنا امرأة عاشقة حدّ التوهان
الآن أدركت أن الحب ليس فردان
بل روح واحدة تكمل جسدان
سأنتظر الحب والإعلان!

Just Faith
***

نظرة الشراسة داخل عينيه جعلت عنوانها هو اختناق وجفاف أدى لتصحر أفكارها لدرجة حرضتها على البكاء، لقد تحدثت معه عن صارب

منذ أشهر..لِمَ فقدت الآن الذاكرة؟ فلم تعد تتذكر أو تفقه ماذا قصت عليه! أو أي مسلك ستقنعه!
همست داخل عقلها: (تباً لكِ مروة! لماذا ذات يوم جذبك ذاك الرجل الذي لو قابلته بالطريق ربما لا تربطين بينه وبين صورته الحالية!).
لقد صار سعيداً فاختلفت ملامحه بشكل كلي، صار عادياً بجانب ذاك الأسد الجسور القادم تجاهها مستعد أن يقتل مَنْ ينظر إليها، لأول مرة منذ علمت أنه يريدها زوجة تنظر له بترقب كما هذه اللحظة، نسيت وجود شخص آخر يتقدم تجاهها وهو يفتح ذراعيه بينما نظرتها تحولت لاستغاثة قرأتها عينا رجلها هي فأسرع الخطى نحو هذا السائر باتجاهها الذي وصل بالفعل وهو يضحك باستبشار: "مرحي صديقتي العربية مروة!" اغتصبت ابتسامة استنكار فظنها نسيته فعاد يفتح ذراعيه بعد أن كادت تسقط جانب جسده يهدر بطبيعية: "ألا تذكرين صارب؟ الحديقة؟ الفجر... فندق دانييلي؟" عقدت حاجبيها بصمت مطبق وداخلها يصرخ: ألا تعرف شفتاكَ الصمت يا رجل؟! من أين أتتني هذه المصيبة؟؟
همت أن تفتح شفتيها لتجيبه لكن هناك مَنْ منعها فقد زرعت بينها وبين محدثها قامة طويلة مديدة من طود رجولي مجيباً: "عفوك هل معنى هذا أنكَ تعرف زوجتي؟" ابتسم صارب بسعادة كمَنْ ملك السعادة يريد للجميع ذات المصير: "نعم يا سيد أعرفها" ثم زمّ شفتيه بتعديل مناسب: "بالأحرى قابلتها مرة واحدة، كنتُ سخيفاً معها ولكنها علمتني درساً كان مميزاً" أرادت مروة أن تسقط فتعلقت بسترة عمرو من الخلف وكأنها قضبان حديدية ستسندها وتمنعها السقوط.. تريد أن تصفع هذا الأحمق كفين أو تركله بحذائها العالي علّه يفيق مما يقوله، همهمت بظهر عمرو: "لا، لا تصدقه... لم أفعل شيئاً" تعلقها الزائد جعل زوجها يرمي بنظرة للخلف ويغضب لارتباكها يدرك ما تعاني ولكنها صارحته بكل ما يخص هذا الرجل فلِمَ توترها؟ إلا إذا كان هذا سبب رفضها له كزوج من البداية!
تلاعب به شيطانه هامساً داخله بحرقة: هل لكِ حبيب سري يا زوجتي المصون؟!
غلي الدم بعروقه وأراد سحبها من قمة شعرها ليلقي بها داخل تلك الخيمة ويعلمها مَنْ هو عندما يخص الأمر كرامته وخاصة إن قامت بخداعه هي، حبيبته الوحيدة! فهو لا يكره شيئاً أكثر من الكذب والخداع، وجد الرجل ينادي لزوجته بالخلف بحنان: "سابي تعالي عزيزتي وتعرفي على مروة العربية التي سبق أن حادثتكِ عنها" اقتربت زوجته التي كانت تترقب ما يجري حولها ومَنْ هذه التي استحوزت اهتمام زوجها الوسيم وكادت تتبعه وتقذفه بحقيبة يدها الصغيرة ولكنها عدلت عن هذا عندما علمت باسم المرأة الشابة وهويتها التي نطقت لها وهي تمد يدها لتضعها على كتف زوجها الذي سحبها بلمحة بذراعه التي تعرف طريقها لخصرها المنحوت من أجل ذراعه فقط.
"أهي الرائعة التي علمتك قسوة أن تكسر أحلام امرأة؟" أجابها بقبلة على شعرها القصير الفاحم الذي مازال يتوشى بخصلاته الحمراء الدموية: "نعم هي" مدّ صارب كفه بجدية مقدماً نفسه للطود الرجولي الذي مازال يلقي بشرر من عينيه وقد وقف بحماية يعرفها جيداً صارب بنفسه: "صارب منعم أوغلو، قابلتُ زوجتكَ ذات يوم وأرادت أن تعرف قصتي لتدونها بكتاب ووقتها رفضت أن أضع قصتي بكتاب ولكني قصصت عليها قصتي مع هذه النارية، وقتها أعلمتني أن الاعتذار هو طريقي الوحيد ويجب أن أقنعها بمشاعري لأنني أخطأت".
شعور بالهدوء أزاح ستائر التوتر التي غشيت المكان، ارتخت قبضتاها على سترته ولكنها مازالت تحتمي به، شعور مغاير تماماً ملأ خلايا عمرو.. كانت نسيت أنها أبدت إعجابها بصارب كما لو كان أحد الممثلين أوالعارضين أو لاعبي كرة قدم ولكنها لم تذكر تعلّقاً شخصياً، أدرك أنها ربما جعلت منه فتي أحلامها ولكنها تتحلى بالحكمة والتعقل فلن تجعله أكثر من هذا، مدّ كفه ليسحبها أمامه جاعلاً مقرّه النهائي فوق كتفها مطلقاً كل نيران الكون لجسدها عبر هذه البقعة الصغيرة، ماداً كفه الآخر بسلام وفي طريقه للذهاب والعودة كان كفه بحركة مقصودة يمر ممسداً عضدها ليصلها دفءٌ عبر قماش الفستان الحريري البارد.
"عمرو فياض رئيس شركة ***** للدعاية والإعلان" استقر كفه متضامناً مع الآخر في حصار صقري يقيم عشه فوق كتفيها، مدت مروة كفها في سلام بما تقتضيه قواعد التهذيب.. وأخيراً وجدت عضلة لسانها المفقودة في الخوف أن تفقد عشقها الوليد في ظل عدم التفهم أو الغيرة وبعد أن لامت نفسها فهي مَنْ أطلقت كل الأسباب بشحوبها مدركة أن وضعهما القائم من الممكن أن يملأ قلب أي رجل بغيرة وشكوك كبيرة: "كيف حالك سيد صارب؟" واستمرت كمَنْ عاد للتحدث بعد أعوام كان أبكماً فيها: "أراكَ قد أجدتَ الاعتذار وحصلت على الغفران، بل أرى أكثر من ذلك!" وأشارت على خاتمها فرفعت سابرينا يسراها بتباهٍ وازدادت التصاقاً بزوجها ولم تنس أن تمدّ يدها لمروة التي بالكاد مست أصابعها أطراف أصابع صارب، فنالت من مروة ترحيباً رائعاً وقبلات ومباركات تبادلتها سابرينا ثم أطلقت ضحكة: "أربع قبلات!" أدرك عمرو ما تعني فأضاف ببشاشة: "عادة المصريين أربع قبلات على الوجنتين، ونحن الرجال أيضاً نقبل أصدقائنا أربع قبلات.. إنها طبيعة شعوبنا الحارة بالمودة".
تحرك صارب ليقبل وجنتي عمرو ذات العدد ضاحكاً بمرح: "لنفعلها طبقاً لعاداتكم إذاً!" ثم اتجه نحو مروة التي تجمدت للحظة وكادت تقفز من مكانها وأعدت أصابعها لتمنحه صفعة مصرية لن ينساها أبداً كما وعدت داخلها فما كان من عمرو سوى أن أطبق أصابعه على وجنة صارب بقبضة شملت فكه ودفعه للخلف قائلاً بهدوء يُنافي عنف حركته: "خطأ! نساؤنا لا تقبلن إلا النساء، ولا يقبلهن غير رجالهن".
ابتهجت سابرينا لذلك الخاطر فداخلها لا تتمنى أن يقبل صارب غيرها وأرادت أن تبدل مجرى الحديث بلباقة لتواري حرج زوجها موجهة حديثها لعمرو: "منذ شاهدتكِ مع أفيندار وأنا أعتقد أنني قد رأيتكِ من قبل، الآن رجحت أنني مؤكد رأيتكِ في فندق دانييلي" أجابها عمرو كبديل عن زوجته: "بالفعل نحن نملك جناحين به" وأضافت مروة كمشاركة بالحديث حتى تنزع بذور الشك التى بذرتها بتصرفها الأخرق وحتى تعيد التوازن للموقف: "نعم كنا أيضاً من المتجمعين أمام الفندق وقتما كنتما تتعاركان فربما لمحتينا بذلك الوقت" أشارت سابرينا بكفها أنها لا تذكر فجلب ذلك الضحك لمحيا أحدهم بالخلف لم يلاحظه أحد، كان يقف يتفحص الجميع صامتاً.
"كل منهما وقتئذ لم يكن يرى غير الآخر" تحدث بإيطالية تبعته سمراء بذات اللغة وإن كانت تميل للهجة أخرى: "هذا هو الحب، استمرا بالعناد حتى نال الغفران" أغمض صارب عينيه من أول كلمة أطلقها نواه وزوجته ثم فتحهما واستدار بهدوء حانق: "كيف جئتَ وقد تركتكَ باستانبول نائماً وقد قررت عدم الحضور؟!" ضمّ أخوه زوجته إليه أكثر بذراعيه المحيطين بخصرها: "هل كنتَ لا تريدني معكَ أخي الأكبر؟" أما زوجته فعقدت ذراعيها أمام صدرها وتولت الإضافة على الرد: "لقد جاء من أجلي، محال أن نكون هنا ونفوت هذا المشهد.. قد نكون تأخرنا يوماً ولن نفوت حفل الزفاف الغد" انقطع حبل الكلمات وتعارف الجميع واحتفظ كل رجل بزوجته أسيرة كفه حتى ساروا حيث صوت الأغاني والموسيقى.
انتهز صارب الفرصة فمال على أخيه بتهديد: "لكَ يومان تلتصق بي كعلقة، لقد أتحتُ لكَ مكاناً مناسباً ببيتي ومع ذلك أجدك متمتعاً بإزعاجي على كل أمر تافه! تذكر أنني حديث الزواج يا رجل!!" ابتسم نواه بخبث: "كنتُ فقط أنظم الحياة بيننا فلا يبدو أننا سنغادر من دونكما، الرئيس وأميرته هما مَنْ أمرا بذلك" دفعه صارب في صدره بانزعاج: "لن أعود حتى لو طلبتَ مني تبديل حفاضك بالليل!" فطوّح نواه كفيه باستسلام مدّعياً الحزن: "أخي الأكبر يرفض وجودي" ثم حرك أصابعه على ذقنه الخفيفة بابتسامة مشاكسة: "قد أفعلها فأنا أحتاج لذلك التأثير".
نفخ صارب بقوة ودفعه مرة أخرى: "قد أفعلها وأعود فقط لأتخلص من وجودك الدائم، أليس لديكَ مهمة إغاثة غيري؟" أجابه أخوه فوراً: "وهل أجد أفضل منكَ؟ خاصة وأن هديتي من الرئيس وزوجته الأميرة هيلين حساب مليوني تبرعاً لمركز الإغاثة الدولي وذلك أمر لم يكن مسبوقاً" زم صارب شفتيه وأغمض عينيه ثم عاد يفتحهما: "حسناً، أنتَ ومنعم كسبتما" فقاطعه نواه بضحكة ليقول: "ولا تنسَ أمي فهي من خطط لذلك" كظم غيظه بكل ما أوتي من قوة قائلاً: "سأغادر معكَ بشرط..." كانت عيون نواه تهتف بخبث: "أمرك".
دفعه صارب ليزيحه من أمامه: "لا تنس أني بشهر العسل ويحق لي أن أنفرد بزوجتي.. سيارتي.. مسبحي وبيتي، لا أراكَ تحوم حولي بكل مكان!" مال نواه للأمام بحركة مسرحية فتركه صارب خلفه ليلحقه مما جعله ينظر للخلف وهو يتذمر فأجابه ببراءة: "هل سأطير الآن؟! بعد الزفاف سأغادر وأقيم بأحد الفنادق ولا تنس أنني أيضاً حديث الزواج وإن سبقتك بشهرين فقط ليس معنى هذا أني عاشق للمهمة التي تبعدني عن زوجتي السمراء!" لوح لصارب واجتازه لتبحث عيناه عن جمال تنفرد به منحوتته الفرنسية.
*******
تحيطها عيون الجميع وتتسلط عليها عيناه تحرقها بدفء لذيذ يجعلها اجتياحه وطغيانه لكل خلجاته وشغفها بعملها يدور بعقلها، هناك صور لابد أن تلتقط.. بعينها رأت مالا يدركه غير عينها الخبيرة، زفرت بين كفيها فسألها بخفوت: "ما بكِ تتململين هكذا؟! الجميع يلاحظ" أجابته وهي ترفع نفسها لأعلى وهي تتحرك أثناء الرقص: "هذا ما يخنقني!" استفسر وهو يديرها بتملك، أصابعه على خصرها وكفه يعانق كفها: "ما هو ذاك؟".
ودت أن تسبه: يالك من غبي!
ولكنها تنهدت وأطاعته وهو يقربها منه يكاد يلصقها به ثم ردت: "الجميع يخنقني، كل شيء يخنقني.. هذا الثوب أبدو به كمهرج بدين أو كخيمة متحركة تزن طناً من العملات!" ضحك بقهقهة عالية: "من ناحيتي أنا أراكِ فاتنة جداً" شهقت لجرأته فأردف: "أتعلمين؟ أنتِ تحتاجين أن تكتسبي بعض الوزن" حاولت التملص منه وهي تهمس من بين أسنانها: "وقح!" فضحك وهو يجذبها أكثر إليه وهو يكرر: "أعرف، أعرف.." لم تجد ما يمكنها من التملص سوى أن تضربه بمقدمة حذاءها المدبب في ساقه فلم يزده هذا سوى إصراراً على عدم تركها بل مال عليها بأنفاسه الحارة تخترق حواسها جميعاً لتتلاعب بها في غفلة منها أو إدراك لما يكون حولها ويضعها في خيار بين ما تريده وما يجب عليها... أحكم قبضتيه على خصرها وهو يقول: "الصحف الصفراء نالت قصة ستظل تلوكها شهرين أو أكثر وسوف أعزز أخبارهم بقنبلة أنكِ تتحرشين بي حالياً يا متوحشة!" تجمدت أمامه حتى اخترقت كلماته مراكز إدراكها فأصدرت فحيحاً من بين أسنانها المنطبقة بقوة على بعضها وأدرك أنها تسبه وتلعنه بكل ما تعرفه من أنواع الشتائم المهذبة أو لا، مال لأسفل أكثر فرفعت عينيها لتتشابكا مع نظراته المهاجمة بنظرة غريبة.. تجمدت نظرته على شفتيها الشهيتين باشتهاء: "لسانك هذا يحتاج لجراحة سريعة، وحيث أنكِ متناسية أننا محط الأنظار..." لم ينتظر منها تساؤلاً، كان بلمحة يثبت رأسها بكفه ويدفعها نحو شفتيه اللتين اجتاحتا كل اعتراض من الممكن أن يصدر منها، لم يدرك عقلها ما هي فيه حتى لم تنتبه لنفسها وهي تتعلق بكتفيه كوتد واحد لا يدور بالمكان، طالت القبلة لدرجة طلبت رئتاهما الهواء فتركها مضطراً لذلك وعندها كانت الكاميرات والأضواء كلها تنهش باستغلال الخصوصية، لا تعرف ما الذي ضايقها أكثر وأغضبها بهذه الصورة.. أنها أفاقت؟ أم أنه قبّلها! وهل من أجل المشاعر أم فقط لمنح الصحافة ما تريد؟! لم تجد غير الجنون فوقفت بكعب حذائها على مقدمة حذاءه عندما أراد أن يحملها ثم أخذت تبتعد عنه وتضرب الأرض بكعبيها وتهرول للداخل لا تنوى العودة...!
*****
لا تصدق أنها تقف بين يديه ترقص لأول مرة، أصابعه دافئة ولذيذة تحيط بخصرها وأصابعها تنام على كتفه والأخرى بحضن كفه.
"لم أعرف أنكِ تجيدين الرقص" أجابته بنبرة هادئة: "صدقني لم أرقص من قبل ولكنك بارع، كل الموضوع أني أترك نفسي لتصرفك.. هذا كل ما فعلته" رغم أنه يتحرق لفتح أسئلة كثيرة تخص ما حدث منذ قليل إلا أنه لن يضيع فرصته لينال نقطة إضافية تقربهما: "تحت تصرفي في أي شيء.. أي شيء؟" ارتجفت بين كفيه وشعرت بالخدر يزداد أكثر ولكنها لن تنهار.. ستظل ثابتة، همست بتعثر رغم محاولاتها أن تبدو طبيعية: "طبعاً، أقصد في إطار الاتفاق بيننا" زام وأومأ بنعم ثم همس: "الاتفاقية، نعم.. تذكرت".
تجاهلت نظرته المشبعة بالرغبات منذ خرجت من غرفتها مرتدية هذا الثوب الذي وجدته على فراشها بالجناح المخصص لهما مدركة أنه مَنْ وضعه بغرفتها فارتدته ومكملاته ورفعت شعرها لأعلى وزينته بحلية لؤلؤية اللون تتماشى مع ألوان ثوبها والدرجات تجمع بين الوردي الداكن والأبيض العكر بصفرة قليلاً، قابلها بقبلة على زاوية شفتيها مماثلة لتلك التي حصلت عليها بمنزلهما رقيقة كجناح فراشة ناعمة جداً وهو يهمس بسخاء رخولي: "أنتِ دائماً تفاجئينني بجمالكِ" وقتها أرادت أن تجيبه من داخل اختناقها أنها فتاة عادية جداً ولكنها اكتفت بابتسامة لونت شفتيها وغادرا.
مال عليها ليضع قبلة على شعرها بتقدير خفي للعاشق العربي، جبينها كان بعيداً عن فكه العريض لا تعرف لِمَ تلاعبت بها ظنونها وأحلامها لتقوم بحركة خرقاء والنتيجة ستكون انطلاقة جديدة ولكنه سبقها بسؤال لم يخطر لها على بال كمن يريد تأكيد لحوار سابق نسيت أجزاء كبيرة منه: "لماذا كنتِ ترفضين زواجنا مروة؟" ثم أردف ليقطع عليها الطريق الملتي الذي سبق وجرته إليه: "لا تجيبي إجابة تقليدية كمثال أن هناك بنات كثيرات يتمنين الارتباط بكَ، لأنني كما أوضحت من قبل لم أرد غير مَنْ رفضت أن تقترن بي والتي هي زوجتي باتفاق ممنوع الاقتراب أو التخيل!" لم تجبه فقط ثبتت نظرتها داخل حار عينيه الداكنتين اللتين لا فكاك منهما فوجدت السؤال المخيف الذي كانت تخشى منه.
"هل مازلتِ تحبين صارب؟ لا أظنه متاحاً أنـــ..." وضعت إصبعها أمام شفتيه بقوة غضب استعر داخلها بفعل كلماته وردّت: "طبيعي أن أتأثر بالغربة وسبق أن أجبتك أنني أعجبت به وتحدثت معه ولكنه لم يزد عن كونه إعجاب بهالة، بوهج مثل ما يحدث مع ممثل أو لاعب كرة قدم مشهور.. هو فقط إعجاب لنظن أنفسنا مميزين عندما يوقع لنا على كرة أو قبعة أو حتى ملابسنا" أطلقت للسانها العنان فلها الحق بالكلام: "أشعر أني صرتُ كمن يمسك بيسراه دفتر سيئاته وبيمناه دفتر حسناته.. كم خشيت السقوط في الهالة حتى معك!" تنفست بحدة وأطلقت زفيراً حاراً ببطء: "ما هو الحب؟ فأنا لا أعرفه.. كل ما أعلمه أننا نراه أو ندركه من خلال نظرات الآخرين فقط فكل ما نعرفه من خلال الروايات والمسلسلات وغيرها" أشاحت بعينها من قيد نظراته حتى لا تعترف بما يعتريها في الآونة الأخيرة، إنها تشعر به يسري تحت بشرتها ولا تعلم أهذا حب أم افتتان! ولكنها وجدت بدلها الضائع من عقلها لتعيد عليه مرة أخيرة: "كان انجذابي للسيد صارب هو افتتان لوسامته، للغموض.. فكل فتيات الجيل تعشق شرير الرواية أو الفيلم وقد كان يمثل تلك الحالة" آلمه التخبط الذي هي فيه وأغضبته كلمة (تعشق) فعقب بحنق: "اسمها تعجب وليس تعشق!".
زفرت بحدة مقررة أن تهاجمه هي الأخرى: "وتلك المضيفة الناعمة الشقراء ألم تكن رفيقة بوقت ما؟" رفع حاجبيه لدرجة ظنتهما ستتحدان مع منابت شعره استنكاراً لسؤالها ثم أراح جبينه المتغضن من شدته وأجابها بغموض: "لم يحدث يوماً أن كانت لي رفيقة مع أنكِ ليس من حقك معرفة ما كان ماضيّ قبل أن أعرفك أو أطلب يدك".
ضايقها المكيال بمكيالين فقالت بغضب: "وأنتَ؟ ألستَ تفعل ذلك ساعة تحقق معي لتقارن بالأجوبة السابقة على ذات الموضوع لعلي أسقط بكلمة مخالفة؟!" أجابها ببرود تكاد تقشعر له: "لِمَ دائماً تغضبين كلما فتحت لنا باباً لنتفاهم؟ الغضب معناه الوحيد موقف ضعيف" هزم الاستفسار الخائف داخل عينيها بنظرته الثاقبة وصوته النافذ لعمق قلبها: "أنتِ خائفة زوجتي العزيزة" حركت رأسها بسرعة في الاتجاهين ولكنه عاد يكرر: "نعم خائفة، كنت أظنكِ أشجع من هذه الفتاة الصغيرة أمامي التي تشعر بالذنب، أنا لم أتهمك بشيء ولم أدينك أو أشكك بكِ، لو كنتُ أفعل ما كنتُ أقدمت على هذا الجنون بالزواج منكِ" عقدت حاجبيها في وجهه وتلون وجهها باحمرار الغضب فقابلها بابتسامة ساحرة تخلو من أي سخرية: "هذا ما أقوله يا عزيزتي دائماً معي تتخذين موقفاً معادياً.. موقف الدفاع وكأنكِ تهاجمين مشاعركِ أنتِ" تراقصت الحيرة بعينيها المصدومتين مجيبة لتقطع هذا الطريق: "أنتَ مخطيء، كل ما يربطني به مصلحة الكاتب البحتة.. وجدت قصة وأتمنى أن أكتبها لتكون أول عمل روائي لي".
أجابها بعد أن توقف عن الرقص وسحب كفيه من حولها وكأن الموضوع غير مجدي، كان يأمل أن تبادر بإثبات أنهما على ذات الطريق: "لم أكن أقصد ذلك التركي، كنت أتكلم عنا نحن!" ضربها الإحباط بمقتل، لم تقدر على النطق ولم تعلم كيف تدواي قلبيهما معاً فهي بلا خبرة بهذا المجال رغم أنها كاتبة وتعشق الروايات ولكن الواقع الجاف هزمها.. قبل أن يستدير ليبتعد كان سيماف ينادي أصدقاءه ليجتمعوا وكان لابد أن يتقدمها لتهرول بخفة خلفه حتى لا تضيع بدنه، كفاها اليوم وانفعالاته المحبطة!
*********

كوني عطري[سلسلة لا تعشقي أسمراً(3)]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن