1989 م.
: ألا ترَ هذهِ الإوَزّات الجميلة ؟
: أبي ، هنا الجوُّ موحشٌ و بارد .
: يا موشيه لا عليك بالمظهر ، كُلّ بردٍ يبددهُ الحُب .
يا موشيه إذا أشعلتَ نارَ قَلبِكَ فَلَن تَبْرَدَ أبداً !!موشيه : أبي ، إحكِ لي قِصّةَ ناثان مرّةً أُخرى ؛ فكُلَّما نَصِلُ إلى بائِعِ الكُتُب نتوقّف .
بنيامين "الأب" : حسناً ، لكن بشرط !
موشيه : قل يا أبتاهُ ما هو ؟
بنيامين : أنْ تُصبِحَ مثلَ بائِعِ الكُتُبِ !
موشيه لَمْ يستوعب قول أبيهِ إلا اليوم ، الرّذيلةُ في كُلِّ مكان و الله بدأ يَشمَئِزُّ مِنْ مناظِرِ الآدميينَ هؤلاء كَمْ هي مُزرية .
هَلْ اللهُ غاضبٌ الآن ؟!
لماذا أرى ميكائيل يبكي ؟!
النارُ إنْطفأتْ ، و الجنّةُ أظلَمَتْ !
نَعَمْ ، هوَ عدلُ ربّي .
لقد عاد .. لقد عادفي شوارِعِ لوزان الممطرة كانَ موشيه الصغير يمشي مُتّجِهاً نحو مَحَلِّهُم الصغير لِبيعِ التّبغ .
واضِعاً سيجارتَهُ بفَمِهِ تارةً يُخفيها و تارةً يشربُ مِنْها خوفاً مِنْ أبيهِ .إرتَعبَ موشيه و إلتَفَتَ خلفهُ بِسرعةٍ ليرَ مَنْ وضعَ يدهُ عليه ، و إذا بِهِ "عُوفَر اللّافي" خاله و الذي يعيشُ معهم .
عوفر : يا ولد ، ماذا تَفعَلُ يا أحمَق ؟ أتُريدُ أنْ تَقتُلَ نفسَك ؟!
كانَ موشيه على وشَكِ البكاء و قال بصوتِهِ المبحوح من البردِ و الدخان : أرجوكَ يا خالي لا تُخبِر أبي أرجوك .
عوفر : أنا ذاهبٌ لِأُخبرهُ .
موشيه و عيونُهُ الخضراءُ تَلمَعُ بالدموع : أرجوك خالي لا .
أشفقَ عوفر لحالِ موشيه و لكنَّه أرادَ مصلحتهُ : موشيه ، أنتم لديكُم محلّ تبغٍ تبيعوه للناس و لكن ليس عليك شربَهُ و أنتْ بطولِ حذائي يا شقي.
موشيه : أعِدُكَ يا خالي لَنْ أُكررها .
عوفر مُتنهّداً : في شريعةِ موسى و داوود حُرِّمَ الإنتحار و المنتحِر يكونُ في جهنّم مقطوع الرأس !
موشيه : خالي ، و لكنّي لم أنتحِر .
عوفر : هذا هو الإنتحار بعينِهِ ، هؤلاء الكهنةُ الفِرّيسيُّون لا يفقهون شيئاً ؛ فالتدخين آخرهُ الموت .
موشيه مُتَسائِلاً : هل الملحُ حرام يا خالي ؟
إستغربَ عوفر مِنْ سؤال موشيه : لا ، ليس حراماً .
موشيه : لكن إنْ أكلتَ مِنْهُ كثيراً ستموت و سيكون إنتحاراً و ستدخُلَ النارَ قطيعَ الرّأس !!
ظَلَّ عوفر مصدوماً بكلامِ موشيه و لَمْ يَعرِف بِمَ يُجيبهُ ، شهَدَ لَهُ بالفِطنةِ و النّبوغ .
عوفر : هيا إنصرِف الآن أيّها الأحمق .
موشيه : ألَنْ تُخبِرَ أبي ؟
إبْتَسَمَ عوفر : لا يا أحمق و لكن إيّاك أنْ تُكَرِّرَ هذا العمل .
موشيه و بإبْتِسامةٍ حالمة و ضحكةٍ تُعَبِّرُ عَنْ نَّقاءِ الرُّوح : شُكراً خالي شُكراً .
و إنْصَرَفَ راكضاً في الأزِقَّةِ المُبَلَّلة في شوارِعِ لوزان ، تاركاً عوفر اللّافي يقولُ في نَفْسِهِ " سَيَكونُ هذا الفتى مَلِكَ اليهود أوي في (Oy Vey) " !!
و حتّى وَصَلَ موشيه محَلَّهُم فَنَظَرَ بإبْتِسامةٍ تَدُلُّ على الفخرِ عِندما قرأ لافتةِ المحلِّ الجديدة
"بِنْيامينُ القُبْرُصيُّ و إبنَهُ لبيعِ التّبوغ"قالَ موشيه في نَفْسِهِ "مِنْ هذا الدُكَّان سأحكُمُ العالم" !!
إنتهى ...
قراءة ممتعة ...
و أرجو أن تشاركوها إنْ أحببتم أن تستمِر ...
أنت تقرأ
موشيه بن بنيامين
Acciónكانَ يَشربُ سيجارتَهُ الصغيرة في بَردِ لوزان عندما كانَ يقرأ سِفرِ الخروج . لم يُثنِهِ البَردُ عمّا أراده ، معطفهُ الأسود الطويل و قبعتهُ الفروية شكّلتا مع ضخامةِ جسمهِ وحشاً مغطًّ ببعضِ الوفَر . عَزَمَ الذهابَ إلى بانيقيا ؛ فسلامٌ سلامٌ عليه .