وزعت الصحف، رأي الناس اعمالهم، وتفرقوا..
انتهي الامر..
انقضي الحساب..
وحانت ساعة الخلود في النعيم..
والسعادة الابدية..
يا عباد الله، يا متقين، إلي الجنة.. إلي الجنة.. إلي الجنة.
ها هم المتقون يحشرون إلي الجنة وفدا زمرا، يدفع بعضهم بعضا، يزاحم بعضهم بعضا، وقلوبهم ترتعش لهفة وشوقا.. للجنة.
يجلوهم النور، بين ايديهم وبأيمانهم، بشراهم اليوم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها، ها هي الجنة تلوح امامهم، بأبوابها العظيمة الثمانية، وإنهم ليجدون ريحها الطيبة من مسيرة أربعين عاما.
المؤمنون فرحون، يتخافتون فيما بينهم بعبارات الانبهار والاندهاش مما يجدونه من ريحها وجمالها، أحقا وصلنا للجنة؟ وحانت ساعة النعيم؟
يقفون علي ابواب الجنة، ويغشي قلوبهم شعور جميلٌ لا يوصف.
يقبلون علي ابوابها سعداء فرحين، مندفعين متدافعين.. فإذا بأبوابها مقفلة.
فيذهبون الي أبيهم آدم، فيقولون:
-يا أبانا، استفتح لنا الجنة.
فيقول (عليهـ الســلامـ):
-وهل اخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم؟ لست بصاحب ذلك، اذهبو الي ابني ابراهيم خليل الله.
فيمضون الي ابراهيم (عليهـ الســلامـ) بشغف، فيسألونه أن يستفتح لهم الجنة فيقول:
-لست بصاحب ذلك، إنما كنت خليلا من وراء وراء، اعمدوا الي موسي (عليهـ الســلامـ) الذي كلمه الله تكليما.
فيمضون الي موسي (عليهـ الســلامـ) فيسئلونه أن يستفتح لهم الجنة فيقول:
-لست بصاحب ذلك، اذهبو الي عيسي كلمه الله وروحه.
فيأتون عيسي (عليهـ الســلامـ)فيقول:
-لست بصاحب ذلك.
من يستفتح للمؤمنين؟ من يدخلهم الجنة اذا؟!
ها هم علي ابوابها ينتظرون، متلهفين مشتاقين وكلهم حنين لها.
محمد رسول الله(صل الله عليه وسلم)، خاتم الانبياء واشرف المرسلين واحسن خلق الله اجمعين.
-يأتي المؤمنون محمدًا (صل الله عليه وسلم) فيسألونه أن يستفتح لهم الجنة، فينطلق محمدًا (صل الله عليه وسلم)فيأتي تحت عرش الرحمن، فيقع ساجدا لله (عز وجل).
-ثم يفتح الله عليه من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه علي احد قبله، ثم يقال:
-يا محمد.. ارفع رأسك، سل تعط واشفع تُشَفعْ
فيرفع رأسه (صلي الله عليه وسلم) فيقول:
-امتي يا رب، امتي يا رب، امتي.
فيقال:
-ادخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الايمن من ابواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوي ذلك من الابواب.
وكانت شفاعة محمد العظمي لامته.
-يأتي رسول الله (صلي الله عليه وسلم) باب الجنة، فإذا مقبض حَلْقةُ من ياقوت أحمر علي صفائح من ذهب، فيطرق باب ٱلجنة ليستفتح للمؤمنين، فيقول الخازن:
-من انت؟
فيقول رسول الله(صل الله عليه وسلم)
-محمد.
فيقول الخازن:
-بك امرت أن لا أفتح لاحد قبلك.
فتفتح ابواب الجنة بإذن الله تبارك وتعالى فيكون اول من يدخلها الفقراء من المؤمنين ويعقبهم الاغنياء.
ها هي شجرة عظيمة عند ابواب الجنة، كبيرة مديد ظلها، تنبع من اصلها عينان لامعتان، فيقبل عليها الداخلون الي الجنة، يشربون من احداها، ويغتسلون من الاخري.
ويزدحم الناس علي ابواب الحنة الثمانية، يتدافعون متهافتين للدخول، علي الرغم من أن ما بين مصراعي كل باب من ابوابها مسيرة أربعين عاما.
يا له من ازدحام مرغوب!
من سيسخط من ازدحام علي ابواب الجنة؟
بل هو ازدحام سعيد جميل.
يمسك الحبيب يد حبيبته بإحكام، والضحكات تعلو الوجوه، وهم يدخلون جماعات، اهل القرآن واهل الصدقات واهل الصيام، كلهم جميعا غير متفرقين.
وبينما يتدافعون للدخول، ترتفع اصواتهم بحمد من بفضله هم علي ابواب الجنة:
﴿الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق﴾.
وخطت رجل المؤمن علي ارض ٱلجنة..
ها هو قد تخطي بابها، وصار في دار القرار.
تنزل سكينة عجيبة في صدره، وانشراح وطمأنينة، فلا حزن عل ماضِ ولا خوف من آتٍ.
أكان شقيا يوما؟ اضايقه شيء يوما؟ اكان فقيرا يوما؟ أعاش حياه صعبة؟
لا يذكر، كل ما يذكره هو ما يسره ويسعده.
الآن وقد وضع يده في الجنة، من المستحيل أن يخرجه احد، أو يرجعه احد، او يوقفه احد..
هنا.. (دار الخلد).
وقف المؤمن ينظر حوله..
احبابه حوله، حدائق حوله..
عصافير تشدو، وجو عليل، وانهار تجري..
نساء حسان ،وولدان جمال..
وملائكة تطوف..
مجرد تقليبة لنظره في ذاك النعيم.