وبينما أهل الجنة في النعيم، إذ قام منادٍ يناديهم.
فجمعوا متسائلين عن سبب النداء، فإذا بالموت قد اتي امامهم علي صورة كبش املح(1)، ونودي بهم:
-يا اهل الجنة.
اشرأبت اعناقهم وارتفعت أعينهم، وقد بدت فيها نظرة خوف من أن يقال لهم اخرجوا من الجنة وقد ذاقو نعيمها، وأخذوا يستمعون لما يقال لهم وجلين.
...........................................
(1)الكبش الاملح:(ضأن لونه يجمع بين البياض والسواد).
...........................................
قيل:
-يا اهل الجنة هل تعرفون هذا؟
قالوا:
-نعم، هذا الموت.
فأُخذ بالكبش فذبح امام أعينهم، ثم نادي منادٍ:
-يا اهل الجنة، خلود فلا موت.
علت وجوههم نظرة ارتياح، والسكينة تغشي قلوبهم، فيالاطمئنانهم وهم يرون الموت امامهم.. يموت!
وانتفي منهم خوف الخروج من الجنة، واطمأنوا إلي انهم خالدون فيها.
وبينما اصحاب الجنة في النعيم العظيم، إذ نادي منادٍ:
-«يا اهل الجنة»
فيجمعون متسائلين عن سبب النداء، فإذا بأجمل بشري تعانق مسامعهم:
-«يا أهل الجنة، إن اللّٰه تعالي يستزيركم، فحي علي زبارته».
تهللت اساريرهم، يقولون:
-«سمعاً وطاعة».
فينهضون إلي الزيارة مبادرين، لبيك اللهم لبيك.
ويسرع كلٌ منهم لتلبية دعوة الرب سبحانه وتعالى، وإذا بالنجائب(2) قد اعدت لهم، فيستوون علي ظهورها مسرعين، ويذهبون حيث وعدوا لزيارة الرب تعالي، وذلك في مكان يسمي الوادي الافيَح من الجنة، اي الوادي كثير الخضرة والزرع، ويُجمعون كلهم هناك، فلا يخالف احد من الجنة هذا الموعد ولا يغادره احد منهم.
..............................................
(2) النجائب مفردها نجيبة وهي في اللغة: الأكرم من الخيل، او هي خير الابل وأقواها واخفها، وما يراد في الحديث بالنجائب الله اعلم به من وسيلة التنقل في الجنة.
.............................................
وبينما هم هناك، إذ أمر الرب (عز وجل) بكرسيه فنُصِبَ هناك، وما اعظم كرسيه سبحانه!وسع السماوات والأرض.
ثم نُصِب لأهل الجنة منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، كل علي حسب مكانته ودرجته، حتي جلس ادناهم [وحاشاهم أن يكون فيهم دنيء] علي كثبان المسك.
قلوبهم متحابة متوادة، لا يغارون من بعضهم ولا يحسُدون، وما يري الادني منهم غيره بأنه اعلي منه في العطايا.
حتي إذا استقرت بهم مجالسهم، نادي المنادي:
-«يا اهل الجنة.»
فينتبهون ويستمعون، وينادي المنادي:
«يا اهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه».
فيقولون متعجبين:
-«ما هو؟!
ألم يُثَقٍّل موازيننا؟
ألم يبيِّضْ وجوهنا؟
ألم يُجِرنا من النار؟
ألم يُدخِلنا الجنة؟
وبينما هم كذلك محتارون، إذا سطع لهم نور أشرقت له الجنة، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب الله خالقهم تبارك وتعالي أشرف عليهم يضحك اليهم.
هنا.. سكنَ اهل الجنة، واستقرت عيونهم علي حجابه سبحانه والنور الساطع منه، هم لم يروه بعد، ولكن نوره قد اخذ بقلوبهم، حتي قال لهم الله تعالي:
-«يا اهل الجنة، سلامٌ عليكم»
فيردون:
-«اللهم انت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والاكرام.»
ويرجع الله تعالى فيقول:
-اين عبادي الذين اطاعوني بالغيبِ ولم يروني؟ فهذا يوم المزيد.
فيقولون مشتاقين:
-ربنا.. ارنا وجهك ننظر اليك.
فيَأمرُ الله تعالى بالحجاب، فيكشف عنه، فينظرون اليه وهو يضحك اليهم تبارك وتعالي.
فإذا رآه المؤمنون، نسوا ما حولهم، وتعلقت ابصارهم بوجهه سبحانه، ينظرون بشوق، ينعمون أعينهم في جماله وكماله سبحانه وتعالي.
وجوه يومئذ ناضرة، الي ربها ناظرة.
ولا يبقي في ذلك المجلس احد الا كلمه الله وحاضره محاضرةً.
يُدنيه الله منه.
يكلمه.
يحادثه:
-«يا فلان.. اتذكر حين فعلت كذا وكذا؟ اتذكر حين فعلت كذا وكذا؟»
فيقول العبد:
-«اما غفرتها لي يا رب؟»
فيقول الله الرحمن الرحيم:
-«بلي، بمغفرتي بلغت منزلتك هذه».
يا الله!!
هل هناك نعيم اعظم من رؤية من كنت اعبده ليلَ نهارَ؟
هل هناك ألذ من رؤية ربي الذي اطعته بالغيب شوقا الي لقياه؟
حقا.. لا تطيب الجنة إلا برؤية وجه الله.
وينادي الله تعالي في عباده المؤمنين المتنعمين:
-يا اهل الجنة.
فيقولون:
-لبيك وسعديك.
فيقول:
-هل رضيتم؟
فيقولون:
-ومالنا لا نرضي وقد اعطيتنا ما لم تعط احد من خلقك؟
فيقول تبارك وتعالى:
-انا اعطيكم افضل من ذلك.
فيقولون:
-يا رب، واي شئ افضل من ذلك؟!
فيقول رب العزة تبارك وتعالى؛
-أُحِلُّ عليكم رضواني، فلا اسخط عليكم بعده ابداً.
﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنَينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ جَنَـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلْٱنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَمَسَـٰكِنَ طَيِبَةً فِي جَنَّـٰتٍ عَدْنٍ وَرِضْـَوٰنٌ مِنَ ٱللِّهِ أَکْـبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُـ(٧٢)﴾.