نعيم لا متناهٍ الذي هم فية اهل الجنة، طوبي لهم بما عملوا، نالوا بقاءً وعزاً وغنيً.
غاب عنهم كل هم وغم، نسوا الحزن والالم والكدَر.
ما اسعدهم! هنيئا لهم بما اسلفوا.
اخيتي .. أتدرين ما اكثر ما يسعدهم؟
محبتهم، مودتهم، قلوبهم النقية التي لا تعرف الحقد والحسد والبغض والكره.
قلوبهم التي لا تحمل غلا ولا إحنةً ولا خصومة.
قلوبهم البيضاء التي لا تعرف الخداع ولا الخيانة ولا الغش.
لا يعرفون شيئا من المراوغة والمكر والحيل.
لا يعرفون كيف يغتاظون من بعضهم، ولا يذكرون كلمة عداوة.
دخلوا لجنة وقد غسل الله قلوبهم بالحب والود، يغشاهم السلام والوئام، فترين اثنين من المؤمنين اختصما في الدنيا قد ائتلفا في الجنة.
أخلاقهم حسنة في التعامل مع بعضهم البعض، فكل منهم يحسن محادثة الاخر، ليس بينهم اكاذيب ولا كلام فاحش، ولا يسمعون شتما ولا مأثما.
إذ رأوا بعضهم حيوا بعضهم بعضا بالسلام، ورحبوا ووسعوا واستقبلوا ولا يصد احدهم عن الاخر.
وإذا اجتمعوا علي السرر والارائك اتكئوا متقابلين لا ينظر بعضهم الي قفا بعض، وذلك من حسن الوصال وادب المجالسة.
وبينما هم مجتمعون علي السرر المصفوفة، إذ تدور بينهم الاحاديث، ويقولون لبعضهم وهم يتذكرون الدنيا:
- ﴿إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فٍيٓ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ﴾.
(اتذكرون حين كنا خائفين من عذاب الله نعمل رغباً ورهباً).
- ﴿فَمَنَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَـٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِـ﴾
(اترون؟ها هو ربنا أجارانا من العذاب بما خشيناه، وقانا من عذاب النار وحرها الذي لا يطاق).
-﴿إِنَّا كُنَّا مَن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحٍـيمـُ﴾.
(لقد كنا نعبد ربنا وحده ونسأله أن يمن علينا بالرحمة والمغفرة، فها هو ربنا قد رحمنا، فهو كثير الاحسان، كثير الرحمة سبحانه وتعالى).
يقولون فرحين سعداء بالفضل العظيم والنعيم المقيم:
-﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِِنَ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾.
(كنا في حزن شديد واضطراب مستمر وجلًا من أن ترد اعمالنا ولا تقبل، ولكن ربنا الغفور غفر انا وشكر لنا اعمالنا).
-﴿ٱلَّذِيٓ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ﴾.
(ربنا الذي ادخلنا الجنة وجعل فيها إقامتنا ومسكننا الأبدي من فضله ورحمته بنا).
-﴿لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾.
(اسكننا في هذه الدار التي لا نري فيها عناءً ولا تعباً ولا مشقةً ولا نجد فيها لُغُوبًا وهو الإعياء من التعب).
وإذا ما اشتاق المؤمن في الجنة صاحبه، وهو متكئ علي سريره، سار السرير الي سرير صاحبه فصف بجانبه، فيلتقيان، فيتكئ هذا ويتكئ هذا، فيتحدثان بما كانا في الدنيا حتي يقول أحدهما لصاحبه:
«تدري يوم غفر الله لنا يوم كنا في موضع كذا وكذا فدعونا الله فغفر لنا؟»
(أتذكر عندما دعونا الله تعالى انا وانت أن يغفر لنا ذنوبنا في اليوم الفلاني في المكان الفلاني؟ فها هو قد غفر انا سبحانه).
يتجاذبان اطراف الحديث، يتضاحكان ويمزحان، يذكران ايام صداقتهما في الدنيا ويسردا حكاياتهما الجميلة معًا.
ما اجملها من صداقة هذه! صداقة ابدية هي صداقه اهل الجنة..
فقد جمعهم حب الرحمن، وسلام الجنان، نعم.. هذه الجنة ارض السلام والامان، ما فيها ضغائن، ولا احقاد، ولا حروب، ولو كان الامر عكس ذلك.. لما طاب لاهل الجنة النعيم.
لذلك كان نعيمهم كامل مكتمل بالحب الذي يضم قلوبهم، والمودة الابدية، الازلية، السرمدية.
﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّـِنْ غِلٍ إِخٔوٰنًا عَلَيٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِنَ﴾.