ثانيًا: لابُد من وجود بداية

50 7 2
                                    


يتسعُ عالمكَ بأكمله لكل شيء، لكل البشر، ماعداكَ أنت
تصبحُ شخصًا لا يُمكنك تحمله.




















هو خرج بقصد التوجه لقصر السيدة آيلين واعطاء قرار نهائي عن عدم رغبته بالعمل لأجل ابنتها المدللة، فمهما كانت حاجته للمال يائسة فإنه يشعر بالخوف تجاه هذا العمل الغريب، فثنائي القطب وغيره أمور مُعقدة لا يؤمن هو بها بشكل تام، لطالما كان يخشى الأمور المعقدة ويهرُب منها، حتى تلك الأمور التي تخصُه وتخص حياته.
أكثر ماكان يَبرع به طوال الثلاثين عامًا
التي عاشها هو الهرب منها، أي حياته.














: صباح الخير آصف

هو تنهد بتوتر خوفًا من صديقه الوحيد الذي تمنى من داخله أنلا يُقابله بطريقة صباح اليوم على وجه الخصوص.

: اوه اهلًا فِداء، لماذا أنت هنا؟

ضحك فداء على سؤال صديقه السخيف وأجابه بسُخرية
: نحن دومًا نكون هنا في هذا المقهى صباحًا لشرب القهوة المجانية وكما أنه مُلكٌ لوالديّ حسبما أتذكر؟ كما أنني نادل وأعمل هنا بدوام جزئي عندما أكون متفرغًا لمساعدتهم!
ماذا حدث لك لتنسى ذلك؟ لابُد أنه أمر عظيم! هل أنت مُتأنق للذهاب لتلك السيدة والحصول على تلك الوظيفة العظيمة؟

جلس آصف على الكرسي المُقابل لصديقه وتنهد مجددًا بعُمق أكثر

: حسنًا لتعلم أولًا بأنني مُمتن لكل مساعداتك، ولترشيحي بطريقة مميزة أمام كل وظيفة تُصادفك، ولكن أنا في الحقيقة ذاهب للاعتذار عن تلك الوظيفة، هي مُخيفة، حقًا مُخيفة ياصديقي.

ابتسم فداء بتهّكُم وغضب
: صديقي العزيز لتكُن صريحًا مع نفسك قليلًا
أنت دومًا خائف دومًا من كل شيء يصادفك في حياتك، من علاقاتك، من وجودك، من عائلتك، من عمرك، ومن أن تكبُر بعمرك، ومِن مَن تُحبهم، ومن نفسك حتى، والأسوء من كُل مخاوفك تلك أنك تخافُ مما تستحقه،
أنت استحققت فتاةً رائعة ولطيفة ك"إلينا" في الماضي ولكنك خفت من ذلك وهربت، أنت استحققت العيش مع والدتك لعمر طويل أكثر من الآن، ولكنك خوفًا عليها من تهديدات والدك بقيت معه ذلك اللعين حتى بلغت السن القانوني لتنتقل للعيش معها، أنت الآن تستحق هذة الوظيفة العظيمة ذات المُرتب العظيم لتعيش حياةً عظيمة، ولكن لأنك مجرد وغد يخشى أوهامًا لاوجود لها ولاصحة عليها تخاف، تخاف مما تستحق، وحسنًا إذ أنت رفضت تلك الوظيفة لأكُن صريحًا وواضحًا معك لاتعُد لهنا ابدًا أيها الساذج.









فكر آصف  وهو يجلس أمام هذة السيدة "آيلين"
والتي تذكر اسمها فجأة صباح اليوم بغير سبب، بعد أن عجز عن تذكره بالأمس قبل نومه لشدة ما فتك به ألم صداعه الناتج عن تفكيره العميق،  بأن قناعته عن أن كلام الأمهات ليس سوى حقائق واقعة لامحالة، بل وحتى أنها حقيقية بشكل مطلقٍ لا مجال للتشكيك به، فصديقه فداء لطالما أوقعه بمشاكل متعددة... أو ليكون صريحًا فلطالما كان صديقه مُحقًا، ومايقوله مؤلم وذلك لأنه لايقول سوى "حقيقة صريحة بدون أي تلطيف"
حتى لو كان المرء المقابل له هو أعز أصدقائه
وكلامه الحقيقيّ جرحه بشدة مما دفعه للمجيء لهُنا وقبول هذه الوظيفة المعجزة، عوضًا عن أنّ رفضه لتلك الوظيفة سيعرضه لخسارة صديقه الوحيد وذلك مالا يريده هو، فآخر ما يريده هو أن يفقد فداء.

: مُوافق، سأذهب مع هذة الوظيفة سيدتي

ابتسمت بلُطف
: حسنًا لتُقابل حفيدتي غدًا وتبدأ عملك.

: حسنًا، سأُغادر الآن سيدة آيلين.

وحسنًا هو ليكون صريحًا مع ذاته فإنه خائف وقلق، الأشياء التي تأتي بسهولة ويُسر مُخيفة، هو يحب الشعور بالتعب الشديد ليحصل على مايريد أو مايستحقه، لأنه سيكون مطمئنًا عندها.











عدت لمنزلي
وكان فداء يجلس على عتبة الباب سارحًا  ولم يلحظ وجودي قريبًا منه حتى.
ابتسمت لذلك بلُطف شديد وكادت عينايّ تمتلأ بالدموع للحظة
فأنا حقًا ممتنّ لهذا الشخص بشكل عظيم، لطالما كُنت جاهلًا وأبي قد تركني منذ زمن قبل وفاته، ووالدتي كانت تمكث بالمشفى أكثر من بقائها بالمنزل نتيجةً لإصابتها بمرض مزمن قد يؤدي لوفاتها بأي لحظة.
لذلك هو من كان يُرشدني، يجُرني بكل قوته حيث يرى أنه الصواب، ثم يحاول اقناعي به، وغالبًا ماكان ينجحُ عن طريق تهديدي بنهاية الأمر.

: مساء الخير فِداء

تجاهل تحيتي كما توقعت وقفز للسؤال بنبرة خائفة
: هل حصلتَ عليها؟

ابتسمت محاولًا التحكُم بضحكة تأبى إلا أن تخرج
: أجل، حصلت عليها، نعم ! لذلك لن تتمكن من ذلك، لن تستطيع انهاء علاقتنا ابدًا، نحن سنبقى متعاقدان معًا بطريقة أو بأُخرى و...

قُطعت ثرثرتي بسبب احتضانه المُفاجئ لي بشدة
وهتف بصوتٍ عالٍ
: هذا هو صديقي، أنت حقًا حصلت عليها أيها الساذج
وبعدها انخفضت نبرته لتتحول لنبرة هادئة ورقيقة
: و بالطبع سنبقى متعاقدان بطريقة أو بأخرى، أيها الطفل.
















شكرًا لقرائتكم💞

ماتهربُ منه سيحدثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن