~الفصْلُ الثَّالثْ: همساتُ الشَّيطان و زيارة موتى~

832 147 95
                                    


لطالما شبَّهتُ الموتَ بالهجرةِ الغيرِ شرعيَّةٍ على قاربٍ صغيرٍ لا يسعُ الجَّميعَ و لكنَّ الجميع يحاولونَ إجبارهُ على حملهمْ رغمَ أنَّهم على علمٍ مُسبَقٍ بأنَّهم سيضحُّونَ بأحدهمْ في سبيلِ المجْموعَة

يتمُّ التضحيةُ بأقلِّ النَّاسِ قيمةً في اليمِّ و هذا ما يفسِّرُ أنَّ أغلبيَّة الموتى هم طاعنونَ في السنِّ متقاعدونَ عن أعمالهمْ و أحفادهمْ يملؤونَ آذانهم بأصواتهم الصاخبة التي تصنعُ في بيوتهم الكئيبة الهادئة حيويَّةً و حركيَّة

هم باختصارٍ لا فائدةَ من وجودهم و ذاقوا جميعَ النكهاتِ التِّي تُعدُّها من أجلهم الحياة

طعمُ الحبِّ و الكره، النجاح و الفشل،  الدموع و السعادة الغامرة، الوحدة!

الفقدان!

الاستياءُ و الغضب!

لكنِّي لا أجدُ تفسيرًا لموتِ الكهولِ و الأطفال و تتدفَّقُ في عقْلي أسئلةٌ عدَّة بشأنِ هذا الخصوص

في السابقِ كنتُ أحتارُ بين ما إذا كان يقتلُ اللَّهُ عبادًا مخلصينَ بطريقةٍ عشوائيَّة؟ أو يختارُ من الناسِ أكثرهم نفاقًا و فسادًا؟

لكن بعدَ موتِ جميعِ أفرادِ عائلَتي تضخَّمت الفجوة بيني و بين المنطقِ و اليقين

أهي رسالةٌ مباشرةٌ من اللَّهِ لأتوقَّف عن السؤال؟ أهو عقاب؟ أليس هذا ظلمًا؟ لمَ لم أمُتْ أنا فقطْ و ينتهي الأمر؟

أتذكَّرُ أنَّ الأُستاذَ قدْ أخبرنا يومًا بأنَّ هناكَ شيئًا أقوى من العدلِ و الظلمِ في الحياةِ لأنَّهُ يقعُ و يجمعُ بينهما

القدرْ

في تلك الفترة أعجبني ما قيل من قبلِه و لكنَّني لا أريده أن يسمح لنفسه بمحاولةِ وعْظي الآن، و لذلكَ تغيَّبتُ عن حصصه

لمَ يحدثُ كلُّ هذا لفتاةٍ في التَّاسِعةِ عشرة من العمر؟ لماذا كُتبتْ عليَّ المعانات ما دمتُ أتنفَّس و قلبي ينبض؟

أحيانًا أشعرُ بأنَّني أنا الوحيدةُ التي سيصفحُ عنها اللَّه إن انتحرَتْ لأنَّني جالبةٌ للحظِّ العثر..لكنَّني سرعانَ ما أعدل عن الفكرة و أعودُ إلى رُشدي

انتقلتْ عمَّتي العزباءُ و جدَّتي إلى منزلنا لتؤنساني في وحدتي كما تزعمان، و ما من مؤنسٍ للأسف

شعورٌ بالذَّنبِ يعيقُ مجرى الهواءِ في جسدي فيضيقُ تنفُّسي بشدَّةٍ و أنا أستحضرُ قبيحَ ما قلتهُ لوالديَّ و أختي الصغيرة...دونَ قصدِ إيذائهم

انتبهتُ للتوِّ إلى كم كنتُ عدوانيَّةً و مزعجةً، و لكنَّ المصيبة تكمنُ في أنَّ عدوانيَّتي قد زادتْ سوءً و تضاعفتْ إلى الما لانهاية له

~إلْحادٌ إلَّا رُبْع~حيث تعيش القصص. اكتشف الآن