الفصل الحادي والعشرون

19.9K 659 26
                                    

- مفكرتيش هعمل ايه لو كان جرالك حاجه .. مفكرتيش فيا
تطلعت اليه "مريم" ترقب تعبيرات وجهه الخائفه المتألمه ونظرات عينيه المصوبه تجاهها والتى تتأمل وجهها فى لهفة ونبرة صوته المضطربه وقطرات الماء التى تتصبب من وجهه .. فجأة وجدت نفسها بين ذراعيه يضمها اليه بشدة كما لو كان يخشى أن تفلت منه .. شعرت بدقات قلبه المتسارعه وبأنفاسه المتلاحقه .. سمعته يتمتم بصوت خافت :
- الحمد لله .. الحمد لله
حاولت "مريم" التحرر من بين ذراعيه لكن "مراد" كان يطبق عليها بشدة ويداه تتشبثان بها بإحكام .. شعرت "مريم" بمشاعر كثيرة متضاربة .. لكنها أسكتت كل تلك المشاعر وسمحت لشعور واحد فقط أن يطفو ويسيطر على كل كيانها .. شعور الأمان الذى شعرت به وهى بين ذراعيه .. أغمضت عينيها لتنعم بهذا الشعور الذى لطالما افتقدته

طال عناقهما وكأن الوقت قد توقف وخلى العالم الا منهما .. لم يشعران إلا بالأمان الذى يشعر به كل منهما فى حضن الآخر .. لم يقطع عليهما تلك اللحظة الا صوت حراس المرفأ القادمون بإتجاه الحريق وأصواتهم تتعالى :
- هاتوا طفاية الحريق بسرعة
- حد يتصل بالمطافى يا شباب
شعرت "مريم" بالفزع عندما سمعت تلك الأصوات التى تعالت فجأة بالصياح .. نظر "مراد" الى الخلف حيث الرجال مقبلون فى اتجاههم ثم نظر اليها قائلاً بحنان :
- متخفيش
شعرت "مريم" بالإضطراب وبالحرج الشديد ابتعدت عنه وابتعد عنها .. التفت "مراد" يتحدث الى الرجال وهو يطبق على ذراع "مريم" بيده :
- اللانش بتاع واحد صاحبى أنا هكلمه حالا
التفت الى "مريم" وأعطاها مفاتيح السيارة قائلاً :
- اعدى فى العربية انتى وهى واقفلوها عليكوا كويس
أومأت برأسها وتوجهت الى "سهى" التى تجلس على أرض المرفأ تبكى .. وجذبتها من ذراعها وتوجهت بها الى السيارة تحت أنظار "مراد" الذى أخذ يساعد الرجال فى اطفال الحريق حتى لا يمتد الى اللانشات المجاورة له

أغلقت "مريم" السيارة من الداخل كما أمرها "مراد" ثم التفتت الى "سهى" التى جلست بجوارها فى المقعد الخلفى وقالت :
- انتى كويسة ؟
قالت "سهى" والدموع تتساقط من عينيها :
- ياريتك كنتى سبتيني أموت
هتفت "مريم" بحده :
- حياتك مش ملكك عشان تنهيها وقت ما تحبي .. حياتك دى ملك لربنا .. ربنا حرم علينا اننا ننهى حياتنا بإيدينا .. ربنا بيقول فى سورة النساء : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً" .. انتى بتهربى من ايه لايه يا "سهى" .. انتى فاكره بعد ما تموتى خلاص كده هترتاحى ؟ .. لا يا "سهى" فى حياة تانية بعد الموت .. حياة أبديه .. هتتحاسبي فيها عن كل اللى عملتيه فى الدنيا .. النبي صلى الله عليم وسلم قال : "مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً" .. وقال كمان : " مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة "
صمتت "مريم" قليلاً ثم قالت :
- ليه تموتى على ذنب كبير زى ده .. انتى مش عارفه ان من مات على شئ بُعث عليه يوم القيامة ؟ 
قالت "سهى" وهى تبكى :
- ازاى أعيش بعد اللى حصل ده يا "مريم" أنا اتفضحت خلاص وحياتى ضاعت
قالت "مريم" :
- أنا مش هقولك ازاى عملتى كده .. وازاى رخصتى نفسك كده .. وازاى سبتى واحد يضحك عليكي كده .. بس هقولك حاجة قولتهالك قبل كدة يا "سهى" انتى بعيد عن ربنا .. قربي منه ومش هتخسرى .. قربي منه يا "سهى" لان سعادتك فى القرب منه مش فى البعد عنه
قالت "سهى" ودموع الندم تغرق وجهها :
- أعمل ايه يا "مريم" قوليلى أعمل ايه 
قالت "مريم" :
- استغفرى ربنا وتوبي يا "سهى" وعاهديه انك مش هتغلطى تانى أبداً مهما حصل .. لو توبتى بجد هتحسي ان نارك بردت شويه .. عارفه ان اللى حصل مش سهل .. بس انتى غلطتى يا "سهى" والغلط له تمن .. وغلطتك كبيرة وعشان كدة تمنها غالى .. بس اخلصى التوبة وخليكي مع ربنا .. وهو مش هيضيعك لو كنتى فعلاً معاه بقلبك وبكل جوارحك .. ربنا كبير ورحيم .. بس لازم تكونى صادقة فى توبتك .. وصادقة فى لجوئك له .. وصادقة فى ندمك وفى دموعك وفى دعائك
انتفضت "مريم" وهى تسمع طرقات على الزجاج خلفها .. التفتت لتجد "مراد" فتحت الباب فأعطاها غطائين واحد لها وواحد لـ "سهى" .. قال لها وهو يلقى نظرة على "سهى" :
- الأمور تمام ؟
أومأت برأسها فقال برقه وهو يتطلع الى عينيها بنظرة جعلت وجنتيها تحمران خجلاً وتهرب بعينيها :
- اقفلى الباب زى ما كان
أغلقت باب السيارة من الداخل .. وتابعته بعيناها الى أن اختفى عن أنظارها .. أفاقت من شرودها على "سهى" تقول :
- تفتكرى لو استغفرت ربنا هيسامحنى .. تفتكرى ممكن يسامحنى على كل الحاجات الغلط اللى عملتها .. انا غلطت كتير أوى يا "مريم"
قالت "مريم" بحنان :
- ربنا كبير أوى يا "سهى" وبيسامح ويغفر .. تعرفى ان ربنا بيتجلى فى السماء الدنيا وبينادى فى الثلث الأخير من الليل ويقول : "من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له" .. متخيله ده .. متخيله ان ربنا سبحانه وتعالى هو اللى بيسأل مين عايز يستغفرنى عشان أغفرله ! .. ومحددش عن أى ذنب بيستغرفه .. يعني الكلام عام وشامل أى حد بيستغفر مهما كان الذنب اللى أذنبه 
لفت "مريم" أحد الأغطيه حول "سهى" والغطاء الآخر حولها .. كانت أسنانها تصطك ببعضها من شدة البرد وهى الجالسه فى السيارة .. أخذت تفكر رغماً عنها فى "مراد" الواقف فى هذا البرد وملابسه مبتله تماماً .. حاولت أن تبحث عنه بعينيها لكنها لم تكن تراه من مكان جلوسها فى السيارة .. فجأة وجدت "سهى" تقول بخوف :
- "سامر"
تتبعت "مريم" نظرات "سهى" التى كانت مصوبة على "سامر" الذى أوقف سيارته على مقربه من سيارة "مراد" وأسرع الخطى الى داخل المرفأ.

قطة في عرين الأسد (للكاتبة منى سلامة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن