الفصل الأول (المكالمة)

91 13 10
                                    

لم اكن متأكدة أكان ذلك الشفق أم الفجر، لكن الشمس كانت تغزل خيوطها الحمراء حينذاك. و كان الضباب كثيفاً. و الحقول حولنا شاسعة إلى ما لا نهاية. و هناك ذلك الرجل – أو الشئ- الملتحف بالسواد الذي اتبعه في صمت. لا أعرف لماذا اتبعه ولا أعرف إلى أين نذهب. فقط اتبعه.

ثم تأتي تلك الموسيقى المزعجة من السماء. موسيقى غامضة.. كئيبة و لكن تبدو مألوفة. موسيقى شرقية هادئة. تبدو عادية ولكنها غير مريحة على الإطلاق. فأغمضت عيناي وسددت أذني بيداي انزعاجاً. ثم فتحت عينيّ لأجدني بغرفتي.
كانت الغرفة مظلمة و لكن يدخلها بصيص من ضوء النهار. رأيت ظلا متكوماً على تلك الأريكة المقابلة للفراش.

استغرقت دقائق في الاستيعاب ثم قلت بصوت متحشرج:
_انت بتعمل ايه هنا؟

كان ذلك أخي رامي صاحب الأعوام الخمسة عشر، يجلس على الاريكة و على قدمه اللاب توب. انتبهت إلى صوت الموسيقى الصادرة من الجهاز و هي نفسها التي سمعتها في الحلم. يحدث ذلك أحيانا و لكن مع جرس المنبه.

رد رامي بآلية بدون ان يرفع عينيه من على الشاشة قائلا:
_قاعد.
_ ليه قاعد هنا ؟
_الست بتنضف اوضتي.
كان يقصد تلك السيدة التي اتفقت معها أمي منذ سنين معها لتنظيف الشقة مرة كل أسبوعين.
قلت:
_طب اسمع البالهاند فري يا أخي.
رد بنفس الآلية بدون ان ينظر إلي :
_انتي خدتيها.

تذكرت اقتراضي لسماعته حين فقدت سماعتي مؤقتا حتى أقوم بشراء أخرى. 
أخي رامي هو شخص إنطوائي لا ينتمي للمراهقين في سنه.، يتصفح في الانترنت بشكل دائم يقلق والدايّ.

نظرت إلى الساعة لأهب فزعة و أتعثر إلى الحمام. نفضت ذكرى ذلك الحلم من رأسي سريعاً .. يا إلهي تأخرت كثيراً. نزلت مسرعة فصفعني ضوء الشمس.

*****

أنا (وجد). اسم غير عادي لفتاة عادية. لم أتمنى يوماً ما حياة غير عادية أو مثيرة. فحياتي مملة حتى الموت وذلك يرضيني. في الرابعة والعشرين من عمري. أما عن عملي فهو ما نتوقعه لفتاه مملة تعيش حياة مملة، و هي أيضاً وظيفة 80% من الشباب:  خدمة العملاء ، المعروفة بالكول سنتر. أعمل كممثلة خدمة العملاء لأحد البنوك الغير معروفة، بحكم إنشائه من قريب إلى حدٍ ما. وهي وظيفة لا أحبها ولا أكرهها . هي فقط وظيفة.

       ركضت حتى لحقت بحافلة العمل. وما أن جلست حتى بدأت أتنفس و أستعب ما قمت بارتدائه في عجلة.  دخلت فوجدت المكتب المتسع يكتظ بالزحام. جريت لمكتبي لأجد من يجلس عليه. ما أن رآني قال:
"آسف.. انتي اتأخرتي و مكنش فيه مكان."

رأى مجدي، الملقب ب (ميجز) _ وهو أحد المدراء_ نظرتي البائسة فأشار بيده قائلا:
_ معلش.. ممكن تقعدي هناك.

نظرت حيث أشار فوجدت ذلك المكتب المعزول الذي يتجنبه الجميع لإنعزاله، و أتجنبه أنا على وجه الخصوص لأنه يكمن تماماً خلفه ذلك الحائط الزجاجي الذي أرى من خلاله كل شيء صغيراً للغاية، مما يثير الرعب في نفسي حيث أنني أعاني من فوبيا المرتفعات. جلست عليه بعد أن يئست أن أجد مكاناً آخر.

الشفق الأحمر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن