الفصل الثالث "إختطاف !"
__________
تابعت "إيڤان" التراجع حتى اصطدمت ساقاها بطاولة عريضة تتوسط الغرفة، بينما تقدم "ريسين" نحوها بثبات فتقلصت المسافة كثيرًا حتى أوشكت على الإنتهاء، ولكنه توقف فجأة وقال:
- أتمنى أن أجد تفسيرًا سريعًا الآن!
يا لوقاحته! .. يطلب تفسيرًا لما يجب أن يفسره هو، ويتحدث بجمود بالغ محاولًا تحميلها جم الخطأ؛ ليقوي موقفه الهش أمام موقفها، كأنه يخاطر بالإستهانة بعقلها الذي لم تنطلِ عليه هذه الحيلة، حسمت قرارها في غضون ثوانٍ، ستواجهه بالأمر ولن تحاول التبرير، بل ولن تتهاون أو تضعف أمامه البتة
جمعت شجاعتها، ثم وجهتها نحوه في هيأة جملة واحدة صاحت بها بثقة بالغة:
- بل أنت من يجب أن يفسر لي الآن.
عم الصمت لدقيقة كاملة كان هو يجاهد خلالها ليجد كلمات مناسبة تنجده من ورطته، ولكنه في النهاية نحى وجهه جانبًا وقال:
- ما من شىء لأفسره لكِ يا "إيڤان"
= بل يوجد
لم يعقب بشىء فزادت حدة نبرتها وتابعت:
- ستوضح لي كل ما رأيته الآن، وإلا ...
صمتت فجأة لتثير الموقف أكثر، فتسائل ببرود:
- وإلا ماذا ؟
رفعت رأسها لأعلى وقالت:
- وإلا أغادر ولا أعود أبدًا
ابتسم "ريسين" بسخرية وهز رأسه لكلا الجانبين قائلًا:
- لا تحاولي تهديدي عزيزتي، كما أنه لا يمكنكِ فعل هذا
= بلى يمكنني
لمع التحدي ببريق خاص داخل عينيها، وعزمت في قرارة نفسها على تنفيذ تهديدها إلّم يستجب لمطلبها، في حين زفر "ريسين" بعمق وقال:
- إيڤان لا تثيري أعصابي، حسنًا ؟
اهدأي قليلًا وسيحصل ما تريدين في الوقت المناسب
صاحت الأخرى بغضب عارم:
- لن أهدأ يا ريسين، لا يمكنني المكوث مع شخص مخادع مثلك.
أنهت كلماتها وتبعتها بالسير السريع نحو باب المنزل، ولكن "ريسين" جذب ذراعها ليمنعها من المغادرة، وهنا دق ناقوس الخطر داخل عقلها فقامت بلوي ذراعه بمهارة، ومن ثم قامت بدفعه بإحدى قدميها لتهرول نحو الخارج
قام "ريسين" باللحاق بها، وبالفعل أطبق عليها من الخلف وقام بتثبيتها بواسطة ذراعيه محاولًا إعادتها إلى الداخل، وللمرة الثانية ظهرت مهارتها القتالية، ولكن بشكل يثير الإعجاب، فقد استخدمت مؤخرة رأسها لتضرب وجهه بغتة، ثم ثنت جذعها للأمام بأقصى درجة لتطرحه أرضًا.
حدقت لبرهة بجسده الممدد على الأرض، لم تصدق ما فعلته به توًا، ولكنها ما لبثت أن تجاهلت ذلك الإحساس وهبطت درجات السلم بأقصى ما يمكنها إلى أن وصلت إلى الشارع، تلفتت يمنة ويسرة ولكنها فوجئت بأحد يكبلها من الخلف ويطبق على أنفها بمنديل مبتل بمادة ما، ظنت في البداية أن "ريسين" قام باللحاق بها، ولكن خاب ظنها عندما سمعت صرخاته البعيدة التي تحثها على المقاومة للنجاة ممزوجة بتآوهاته القوية.
كادت أن تقاوم لولا ذلك الشعور بالخدر الذي تسلل إلى رأسها، فاستسلمت له، وأُطبقت جفونها بعد أن شعرت بذاك الغريب يحمل جسدها بين ذراعيه، وقبل أن تفقد وعيها تمامًا ..
*_____________________*
في مبنى المخابرات الأمريكية
وتحديدًا في مكتب العقيد "جان" ..
جلس "جان" أمام عدة ضباط ليخبرهم بآخر التعليمات التي صدرت حول الظروف الراهنة التي يمرون بها والتي تتأثر بها مهمتهم الحالية، ثم أعقب كلماته بجملة أخيرة:
- أرجو أن يكون الأمر واضحًا، لا أريد أي أخطاء
اومأ الجميع بصمت إلى أن تخلل صوت "ويلسون" الأرجاء وهو يقول بسخط:
- بالطبع الأمر واضح يا سيادة العقيد، ولكن ليس بما يكفي .. ألا ترى معي أنه يتم التعامل معنا بشكل مهين إذ يتم تخويننا جميعًا لمجرد إحتمالية وجود خائن بيننا
اردف وهو يلتفت حوله مخاطبًا الباقين:
- ألا ترون أنتم ايضًا ذلك ؟! .. إنهم يُذهبون جهودنا وإخلاصنا طوال هذه السنوات هباءً، ويمتنعون عن إخبارنا بأبسط التفاصيل والتي تخدمنا في أداء مهمتنا، ثم ماذا ؟ .. ثم يلقون باللوم علينا إذا ما حدث خطأ ما .. ألا يكفي ذلك كي نعيد التفكير بالأمر ؟!
هدر "جان" بنبرة غاضبة تحمل بين طياتها التحذير:
- انتقِ كلماتك أيها النقيب وأعد لسانك إلى حيث يجب.. ماذا تعني بالتفكير بالأمر ؟
هل تتمرد على أوامر الإدارة ؟!
ازدرد "ويلسون" لعابه بقلق وقال بإرتباك:
- كلا هذا ليس من حدي .. ولكنني كنت احاول فقط أن ...
بتر جملته عندما هتف "جان" ناهرًا إياه:
- بالطبع ليس من حدك، نحن جميعًا نعمل هنا لغاية واحدة فلا ينسها أحد منكم، إنها حماية وطننا وتخليصه من الشر الذي يتربص به .. وسنسعى لتحقيق تلك الغاية حتى ولو كان ما يحدث هو الثمن
اردف بهدوء:
- ثم إن الإدارة لم تقم بتخويننا، فالحذر لا يُعتبر إنتزاعًا للثقة خاصة في عمل حساس كعملنا
اومأ الآخرون موافقين عدا "ويلسون" الذي تابع عمله مسرًّا غضبه في جوفه ..
*_____________________*
وفي حجرة مجاورة وصغيرة الحجم، تنزوي بها مكتبة قديمة تحوي العديد من الملفات والأوراق المتراصة بعناية، وتتوسطها طاولة كبيرة تحمل فوقها جهاز حاسوب، جلس "ماكس" يتابع شاشة الحاسوب بإهتمام واضح غير آبه بما يجري حوله، وكأنما خلا المكان من سواهما، حتى أنه لم ينتبه لصياح هاتفه الذي تلقى إتصالين متتالين ..
تابع التحديق بشاشة الحاسوب مع بعض العبث بلوحة المفاتيح، ولكنه انتفض من مكانه وأسرع يلتقط هاتفه عندما صدح بنغمة مختلفة يعرفها جيدًا، فدائمًا ما ينتابه الخوف ويتحفز لتلقي المصائب عندما يدوي هذا الصوت المميز في أذنيه، ذلك اللحن الذي أسماه لحن الموت ..!
أجاب مسرعًا قبل أن يضع الهاتف فوق أذنه ويقول:
- مرحبا معك "ماكس" ، ما الأمر أيها المقدم "ريسين"
وعلى الجانب الآخر صاح "ريسين" بغضب وهو يضغط على هاتفه قائلًا:
- بحق السماء لما لا تجيب إتصالاتي أيها العقيد؟
تمتم "ماكس" قائلًا وقد تسرب القلق إلى داخله عقب سماعه لنبرة "ريسين" الحادة:
- أنت تعرف أني دائمًا ما أكون مشغولًا، لهذا يوجد هذا الرقم الخاص معك
صمت برهة ثم تابع قائلًا:
- على أي حال أخبرني ماذا هناك؟
= مصيبة، حدثت مصيبة كبيرة أيها العقيد
قالها بصوت مرتجف فقام "ماكس" على الفور بتوقع الأسوأ، أردف "ريسين":
- لقد اختطفت "إيڤان"
وقع الخبر على أسماع "ماكس" كالصاعقة، فرغم محاولته توقع الأسوأ إلا أنه لم يتوقعه بهذا القدر، بدأ الأخير يتمتم ببلاهة:
- ماذا تعني يا صاح؟ .. لا بد بأنك تهذي، هذا ليس صحيحًا أليس كذلك؟
هتف "ريسين" قائلًا:
- أفِق الآن يا "ماكس"، يجب أن نجد حلًا لهذا و...
قاطعه "ماكس" وقد صاح بقوة:
- سحقًا لك يا "ريسين" كيف تسمح بحدوث هذا؟ .. بل كيف غابت عن عينيك لثانية واحدة، ألم تكن معك أيها الأحمق !
أغمض "ريسين" عينيه بقوة، يتمنى أن يخبر رفيقه كيف قام ضميره بإلامه بما فيه الكفاية، ولكن لم يعد ذلك يجدي نفعًا، عليه أن يتصرف بنفسه ليصحح الوضع قبل أن يؤول إلى ما هو أسوأ، لذا فقد هتف قائلًا:
- أسمعنى جيدًا يا "ماكس"، أنا في طريقي إليك الآن، ومن فضلك حافظ على هدوئك قليلًا كي لا ينتبه أحد حتى أصل
أومأ "ماكس" بعدما هدأت ثورته قليلًا وقال:
- حسنًا، أنا بإنتظارك ..
*_______________________*
وعلى الجانب الآخر كان المدعو "ريوك" يجلس بهدوء في مكتبه، وعيناه تتابعان البخار المتصاعد من كوب القهوة خاصته، بينما كانت أذناه تولي كامل الإهتمام لـ "جان" الذي راح يسرد بعض المعلومات الخاصة بمهمتهم الحالية، وبعد أن فرغ "جان" من حديثه، علق عينيه على وجه سيده الذي لم تتأثر ملامحه البتة، وإنما ظل ساكنًا حتى حطم "جان" سكونه قائلًا:
- سيدي أخشى أن هناك مشكلة تواجهنا قد تُفسد جميع ما خططنا له
خلل "ريوك" أصابعه بين خصلات شعره الأشيب وقال:
- قل ما لديك أيها العقيد
تنحنح "جان" بشىء من الإرتباك ثم قال:
- لقد بدأت معنويات الآخرين تنخفض منذ موت العميلة (٦٦)، ويجب أن نجد حلًا سريعًا يا سيدي قبل الخوض في إشتباك جديد، وإلا فإنني أخشى من تخليهم عن المهمة
ضرب "ريوك" سطح المكتب بخفة وقال بإنفعال:
- لا يوجد ما يسمى بـ تخليهم عن المهمة أيها العقيد، هذا لا يشبه المقامرة بالمال حتى يمكننا التراجع بعد أول خسارة
زفر بعمق حتى هدأت أعصابه قليلًا فقال:
- عدونا ذكي وقوي، ولديه الإستعداد التام لفعل أي شىء في سبيل تحقيق الفوز
صمت ليرتشف القليل من كوب القهوة ثم تابع:
- هل تسائلت يومًا يا "جان" عما تعنيه كلمة "جوبلن" ؟
هز "جان" رأسه نافيًا فقال "ريوك":
- "الجوبلن" هم كائنات أسطورية في الأصل، كائنات ضبابية صغيرة، عيونهم حمراء كلون الدماء، وأسنانهم حادة وبارزة، يمتازون بالذكاء والسرعة، ما إن يقررون الهجوم حتى تجدهم ينتشرون كحبات الرمال، ويباغتون من جميع الإتجاهات، لا يركنون ولا يهدأون حتى ينالوا مبتغاهم مهما كان.
ابتسم "جان" بخفة وقال:
- أرى أن ذلك اللقب يناسبهم كثيرًا يا سيدي.
أومأ "ريوك" موافقًا، ثم ما لبث أن اعتدل في جلسته وقال بإبتسامة ماكرة:
- على كلٍ لدي مفاجأة كبيرة لهم، آمل أن يحالفنا الحظ هذه المرة
*_____________________*
فتحت عينيها ببطء عندما شعرت بضوء بسيط يداعب جفونها، ولكنها عاودت غلقهما بسرعة عندما داهمهما الضوء نتيجة لإشتداده المفاجيء، قطبت حاجبيها بضيق وجاهدت لترى، خاصة بعدما استشعرت حركة مجاورة لها، طالعت المكان من حولها بعدما نجحت بفتح عينيها ولكنها لم ترَ أحدًا، كان ذلك قبل أن تنتبه لذلك الشخص الذي يقف بجوارها مباشرة
شهقت بحدة، وانتفض جسدها من فوق الفراش الذي استلقى فوقه فور رؤيتها له، وصاحت قائلة:
- من أنت؟ .. وماذا تريد مني ؟
دنى إليها ذلك الشخص - والذي لم يكن سوى "ويليام" - وقد رسم على ثغره إبتسامة هادئة:
- اهدأي قليلًا يا عزيزتي، ما بكِ؟ .. هل مر وقت طويل إلى هذا الحد حتى نسيتي من أكون؟
رمشت عينيها ذوات لون العسل عدة مرات مما أظهر عدم إستيعابها، ولكن "ويليام" استدرك الموقف وقال بعدما بدأ الحزن يتخذ طريقه إلى قسمات وجهه:
- بالطبع، لقد كدت أنسى ذلك الحادث المشؤوم الذي جعلك تنسين كل ما يتعلق بك
صمت للحظات ثم تابع بأسى:
- وحتى نسيتي أيضًا والدكِ، العجوز "ويليام" ..................!!!
_يـتـبع
أنت تقرأ
بيدق الحب ... للكاتبة بوسي شريف
Romantikعادة ما تخلف الصراعات الدمار، الدماء، وايضًا الذكريات المؤلمة التي تستحيل إلى كوابيس تطاردنا خلال يقظتنا قبل نومنا، ولكن أن يخلف الصراع قصة حب تسطر في تاريخه، فهو أمر يدعو إلى الحيرة ..