الفصل الرابع "الثعلب العجوز"
__________
هز "ماكس" رأسه غير مصدق لما قاله رفيقه توًا، فكلامه يخرق كل الموازين، ويذهل كل العقول بإستحالته، تمتم "ماكس" قائلًا بدهشة:
- ماذا تعني بذهابك إلى هناك، ماذا تحاول أن تفعل بعقلي يا رجل .. أتعي أنك تريد الذهاب إلى مقر "الجوبلن" بقدميك !
أومأ "ريسين" بإصرار واضح وقال:
- أنا أعي تمامًا ما أقول يا "ماكس"، الخطأ هو خطأي وأنا من سيصلحه
هز "ماكس" رأسه للمرة الثانية وقال:
- السيد "ريوك" لن يسمح لك بالذهاب حتمًا
هتف "ريسين" بضيق:
- ومن قال بأنني سأستمع إليه، هذا الأمر بات يخصني وحدي
قطب "ماكس" حاجبيه متعجبًا ثم قال:
- بالطبع لا يخصك وحدك، ولا يمكنك مخالفة الأوامر
استند "ريسين" بذراعيه على المكتب ليهبط لمستوى "ماكس" وينظر إلى عينيه مباشرة، قبل أن يقول وهو يضغط على أسنانه بعنف:
- عندما يتعلق الأمر بـ "إيڤان"، لا أتلقى الأوامر من أحد.
تابع بينما يشير إلى رأسه:
- أتلقى الأوامر من هنا فقط
أدرك "ماكس" أن صديقه لن يتراجع عن قراره، ولكنه قال يائسًا كمحاولة أخيرة:
- رجاءً يا "ريسين" لا تفعل .. يمكننا حل هذا الأمر بطريقة أكثر أمانًا.
ضرب "ريسين" المنضدة بقبضتيه وقال بحزم:
- لن اتراجع يا ماكس، أنتهى الأمر ..
أتبع جملته بإلتفاته كي يغادر المكتب، ثم قال بينما يتقدم نحو الباب:
- إن أردت أن تخبر "ريوك" فأفعل ما شئت، لن أمنعك
تنهد "ماكس" بعمق وقد كادت الحيرة أن تفتك به، ولكن احتل التعجب عقله لحظة وقوع عينيه على "جان" الذي ظهر عندما فتح "ريسين" الباب، لم يُبد "ريسين" أي ردة فعل وإنما تفاداه ليغادر مسرعًا، في حين تحرك "جان" نحو "ماكس" بهدوء وتشدق متعجبًا:
- إلى أين يذهب "ريسين" على عجلة من أمره هكذا؟
زفر "ماكس" بضيق وقال متسائلًا:
- لماذا جئت يا جان؟
جلس "جان" واضعًا قدما فوق الأخرى وقال:
- السيد ريوك يطلبك
ابتلع "ماكس" لعابه بقلق وأشار له مستفهمًا عن السبب، ولكن "جان" ابتسم بسخافة وقال:
- يمكنك سؤاله بنفسك
نهض "ماكس" والقلق يعصف بداخله ليتجه صوب مكتب مديره، فعادة لا يستدعيه "ريوك" إلا لأمر جلل ...
*_______________________*
عندما يغدو الأمل مصدرًا للحياة، فتشبث به، ولكن حذارِ من أن يكون أملًا مزيفًا، لأنك حينها ستتشبث بالسراب الذي لن يحول بينك وبين السقوط ...
لمعت عيناها ببريق خاص، وكأنها ظفرت بكنز ثمين نسج لها خيوط الأمل الذي كانت تبحث عنه منذ مدة، عدّلت وضعيتها وتمتمت بخفوت:
- أبي ؟
أومأ ببطء بينما يتحسس بشرتها بيديه معبرًا عن شوقه لها، ولكنها نحت وجهها إلى الجهة الأخرى وقالت:
- ولكن كيف؟ ..كيف لم يحدثني "ريسين" عنك؟ .. لماذا أخبرني بأنني بلا عائلة و ..
قاطع "ويليام" وصلة اسئلتها قائلًا بهدوء:
- لأنه بكل بساطة كاذب ومخادع
بدت الصدمة جلية على وجهها، فيبدو أنها لم تتخيل أن يصل خداعه إلى هذا الحد، ولكن "ويليام" لم يكتفِ بذلك القدر، بل تابع تفجير المفاجآت التي تجلت آثارها على ملامحها، تزامنًا مع قوله:
- كما أنه قاتل يا ابنتي، قتل والدتكِ، وقام بإختطافك بعد أن دبر ذلك الحادث الذي فقدتي على أثره ذاكرتكِ، ومن ثم قام بخداعك ليظهر بمظهر البريء ...
∆∆∆ انطلقت سيارة متوسطة الحجم بأقصى سرعتها لتشق المسافات محاولة الفرار من الإشتباك الناري الذي دار فجأة في بداية سيرها
وبداخل السيارة تشبثت فتاة شابة بوالدتها بقوة محاولة عدم إفلات تلك الصرخة التي حبستها في جوفها، كما احتضنتها والدتها بشدة لحظة إنحراف السيارة المفاجىء الناجم عن اصطدام طلقات الرصاص بمؤخرة السيارة
سحب السائق سلاحه بعدما تأكد من إستحالة الفرار وحتمية المواجهة، بدأ يطلق النار من نافذته بشىء من العشوائية، ويتلقى مقابل رصاصاته سيلًا من الرصاص
احتدم القتال بين الطرفين وأوشكت المعركة أن تحسم، ولكن نفدت ذخيرة السائق على حين غفلة، فضرب على المقود بجزع، ووسط صرخات النسوة الفزعة هتف قائلًا:
- سيدتي ثقي تمامًا أنني أبذل قصارى جهدي لحمايتكما، لذا من فضلكما حاولا الحفاظ على هدوءكما وتمسكا جيدًا ..
حاول الأخير إتخاذ منحنيات متفرقة عله يستطيع الهرب منهم، ولكنه شهق بفزع عندما ظهرت أمامه شاحنة بصورة مفاجئة تتجه نحوه مباشرة، وهنا حسمت المعركة عندما حاول السائق الإفلات، فانقلبت السيارة رأسًا على عقب لتصطدم بكل ما تراه أمامها قبل أن تسكن حركتها وكذلك حركة ركابها.
اقترب منها شاب طويل القامة، ليطالع السيارة بعينيه التي تحمل اللون الأخضر المميز، وليبتسم بنصر كبير.
أشار لرجاله فأسرعوا نحو السيارة ليخرجوا ركابها لطرحهم أمامه، وبعد عدة دقائق هتف أحد رجاله:
- سيد "ريسين" مازالت هذه الفتاة على قيد الحياة ..
تنبه "ريسين" لعبارته وأسرع يتجه نحوها قبل أن يدنو منها ويحدق بملامحها الرقيقة التي لُطخت بالدماء، فإذا بها كأنها لوحة لرسام محترف استطاع أن ينقش بدقة ملامح الألم في لوحته، أخذ "ريسين" يضمدها ويمسح دمها بعناية أوحت بإهتمامه لأمرها، وما إن فرغ من عمله حتى هتف برجاله ليحملوها إلى سيارته.
كان ذلك قبل أن يلقي نظرة أخيرة وينصرف على الفور ...∆∆∆
كان هذا ما رواه "ويليام" لـ "إيڤان" التي تجمدت تمامًا من هول ما سمعت، بدا له بأن عقلها لم يستوعب تلك الصدمة الكبيرة التي ألقاها لتوه، فالتزم الصمت ريثما تفيق من صدمتها، وبالفعل ما هي إلا عدة دقائق حتى رفعت رأسها وقدور الشر تنضح داخل عينيها لتقول بحقد:
- عهد علي يا أبي ألا اترك دماء أمي على الأرض، وأن انتقم منهم جميعًا.
صمتت لبرهة قبل أن تتابع:
- وتحديدًا هو.
ربت "ويليام" على ظهرها بإبتسامة محفزة وقال:
- بالطبع ستفعلين
ثم تابع بذات الإبتسامة:
- ولكن استعدي؛ لأنه سيقام حفل كبير غدا على شرف عودتك ..
*_______________________*
في صباح اليوم التالي
ترجل شاب طويل القامة، أسود الشعر، بني العينين، يمتلك شاربًا كثيفًا أسفل أنفه الأجدع، من فوق دراجته النارية، التي تحمل شعار إحدى المحال التجارية، مرتديًا زيه الخاص بعمله، اقترب من مؤخرة دراجته قبل أن يفتح صندوقها ليأخذ منها بعض الصناديق الأخرى التي امتلأت بالكثير من الزجاجات، طالع ذلك المنزل الضخم الذي يشبه القصر، المحاط بالكثير من الحراس المسلحين، اقترب من بوابته وقد بدا التوجس على ملامحه، ولكنه توقف فجأة عندما أشهر أحد حراس البوابة سلاحه نحوه وقال:
- ماذا تحمل؟
هتف الشاب بصوته الأجش وكأنه لا يبالي بذلك السلاح:
- إنها طلبية من النبيذ الفاخر من أجل حفل الليلة
همّ الحارس بالنطق ولكن أتاه صوت زميله يقول:
- دعه يمر يا "كارل"
صاح "كارل" محتجًا:
- ولكن يا "مارتن" ألا يجب أن ..
قاطعه "مارتن" بنبرة أبدت إهتمامه:
- أنت لا تريد أن تتعرض لغضب السيد "ويليام"، أليس كذلك؟
أومأ "كارل" مسرعًا، وتنحى جانبًا ليسمح للعامل بالدخول، غمز العامل بإحدى عينيه لـ "مارتن" الذي ابتسم بخفة ثم سار متجهًا نحو المطبخ وقد بدا بأنه يعي طريقه جيدًا، وكأنها ليست مرته الأولى التي يأتي فيها إلى هنا، دلف إلى المطبخ فوجده خاليًا سوى من ذلك الطاهي المنهمك في عمله، ابتسم بخفة قبل أن يضع الصناديق أرضًا ليبدأ بالعبث بمحتوياتها، وبعد عدة ثوانٍ كان ينظر بفخر إلى ذلك المسدس الذي يمسكه بين راحتيه، بعد أن أعاد تركيب أجزائه التى دسها بإحكام بين زجاجات الخمر.
أخفى المسدس في جيبه ونهض ليلقي نظرة؛ كي يتأكد من وصول رفاقه إلى حيث يقف، وبالفعل وجدهم مجتمعين من حوله، يتظاهرون بالعمل ريثما يعطي هو إشارته، ابتسم وقد توارد إلى ذهنه ما رسموه معًا من خطة؛ لتنفيذ مهمتهم ...
∆∆∆اجتمع "ريسين" برجاله الذين يثق بهم، والذين لم يتجاوز عددهم الخمسة أفراد، وبدأ يعد معهم خطة لتلك العملية التي هم بصدد تنفيذها، طالع "ريسين" تلك الخريطة الموضحِة لما يحيط بالمكان المنشود وبدأ يشير إلى بعض المناطق محادثًا رجاله:
- أفادت التحريات الواردة بأن ويليام سيقيم حفلًا في منزله الخاص، وهذا يعني أنه سيكون متواجدًا هناك، وعلى الأرجح فهو يحتجز "إيڤان" هناك ايضًا
عقب أحد رجاله متسائلًا بصوته الأجش:
- معذرة يا سيدي ولكن ماذا إلّم نجدها هناك
= هذا شيء غير وارد، ولكن إذا حدث فعندئذ سنختطف ويليام ونساوم للحصول على هدفنا
بدا الأمر في غاية الجرأة رغم جديته منذ البداية، فقد راح رجال "ريسين" يتبادلون النظرات، وكأن ما نطق به "ريسين" هو أمر يخالف المنطق، ولكن "ريسين" قرأ ما يجول في أنفسهم فهتف ليرفع من معنوياتهم ويزيد حماسهم لما سيقدمون عليه:
- الأمر ليس مستحيلًا يا رجال، لطالما نفذنا عمليات أخطر من هذه، يجب أن تتحلوا بالثقة والقوة.
اومأوا مسرعين، ربما ليتخطوا غضبه أو لنجاح "ريسين" برفع معنوياتهم، اردف "ريسين" بإهتمام:
- هذا المنزل يقع تحت الحراسة المشددة، لذا لا يمكننا إقتحامه، أو حتى التسلل إليه.
= إذا ما العمل يا سيدي؟
حك "ريسين" رأسه عدة مرات بتفكير، وسرعان ما اشرقت ملامحه وابتسم بخفة قبل أن يقول:
- سندخل إلى هناك تحت أنظار الحراس.
للمرة الثانية بدا رجاله مذهولين من قوله، ولكنهم التزموا الصمت، فيبدو أن سيدهم قد وجد حلًا مناسبًا لتلك المشكلة المعقدة كما يفعل عادة ...∆∆∆
*_______________________*
وفي الطابق السفلي كانت قاعة الإستقبال ممتلئة بحشود من الناس بين رجال ونساء من ذوي الطبقات العليا، دلفت "إيڤان" بهدوء كي لا تجذب الإنتباه، بردائها الأسود القاتم الذي يزينه حزام ذهبي اللون معقود حول خصرها مما ابرز جمالها بشكل فائق، وبدأت تجوب المكان بعينيها
لم تظهر تعابير الإعجاب على وجهها بقدر ما ظهرت تعابير الإشمئزاز التي حاولت إخفائها قدر الإمكان، كان إشمئزازها ناجمًا عن رؤيتها لبعض النساء اللاتي يتمايلن على أنغام الموسيقى بغنج غير واضح السبب، وكذلك الرجال اللذين يحاولون التقرب منهن بأسلوب مهين
نحت بصرها بعيدًا وتنفست بعمق، فهي بحاجة إلى الظهور بالمظهر الذي يجب كونها ابنة رئيس منظمة "الجوبلن"، والتغافل عن تلك المشاهد المثيرة للأعصاب التي ملأت الحفل
حاولت أن تفكر بشىء سعيد عله يرغمها على رسم إبتسامة بسيطة على ثغرها، ولكن كيف ؟ .. فكل ما مرت به خلال تلك الفترة لم يكن بالشيء الجيد حتى
ربما كان أسعد شيء هي تلك اللحظات التي قضتها برفقة "ريسين"، لمساته، وكلماته، وحتى نظراته المفعمة بالحب، كل ذلك كان يشعرها بالدفء والأمان، ويؤكد حبه الصادق لها رغم كونها أصبحت تمقته، تود صفعه واحتضانه في آن واحد، تمامًا كتصرفاته المتناقضة، ولكن الأمر بات مستحيلًا فهو من الآن وصاعدًا عدوها اللدود
ظهر شبح إبتسامة على ثغرها الصغير عندما شعرت بأن عقلها على وشك أن يصاب بالجنون، ولكن سرعان ما اختفت تلك الإبتسامة عندما اقترب منها رجل أربعيني ضخم، يمتاز بهيئة قتالية لا تتناسب مع شعره الأشيب، ارتسمت على محياه إبتسامة زائفة يشوبها الخبث، قبل أن يقول مخاطبًا إياها:
- لمَ تقفين وحيدة أيتها الحسناء؟ ، هل هناك خطب ما؟
رفعت "إيڤان" إحدى حاجبيها بإستنكار وقالت بنبرة جافة:
- أظنه ليس من شأنك أيها السيد.
زادت إبتسامته الماكرة مما أضفى جوًا من الغموض وقال متجاهلًا عبارتها الأخيرة:
- أنا أُدعى "تيرنر" ماذا عنكِ؟
لم توله أي إهتمام، وإنما التفتت لتغادر، ولكنه جذب ذراعها ليمنعها، حدجته بنظرات نارية تحمل بين طياتها التهديد، ولكنه تجاهلها ومد يده لتستقر أسفل ذقنها
وهنا قد طفح الكيل بالنسبة لها، فهي ليست من ذلك النوع الذي يسمح بهكذا تجاوزات، صفعته بقوة عازمة على تحطيم غروره الذي يزيد من جرأته، ولكنها فوجئت بعينيه تقدحان شررًا، وبإحدى يديه ترتفع لترد لها الصفعة، كادت أن تتخذ ردة فعل سريع نحوه لولا تدخل "سميث" الأسرع، فقام بلوى ذراعه خلف ظهره، ليصبح ملاصقًا له وليهمس في أذنه مهددًا:
- في المرة القادمة ستعيد التفكير ألف مرة قبل أن ترفع يدك القذرة هذه على ابنة السيد "ويليام"، وإلا سأوسعك ضربًا، وأجعلك تتوسل إليّ لأقتلك.
أنهى "سميث" كلماته ثم دفعه بحدة حتى كاد يسقط أرضًا، ولكنه تمالك نفسه والتفت ليحدجهما بغضب جم، فليس من السهل أن يُمحى كبريائه بواسطة أحد، وبالطبع لن يمر الأمر مرور الكرام.
سار مبتعدًا عن كليهما وداخله يتوعدهما بالكثير، أما "سميث" فقد حدجها بنظرة أخيرة لم تفهمها قبل أن ينصرف
انصرفت هي أيضًا لتبتعد عن الأنظار، انتقت إحدى الشُرف التي تطل على حديقة المنزل، وتوجهت نحوها لتستنشق بعض الهواء، أغمضت عينيها وتركت الهواء يتوغل بين خصلات شعرها الذهبية، ولكن سرعان ما فتحتهما على وسعهما عندما شعرت بحركة ما من خلفها.
التفتت بحدة فوجدته "مارتن"، ذلك الشاب الذي يحرس بوابة القصر، زفرت بإرتياح، فقد توقعت أن يلاحقها ذاك الرجل المدعو "تيرنر"، بينما اقترب "مارتن" نحوها بهدوء وقد بدا الإرتباك على وجهه، ثم قال:
- اعتذر لإخافتك سيدتي، ولكن هناك أمر هام ويجب أن تحضري فورًا
هزت رأسها مستفهمة فأجاب مسرعًا:
- لا أعلم حقًا سيدتي، من فضلك اتبعيني وستكتشفين الأمر.
اومأت بهدوء ثم تبعته إلى أن توقف "مارتن" أمام غرفة مغلقة؛ ليشير إليها قائلًا:
- هنا يا سيدتي تفضلي بالدخول
حدقت بالباب قليلًا ثم تسائلت:
- ماذا يجري بالداخل؟
حمحم "مارتن" ثم قال بينما يهم بالإنصراف:
- لا أعلم سيدتي، المعذرة.
قطبت "إيڤان" حاجبيها، وبدأ القلق يتسرب إلى أعماقها، ورغم ذلك عزمت على مواجهة الأمر مهما كان وفتحت الباب، بدت الغرفة خالية من سواها عندما تقدمت لتقف في منتصفها، وفجأة صُفع الباب فالتفتت بحدة، ثم تراجعت إلى الخلف وفغر فاهها صدمة بسبب رؤيتها لـ "ريسين" الذي بدأ يزيل تنكره ويقترب نحوها بخطوات سريعة لينقض عليها ويدفنها بين أحضانه، بدأ يزفر بإرتياح وكأنه طفل اجتمع بوالدته بعد غياب طويل، أو كسجين قيد إلى حريته عوضًا عن زنزانته المقيتة، أخذ يمسح على خصلات شعرها غير مصدق بأنها تقف أمامه دون أذى، ورغم ذلك راح يردد بلهفة:
- إيڤان هل أنتِ بخير عزيزتي؟ .. أجيبني رجاءً هل أنتِ بخير؟.
أما "إيڤان" فسكنت تمامًا وبدت فاقدة الإدراك، فوجوده هنا كان آخر توقعاتها التي حطمها بمجيئه، ومستحيل بكل المقاييس، أخذ عقلها يحوم حول فكرة كون هذه هلوسات ناجمة عن تفكيرها به منذ قليل، أو أنها لم تُفق من نومها بعد، أجل هي لا تجد إحتمالًا آخر، ولكن ماذا عن جسدها الذي تشعر به يعتصره الآن؟!
هزت رأسها رافضة الإنصياع لتلك الأفكار ودفعته بقوة لتبعده، ثم هتفت به في غضب:
- مالذي أتى بك إلى هنا ؟!
تأملها "ريسين" لبرهة وقد دُهش لغضبها الذي لم يستطع تبريره ثم قال:
- جئت لأنقذكِ و ...
قاطعته بعدما كشفت عن إبتسامة ساخرة وقالت مستنكرة:
- تنقذني ؟ .. هل أنت أحمق يا "ريسين"؟
لم يتفوه "ريسين" بشئ، وإنما ظل يتابع ثورتها التي ازدادت اثر صمته، فدفعته بحنق وقالت:
- أجبني هل أنت أحمق؟
تمتم "ريسين" بتعجب:
- أنا لا أفهم.
اقتربت منه وشرعت تهز جسده بعنف قائلة:
- لقد خطوت نحو حتفك
بدا الأخير في غاية الذهول من تصرفاتها المبهمة، ولكن وقبل أن ينطق بشيء اقتُحِمت الغرفة ليطل "ويليام" من بين رجاله المسلحين، وقد رسم على محياه إبتسامة خبيثة، ثم قال بينما يرفع رأسه بشموخ ليؤكد على إنتصاره:
- مرحبًا بقدومك أيها المقدم، لقد كنا بإنتظارك .......................!!
_يـتـبـع_
أنت تقرأ
بيدق الحب ... للكاتبة بوسي شريف
Romanceعادة ما تخلف الصراعات الدمار، الدماء، وايضًا الذكريات المؤلمة التي تستحيل إلى كوابيس تطاردنا خلال يقظتنا قبل نومنا، ولكن أن يخلف الصراع قصة حب تسطر في تاريخه، فهو أمر يدعو إلى الحيرة ..