الفصل السادس "صراع الذئاب"
__________
عندما تقسو عليك الحياة فلا تجزع، فعادة ما تخبئ لنا الحياة ما لا يُتوقع ..
رمش "سميث" عدة مرات ليستوعب أن ما سمعته أذناه للتو كان صحيحًا، كما فغر فاهه لبرهة قبل أن يستعيد نفسه ويقول:
- حسنًا لقد كنت أتوقع أن "إيڤان" ليست ابنة "ويليام"، فهو لم يذكر لنا شيئا عن هذا سابقًا، ولكن هل ذكرتِ للتو بأنها هي العميلة (٦٦) من المخابرات الأمريكية؟
اومأت مسرعة واستأنفت حديثها:
- لقد قاموا بإختطافي وزرع "إيڤان" مكاني وأوهموكم بأنها أنا حتى تتسنى لها الفرصة لسرقة المعلومات الخاصة بعملاء المنظمة السريين، كي يتمكنوا من القضاء على المنظمة بالكامل .. ولكنني هربت منهم بعدما سهل لي عميلنا في الداخل ذلك.
= مهلًا .. أتعنين بأنها هي من كانت في تلك الليلة وليس أنتِ ؟!
هكذا إذا .. هذا ما يفسر إختيارها لهذه المهمة فهي تشبهك إلى حد كبير ..
قالها "سميث" قبل أن يضغط على رأسه بواسطة قبضتيه ويقول:
- يا إلهي أكاد أفقد عقلي، كيف لم يخبرني أحد شيئًا عن هذه الأمور ؟ ، ولماذا يقوم "ويليام" بإحتجازها وإهامنا جميعًا بأنها ابنته وهو يعلم أنها عميلة في المخابرات ؟
= لم يخبرك لأن الخيانات تحيط بنا .. إذا وقعت هذه المخططات بأيديهم فستكون نهايتنا جميعًا.
تابعت بإبتسامة ماكرة:
- أما عما يفعله فهو خطة ليس إلا للإيقاع بـهم.
أثار جهله بهذه الأمور إستياءه، بل وما زاد إستياءه أنه لم يكن محل ثقة لدى زعيمه، ومع ذلك هز رأسه مستفهمًا وقال:
- كيف ؟
زفرت الأخيرة وقد نفذ صبرها من تساؤلات "سميث" المتتالية، ولكنها تابعت على الرغم من هذا قائلة:
- لقد أخبرنا عميلنا في الداخل أن "إيڤان" تمكث برفقة زميل لها يدعى "ريسين"، وأكد لنا أنها فقدت ذاكرتها بعد تلك الحادثة، وكذلك عن كونهم يتكتمون على هذا الأمر، لذا فقد أراد "ويليام" الإيقاع به عبر إختطافها لإستدراجهم وليحدث بهم أكبر الخسائر
ضيق "سميث" عينيه وقال:
- "ويليام"، يا له من داهية !
ثم اردف بتفكير:
- ولكن مهلًا دعيني أفكر، لقد سمعت اسم "ريسين" ذاك من قبل، ألم يكن ذلك الضابط الذي انقذك .. أعني أنقذ "إيڤان" من بين أيدينا في تلك الليلة
اومأت بينما تجذب يده لترغمه على السير معها:
- أجل، وقد أخبرني السيد "ويليام" بأنه سيصل في أي لحظة لإنقاذ "إيڤان"، لذا دعنا نتحرك
قهقه بخفة مردفًا:
- بالطبع أخبركم بذلك أيضًا عميلنا في الداخل
وجد علامات الرضا ترتسم على وجهها فتمتم بحماس:
- كم أتوق لرؤية ذاك الرجل ..
*______________________*
عادت "إيڤان" خطوتين إلى الخلف وتأملت ملامح "ريسين" الساكنة بإنتشاء بدا على ملامحها، ثم شرعت في فك قيده ليسقط جسده أرضًا، تناولت سلاحها الذي القته سابقًا وخرجت من الغرفة، حيث "ويليام" ورجاله ..
نهض "ويليام" من جلسته وأخذ يقترب نحو "إيڤان" بإبتسامة زينت ثغره، وهو يرى جسد "ريسين" القابع خلفها، مد يديه ليتحسس وجنتيها بسعادة فقالت هي:
- لقد أخذت بثأرنا يا أبي
أومأ لها بفخر بينما يحدق بعينيها بنظرات مزجت بين عدة أحاسيس، ثم ما لبث أن تراجع قليلًا وقد استحالت ملامحه إلى الشر بشكل مذهل ومناقض لنظراته السابقة، كان ذلك قبل أن يشير إلى رجاله إشارة مبهمة بسبابته، ولكن الذهول كان من نصيبه هذه المرة عندما انطلقت "إيڤان" نحوه لتحيط عنقه بإحدى ذراعيها، وتضع فوهة سلاحها على رأسه مباشرة وتهتف محذرة:
- إذا تحرك أحدكم فسأقتله
ساد الذعر بين الرجال وهم يرون زعيمهم على وشك أن يلقى حتفه أمام أعينهم، كما قال "ويليام" بذات الذعر الذي تملك رجاله:
- "إيڤان" ماذا تفعلين ؟
ضغطت على عنقه بقسوة وقالت:
- صه أيها العجوز الخرف، هل ظننتني حمقاء كي لا اتوقع نيتك بقتلي بعد أن اقتل "ريسين" ؟
اكملت بنبرة ساخرة:
- ولكن لا تفكر كثيرًا فلن تنجح أي من مخططاتك
فوجئ "ويليام" بـ "ريسين" يقف أمامه، ويحدجه بنظرات شامتة، هتفت "إيڤان" بالرجال آمرة:
- والآن ألقوا اسلحتكم كي لا أفجر رأسه
تردد رجال "ويليام" كثيرًا وأخذوا يتبادلون النظرات، ولكنهم اسرعوا بإلقائها عندما صاح بهم "ريسين":
- ألازلتم تفكرون؟ ألقوا الأسلحة !
أما "إيڤان" فقد همست إلى "ويليام":
- يسعدني أن ترافقنا في نزهة صغيرة أيها العجوز حتى نخرج من هنا
تمتم "ويليام" بذهول وهو يتأمل "ريسين" الواقف أمامه:
- ولكن كيف ؟! .. لقد رأيت ...
قالت بسخرية:
- بالطبع لقد رأيت، ولكن لا يجب أن تصدق كل ما ترى فالعيون أحيانًا تخدع
∆∆∆ اقتربت "إيڤان" نحو "ريسين" ثم قبضت على عنقه بقبضتيها بعدما مالت إليه لتهمس بخفوت:
- استمع إلىَّ جيدًا أيها المقدم، لا وقت للشرح، يجب أن نخرج من هنا ونحن مراقبان الآن، هناك كاميرات مراقبة في كل مكان بالمنزل، لذا تظاهر بالموت وحسب واترك لي الباقي، وإياك أن تُظهر أي تعبير على وجهك، مفهوم؟
لم يحرك "ريسين" ساكنًا، بل تابع التظاهر بالإختناق بعدما تابعت "إيڤان" دورها بإتقان، قبل أن يسقط رأسه فوق جسده، لتبتسم "إيڤان" بخفة ∆∆∆
كان هذا ما روته "إيڤان" إلى "ويليام" الذي أخذت عيناه تتسعان بدهشة ثم يقول:
- أيتها الشيطانة !
دفعته ليسير أمامها ثم قالت:
- حسنًا سر أمامي هيا
سار كلاهما خلال الممر المؤدي إلى البوابة الخلفية، وسبقهم "ريسين" بحذر لتأمين الطريق، مال الأخير بجذعه قليلًا إلى اليسار ليتأكد من خلو المكان، ثم عاد ينظر إلى "إيڤان" ليحثها على متابعة السير، ولكنه بدلًا من ذلك استخدم كامل طاقة ساعده ليدفع "إيڤان" و"ويليام" هاتفًا:
- أحترسي !
في تلك اللحظة اخترقت رصاصة ذراعه الأيمن ليصرخ بألم حاد، صاحت "إيڤان" باسمه بفزع وهي ترى ذراعه ينزف بغزارة، كانت تلك اللحظات المربكة كفيلة بإفلات "ويليام"، فقد استخدم مؤخرة ذراعه ليلكزها في معدتها، فتآوهت على اثرها قبل أن يدفعها ويبتعد مسرعًا.
طالعت "إيڤان" المكان فوجدت "شارلوت" تشهر سلاحها، وبجوارها يقف الكثير من الرجال، إضافة إلى "سميث" و"ويليام"
أنطلقت قهقهات نسائية مدوية من فاه "شارلوت" ثم قالت محادثة "إيڤان":
- مرَّ وقت طويل منذ آخر لقاء يا شبيهتي
ضغطت الأخرى على أسنانها بحنق وقالت:
- أعدكِ أن أجعله آخر لقاء يا "شارلوت"
ابتسمت "شارلوت" إبتسامة ساخرة صريحة ثم اردفت:
- لقد ولى عهد هذه الكلمات يا عزيزتي، والآن سأنهي اللعبة برمتها ليكون الفوز لي .. القِ سلاحك بعيدًا ولا تحاولي إستخدام أي من ألاعيبك
امتثلت "إيڤان" لأمرها بغضب أخذ يعصف بكيانها، فخروجهما بات مستحيلًا على حد اعتقداها، ولكن الهزيمة لا توجد بين مفاهيمها، ولن تسمح بحدوثها الآن خاصة على يد غريمتها الشرسة تلك
أما "سميث" فقد اقترب نحو "ريسين" الذي اسند ظهره إلى الحائط ببرود مريب محاولًا تفادي أثر الآلام التي حلت بذراعه، ثم قبض على فكه بيده وتطلع إلى وجهه بتمعن قبل أن يقول:
- إذا أنت "ريسين" .. لا تبدو بخطورة صديقتك
حدجه "ريسين" بنظرات عابثة وقال:
- وهنا تكمن الخطورة تمامًا يا صديقي، فبداخلي يمكث "عزرائيل" الذي سيأخذ روحك بعد قليل
أثارت كلماته الساخرة غضب "سميث" فدفع وجهه بقوة، ثم سحب سلاحه والصقه برأسه وقال:
- لا تثق كثيرًا بما تقول فلن ينقذك أحد من بين يدي.
في تلك اللحظة صدح صوت إطلاق النار معلنًا عن بدء رفاق "ريسين" بتنفيذ الخطة، وتعالت صرخات مدعوي الحفل الفزعة من نساء ورجال، وهنا تحول الدهليز إلى ساحة حرب دامية، فقد ضرب "ريسين" سلاح "سميث" ليقذفه بعيدًا، ثم سدد له لكمة سريعة هشمت أنفه قبل أن يدفعه ليتناول سلاحه ويصيبه برصاصة مزقت قدمه
بينما تفادت "إيڤان" رصاصة أطلقتها "شارلوت" بمهارة، واسرعت نحوها لتلكمها بقسوة عصفت برأسها، ولكن "شارلوت" ردت لها اللكمة فتلقتها "إيڤان" على ساعدها قبل أن توجه لها ركلة قوية دفعتها بعيدًا
وعلى مرأى من المعركة التي اندلعت بالمكان، كان "ويليام" يعدو إلى الخارج بعدما أقر بوجوب الفرار، صعد إلى سيارته السوداء وأدار محركها لينطلق مغادرًا المكان برمته
أدركت "إيڤان" هربه فسبت بسخط، وأخذت تكيل اللكمات إلى "شارلوت" في محاولة للتنفيس عن غضبها، فهربه كان آخر شيء تريده
أما عن "ريسين" فقد اعتلى سميث المطروح ارضًا وضغط على عنقه بقسوة قائلًا:
- المعذرة إن ازعجك رجالي، فـ أنا دائما ما أتخذ إحتياطاتي
ووسط إشتباك رفاق "ريسين" برجال "ويليام" وإنشغال الجميع، شعرت "إيڤان" بأحد يجذب خصلات شعرها سامحًا لـ"شارلوت" بالهرب، التفتت لتتبين هويته ولكنها تلقت صفعة ألقتها ارضًا، تحسست وجنتها بحقد وشرر يتطايران من عينيها
رفعت رأسها لتجده "تيرنر" .. ذلك الرجل الذي اشتبكت معه خلال الحفل يحدق بها بسخرية بعدما استرد إعتباره، ولكن يبدو أنه لم يكتفِ واراد المزيد، رفعت "إيڤان" ساعدها لتحمي وجهها تحسبًا لضرباته الوشيكة .. ولكنها وجدت "ريسين" يحطم فكه بلكمة ملأها بالكثير من الغضب، ثم أتبعها بسيل من اللكمات المؤلمة في شتى أنحاء جسده ..
سكن جسد "تيرنر" بعد ما تلقاه على يد "ريسين" الذي بصق فوقه وقال بإنفعال:
- لتكن عبرة لأمثالك أيها الوغد.
التفت الأخير ليمد يده معاونًا "إيڤان" على النهوض، ولكن الدوار أجتاح رأسه فأرتخى جسده ليسقط فوقها، اسندته "إيڤان" لتحول بينه وبين السقوط وقالت بفزع:
- "ريسين" لقد فقدت الكثير من الدماء
تمتم بصوت بالكاد يُسمع:
- لا تقلقي سأكون بخير
عاودت الهتاف ولكن هذه المرة مخاطبة رجاله:
- أسرعوا أيها الرجال يجب أن ننقله إلى المشفى
أسرع بعض رجال "ريسين" يعاونونه، وقام البعض الآخر بتولي نقل "سميث" وإخلاء المكان
قال أحد رجال "ريسين" محفزًا:
- من هنا سيدتي، السيارات قريبة من القصر
وما هي إلا ثوانِ حتى وصلوا إلى السيارات ليتفرقوا خلال سيارتين مختلفتين متجهين إلى أقرب مشفى
مرت دقائق يسودها الصمت التام، بعدما شرعت "إيڤان" بإسعاف "ريسين" قدر ما تستطيع، أما "ريسين" فقد أخذ يتأمل وجهها المنهك عبر عينيه الشبه مغلقتين، لاحت إبتسامة بسيطة على ثغره عندما لمست وجنتيه بكفيها وقالت متلهفة:
- ستكون بخير أيها المقدم، فقط رجاء ابقَ متيقظًا ولا تفقد الوعي ..
همس لها مداعبًا:
- لا أستطيع
لم تنتبه لمداعبته وقالت بجدية:
- بل تستطيع، رجاء فقط حاول .. حاول من أجلي
ابتسم بوضوح حتى ظهرت أسنانه من خلف شفتيه، لو تعلم كم داوت كلماتها الأخيرة جراح قلبه، وعزفت على أوتاره لحنًا مميزًا جعلت روحه تتراقص طربًا وسعادة، فكل الحروف تقف عاجزة عن وصف فرحته، وكل الأحاسيس تعلن الخضوع لكلماتها ...
*_______________________*
اندفع كالثور الهائج نحو مبنى سكني عتيق بإحدى الأحياء القديمة ليصل إلى شقته التي ابقاها ليوم طارئ كهذا، بدأ يحطم كل ما تلتقطه عيناه ويطلق صرخات اهتزت لها جدران منزله القديم، أخذ يهتف بإهتياج بعد أن عصف الغضب بكيانه:
- اللعنة عليكِ يا "إيڤان"، اللعنة عليكِ وعلى صديقك الشيطان
لكم حائط المنزل عدة مرات مفرغًا غضبه، قبل أن يستعيد نفسه وتهدأ وتيرة أنفاسه العالية قليلًا، وسرعان ما اتجه إلى غرفة المكتب الملحقة بالمنزل؛ ليجمع العديد من الأوراق والملفات الهامة ويحزمها داخل حقيبة صغيرة، وما أن فرغ حتى تناول هاتفًا صغيرًا من درج مكتبه ليرسل رسالة إلى رقم ما ..
مرت ثوانٍ وهو يضغط على أزرار الهاتف بعصبية قبل أن يضغط زر الإرسال.
وعلى الجانب الآخر وصلت رسالة مشفرة تقول:
"لقد تم الإيقاع بنا في فخ شيطاني كبير ولا بد أن تلك الشيطانة قد حصلت على المعلومات التي تخص قائمة عملائنا لذا فسيُكتشف أمرك، اهرب بأسرع ما يمكن فسنغادر البلاد في أقل من ٢٤ ساعة !!"
*_______________________*
في إحدى المشافي
جلست بجواره لتتابع حالته بعد أن قام الطبيب بالإجراءات الطبية اللازمة وكذلك قام بطمأنتها على إصابته، قال "ريسين" مخاطبًا "إيڤان" بهدوء ناجم عن إرهاقه:
- من الرائع أن تعود ذاكرتك، سعدت كثيرًا لهذا
عبست ملامحها فجأة على غير المتوقع ثم زفرت ببطء وقالت:
- في الواقع لم تعد لي ذاكرتي أيها المقدم
طالعها بعلامات الدهشة والإستفهام التي ارتسمت على وجه فأردفت:
- لأنني لم أفقدها من الأساس
رمشت عينيه عدة مرات بتعجب، وبدأ يضغط على أذنيه ليتأكد من سلامتهما ثم تسائل:
- ماذا قلتي ؟
زفرت "إيڤان" ثانيةً وهي تهم بالنهوض وقالت:
- في الواقع إنه أمر يصعب شرحه، لذا أرى أن نؤجله لحين تعافيك
قبض على يدها برفق ليحثها على الجلوس وقال بجدية:
- أخبريني الآن، ما الأمر؟
بدا مصرًا على المعرفة خاصة بعدما استحالت ملامحه إلى الجدية التامة فقالت:
- أنا لم أفقد ذاكرتي بتاتًا يا "ريسين" لقد كنت أتظاهر فقط بذلك، وكل شيء دبره السيد "ريوك"
= وضحي ما تقولين !
- في الواقع بعد أن أُصبت في تلك الليلة وقمتَ بإنقاذي دخلتُ في غيبوبة .. وعندما أفقت كنت بكامل وعيي وصحتي، ولكن السيد "ريوك" قام بزيارتي و ...
∆∆∆ جلس "ريوك" فوق مقعد مجاور لسرير "إيڤان" وقال بإبتسامة مشرقة:
- مؤشراتك الحيوية جيدة للغاية أيتها المقدم .. أخبرني الطبيب بذلك وكم أنا سعيد لهذا
ظهرت إبتسامة بسيطة على ثغرها وتمتمت:
- أشكرك يا سيدي، ولكن كيف وصلتُ إلى هنا ؟ .. وأين أنا بالضبط ؟
اعتدل "ريوك" في جلسته ثم قال بجدية:
- لقد أنقذكِ المقدم "ريسين" بعد أن فقدتي وعيك أيتها المقدم .. ثم أتى بكِ إلى هذه المشفى التابعة لنا، لا تقلقي فأنتِ في مكان آمن ويقع تحت الحراسة
قطبت حاجبيها وقالت متعجبة:
- "ريسين" !
= أجل .. ويجب أن ترتاحي الآن فهناك آمر هام يجب أن أحادثك به
نهض بهدوء ليتجه إلى الخارج ويقول:
- سأعود بعد قليل، أرتاحي جيدًا أيتها المقدم
مر وقت ليس بقصير قبل أن يعود "ريوك" ليبدأ بالإطمئنان على صحة "إيڤان"، ثم شرع يقول بجدية:
- اسمعيني جيدًا أيتها المقدم، أنت تعلمين أنه من المفترض إستبعادك من هذه المهمة .. ولكن هذه حالة إستثنائية لا يمكنني فيها إستبعادك .. ومع كل شيء لكِ حرية الإختيار، إن كنت تختارين الإنسحاب عن المهمة فلا يمكنني لومك ..
تابع بإهتمام:
- فكري جيدًا ثم أخبريني بقراركِ ..
قالت بنبرة صادقة:
- لا حاجة إلى التفكير سيدي، لقد أقسمت على خدمة وطني حتى الموت ولن أنسحب أبدًا حتى لو كلفني ذلك حياتي
ابتسم "ريوك" مفتخرًا بكلماتها وقال:
- أظهر كامل الإحترام لشجاعتكِ أيتها المقدم، ولكن هل أنتِ واثقة من قراركِ هذا؟
قالت بإصرار:
- تمام الثقة يا سيدي
ساد الصمت لدقائق معدودة قبل أن يعاود "ريوك" الحديث قائلًا:
- من الجيد أن هذه الغرفة مزودة ببعض التجهيزات الخاصة التي تعزل الصوت .. حسنًا ما دمتِ واثقة فإليكِ الخطة التي ستنفذينها أيتها المقدم، اولًا يجب أن تعلمي أن هناك خائنًا بيننا، هو من قام بالإبلاغ عن وجودك و تهريب "شارلوت"
= أعلم يا سيدي، لقد رأيته في موقع الحادث قبل أن أفقد وعيي
قالتها "إيڤان" فصمت للحظات ليفكر وسرعان ما ابتسم بإشراق وقال:
- هذا سيسهل علينا الكثير، حسنًا أيتها المقدم سيشاع خبر موتكِ بين الضباط عدا ذلك الخائن، سأسرب له أمر أنكِ ما زلت على قيد الحياة بحيلة ما وهنا سيأتي دورك حيث ستتظاهرين بفقدانكِ للذاكرة .. وسأعمل على تزوير تقرير طبي يضم فقدانك التام لها وإستحالة عودتها، وفي تلك الأثناء ستمكثين مع المقدم "ريسين" ولكن حتى هو لن يعلم شيئًا من هذا ..
اكمل بهدوء:
- هنا سيطمئن الخائن من عدم تعرفكِ عليه وبقاءك بعيدًا وسينقل هذه المعلومات إلى المنظمة، وبالطبع لن تضيع المنظمة فرصة إختطافك ليضمنوا سكوتك كزيادة إحتياط وليبقى عميلهم بأمان، لذا فعند إشارتي ستفتعلين شيئًا ما مع المقدم "ريسين" وسيساعدك العقيد "ماكس" في ذلك ثم تغادرين المنزل ليبدو الأمر طبيعيًا
اومأت بإهتمام فتابع قائلًا:
- سيكون أمامكِ وقت قصير أيتها المقدم لسرقة المعلومات مرة أخرى دون أن يشعر أحد قبل أن يقرر "ويليام" التخلص منكِ .. فهو بالتأكيد لن يتخلص منكِ فورًا ويضيع فرصة فقدانك للذاكرة لذا سيستغلك لغرض ما .. كـ فخ لنا مثلًا على حد إعتقاده، ولا تقلقي سيكون عملائنا بجانبك لحمايتك تحسبًا لأي شيء
صمت قليلًا ليتابع ملامحها التي بدت متحمسة ثم قال:
- اعلمي أن الأمر في غاية السرية أيتها المقدم .. فحتى العقيد "ماكس" الذي آتمنه على أخطر المعلومات عادة لن يعلم بكل تفاصيل هذه المهمة، والآن هل أنتِ جاهزة للتصدي لأي خطر يواجهك أيتها المقدم؟
أسرعت تهز رأسها موافقة وقالت:
- بالطبع يا سيدي .. وسأنفذ هذه المهمة مهما كان الثمن
بدت ملامح الرضا على وجه "ريوك" فقال بإبتسامة بسيطة:
- ليكن الحظ حليفك في هذه المهمة .. ∆∆∆
تنهد "ريسين" بعمق بعدما فرغت "إيڤان" من حديثها ثم قال:
- من الجيد أننا بخير بعد كل هذه الأحداث
حدجته بإستنكار وقالت:
- ولكنني لست بخير يا سيادة المقدم
تحولت نظراته نحوها فتابعت هي:
- خداعك لي طوال تلك المدة وعدم إخباري بهويتي الحقيقية لم يكن سهلًا، ولا يمكنني تجاوزه ابدًا
زم "ريسين" شفتيه وقال:
- أنتِ تعلمين جيدًا أنني فعلت ذلك لأجل سلامتكِ، لقد خلت بأنه قد تم إستبعادك من المهمة بالفعل عندما طلب مني السيد "ريوك" إبقاءك معي لحمايتكِ، وانتابني الخوف من عنادك وإصرارك على تأدية المهمة إذا ما تذكرتي كل شيء، وبالطبع كنت لأخبركِ بعد إنتهاء المهمة
= هذا لا يبرر ما فعلتَ ولا يعطيك الحق بتاتًا يا سيادة المقدم، تخيل لو أنني فقدت ذاكرتي بالفعل، ماذا كان حل بشعوري بعد أن أعلم الحقيقة
قالتها بلهجة حادة فعقب ببرود:
- كنتي ستشكرينني على حمايتكِ على ما أظن
أنتفخت أوداجها من أسلوبه ونهضت بحدة لتقول:
- أشكرك ؟! .. هل حقًا تصدق أنك كنت تقوم بحمايتي ؟!
ابتسم ساخرًا ثم قال:
- وهل لكِ رأي آخر أيتها المقدم؟
ضربت الأرض بعصبية بواسطة قدمها ثم أشارات بسبابتها وهتفت بغضب:
- أسمعني جيدًا أيها المقدم .. أنت مجرد زميل لي في العمل ومكانتك لم تسمح لك بخداعي ولن تسمح لك
هتف بنبرة حادة أسرت بداخلها رجفة خفيفة:
- لقد كُلفت بحمايتكِ أيتها المقدم "إيڤان" وهذا ما رأيته مناسبًا لتأدية مهمتي .. وإن تطلب الأمر كنت لأحتجزكِ بالقوة !
واصل حديثه بنبرة جافة:
- ثم إنني أعلم تمامًا من أكون فلا داعي لإخباري بذلك
ضغطت على أسنانها بضيق والتزمت الصمت، فقد بدا محقًا بما قال، وتصرفه كان بديهيًا نظرًا لجهله السابق بالخطة الحقيقية، ولكن داخلها لا يستطيع تقبل خداعه لها
استقامت بوقفتها تمامًا وأدت التحية العسكرية عندما دلف "ريوك" بصحبة "ماكس"، كاد "ريسين" أن يعتدل في نومته ولكن "ريوك" أشار بكفيه قائلًا:
- لا داعي لذلك
اقترب من المقعد المجاور للفراش ليجلس بهدوء ويقول:
- سعيد لرؤيتك بخير أيها المقدم
شكره "ريسين" بحرارة قبل أن تتجه أنظار "ريوك" نحو "إيڤان" ليقول:
- وسعيد بعودتك سالمة أيضًا أيتها المقدم
اومأت بإبتسامة صغيرة قبل أن تُخرج من جيبها ما يدعى بالذاكرة الصغيرة المتنقلة وتقدمها إليه قائلة:
- ويسعدني أن المهمة قد تمت بنجاح يا سيدي وحصلت على المعلومات التي نريدها
تناولها "ريوك" ثم نظر إليها قائلًا بفخر:
- لم يخب إختياري لكِ لأداء هذه المهمة أيتها المقدم، لقد أنجزتها على أكمل وجه
ابتسمت لإطرائه فتابع هو:
- ها هو إنجاز جديد يسجل نفسه في ملف العميلة (٦٦)
زادت إبتسامتها ولكن سرعان ما عبست ملامحها تدريجيًا ثم قالت:
- لقد هرب "ويليام" يا سيدي وكذلك فعلت تلك الأفعى المدعوة "شارلوت"
أجابها وهو يدس ما بيده في جيبه:
- لا عليكِ أيتها المقدم، سنمسك بهما بسهولة
هزت رأسها وقالت:
- حسنًا .. أسمح لي سيدي بالإنصراف
أومأ موافقًا لتؤدي التحية العسكرية وتخرج بعدما ألقت نظرة أخيرة إلى "ريسين"
اقترب "ماكس" من رفيقه وقال:
- كيف حالك الآن أيها المقدم ؟
= بخير يا صديقي لا تقلق بشأني
أتاهما صوت "ريوك" الحاد الذي خاطب "ريسين" قائلًا:
- لا أدري كيف يمكنني التصرف معك أيها المقدم، تصرفك المتهور كاد أن يودي بكَ ألا ترى ؟!
كيف يمكنك فعل شيء كهذا دون الرجوع إلىّ في أمر حساس كهذا؟!
لم يعلق "ريسين" بشيء، فهو يدرك خطأه تمامًا ولا يجد كلمات مناسبة لتبرير موقفه
أكمل "ريوك" بعصبية واضحة:
- لا يمكنني التصديق بأن ضابطًا هامًا وخبيرًا مثلك قد قام بهذا الفعل، أتعلم أن أمرًا بترقيتك كان سيصدر خلال الشهور المقبلة ولكن تم إلغاؤه نظرًا لما ارتكبت من خطأ لا يرتكبه سوى المبتدئين؟!
ضغط الآخر على أسنانه بشدة، فقد أصابت كلمات رئيسه كبريائه في مقتل، قال "ريسين" بهدوء مفتعل:
- أنت محق يا سيدي، ولكن لا تقلق .. فما أن أخرج من هنا سأطلب منك السماح لي بتقديم إستقالتي كعقاب لي على ما فعلت .......................!!!
_يـتـبـع_
أنت تقرأ
بيدق الحب ... للكاتبة بوسي شريف
Любовные романыعادة ما تخلف الصراعات الدمار، الدماء، وايضًا الذكريات المؤلمة التي تستحيل إلى كوابيس تطاردنا خلال يقظتنا قبل نومنا، ولكن أن يخلف الصراع قصة حب تسطر في تاريخه، فهو أمر يدعو إلى الحيرة ..