كانت السماء ملبدة بالغيوم الرمادية, حاجبةً بذلك اللون التعيس لونَ السماء الجذاب, ثم ما لبثت على تلك الحال حتى بدأت تهمُر أمطارَها بغزارة على تلك الأرض الواسعة, لِتُتْبِع بؤسَ المنظر حالكِ الظلام ببؤسِ البلل المعيق للحركة والنشاط.
السبت، اليوم الثامن من أغسطس من عام 2018م, الساعة السابعة و58 دقيقة مساءا. شاب في مقتبل العمر, يسارع الخُطى نحو منزله بعد يوم عمل طويل وشاق.
مرتديا سماعاتِه, كان يستمع إلى الموسيقى لتزوده ببعض من الطاقة في الطريق.
مع قطرات المطر المنعشة وإيقاع موسيقاه المفضلة, غمرته نشوة الطرب. كان يشدو بما يسمعه تارة, ثم يحرك جسده مع إيقاع الموسيقى الصاخبة تارة أخرى. كان يشعر وكأنه في عالم آخر. هدته خطواته إلى الطريق المختصر لمنزله, والذي كان يمر عبر حي قديم ومهجور وضعته الحكومة قيد الترميم.
كان الحي موحشا وكئيبا, معزولا وخاليا من الحياة, مما دفع الكثيرين إلى تجنبه خشية مما قد يقبع هناك من مخاطر محتملة. ولكن يبدو أن صديقنا لم يأبه لذلك في ظل انتشائه بمزيج الموسيقى والمطر الذي كان تحت تأثيرهما.
لوهلة, أحس بوجود حركةٍ خلفه. تباطأت خطواته تحسبا لمرور هذا العابر الذي لعله كان يسلك نفس الطريق -لم يعبر أحد-. زاد الأمر سوءا بعدما بدأ المطر ينهمر بشدة. حل به بعض الخوف والتوجس. وما أن غلبته غريزة البقاء, لم يكد يدير وجهه حتى وقع رأسه مفصولا عن جسده. تهاوى جسد المسكين وتدحرج رأسه حتى استقر بضعة أمتار بعيدا عن جثته. وما هي إلا هنيهات حتى تخضبت الأرض بلون الدماء التي ساعد المطر في نشرها في أرجاء المكان.
لقد كانت ضربة خاطفة من منشار يدوي! ليس لهذه الأداة من الحدة والصلابة ما يمكنها من فصل رأس عن جسد صاحبه لولا قوة حاملها ومهارته الاستثنائيتين. بدوره, كان المجرم واقفًا ببرودٍ أمام ضحيته متأملا تخبط أطرافها التي بدأت تخبو شيئا فشيئا حتى سكنت تماما أمام ناظريه. خطا بضع خطوات نحو رأس ضحيته حتى تقابلت عيناه مع عيني القتيل. حدق القاتل في عينيه لبرهة, كانت الموسيقى الصاخبة تتسلل من فُوّهتي سماعتي أذنيه. تبسم ابتسامة خبيثة. لعله كان معجبا بثبات السماعات في أذنيه رغم ما تعرض له رأس القتيل من السقوط والتقلب. ثم همّ على تلك الرأس بركلةٍ - كما لو كانت كرة قدم - حتى استوت هامة القتيل بجانب جثته. ربما لو لم تمطر يومها لكان سلك طريقا آخر. ربما لو لم يكن منتشيًا بألحان أغانيه لقادته حواسه إلى دربٍ أكثر أمانا. كان يشعر بأنه في عالمٍ آخر في غمرة انتشائه. ولكن مفارقة القدر - ثقيلِ الظل عادةً - أرسلته إلى عالمٍ آخر فعلا.
أنت تقرأ
THE BLACK NOTE-المذكرة السوداء
Fantasyتعيش لكنك لست كذلك، تظن بأنك تعلم من تكون لكنك مقيد في ظلمات جهلك، تعلم ما معنى الحقيقة الحقيقية لكنك لا تريد تصديقها كيف ستكون حياتك إذا عشت اليوم دون ذكريات الأمس، كيف سيكون عالمك عندما تفقد ذكرياتك لكنك لا تشعر أنك فاقدها، كيف ستعيش وأنت فارغ، عا...