والدي .... أحبك

2.4K 100 14
                                    



لم أعلم كيف حدث هذا أو متى حدث هذا
هل كان السبب هو تلك الفترة من حياتي ما بين سن الثامنة و العاشرة ...

حينما تدق أجراس الساعة الثانية عشر منتصف الليل
حينما يضعني والدي في فراشي هامسا أمام وجهي (ليلة سعيدة) عقب تقبيله لرأسي ...

ثم يغادر غرفتي مطفئا الأضواء ذاهبا لغرفته لينام أو.... يحضر إجتماعات منتصف الليل!

والدي كان تاجرا مرموقا و سيدا محترما و والدا حنونا... حتى.....

حتى توقف عن تناول دواءه  ، حينما تداهمه نوبات مرضه الغريب و يبدأ بالتصرف كشخص آخر و يبدأ بالحديث مع نفسه كما لو أنه يتحدث مع أحدهم

لم أعلم بمرضه إلا تلك الليلة...
حينما ...

كالعادة مدثور أسفل الأغطية في فراشي الصغير في غرفة صغيرة نسبيا  ، النافذة قرب سريري أتأمل القمر و النجوم كل يوم من خلالها  ، الجدران ذات لون أزرق سماوي  و دميتي ذات شكل الدب بجانبي

حينما سمعت صوت صراخ أبي يتشاجر مع أحدهم
الصراخ و التحطيم و الشتائم

لكنني لم أكن أسمع صوت الطرف الآخر فقط أبي...
يتحدث بصوت عالي و يصرخ و يشتم و يحطم

يتحدث عن أن الطرف الآخر كان السبب بإن والدتي هجرتنا و تخلت عني  ، أن وضعي يتدهور كل يوم

وضعي؟ ماذا بي؟ أنا بخير تماما!
لا شيء بي ... إطلاقا ... أنا.....

أنا فقط أحب البقاء وحدي
اللعب مع دميتي الدب و الإبتعاد عن الغرباء
لست من محبي الكلام و لست من المتفاعلين مع الآخرين  ، أنا فقط كنت أحب الجلوس ليلا على فراشي أتأمل السماء المزدانة بالنجوم من نافذتي و أنا أحتضن دميتي  ، دبي الصغير  ... أكثر من يفهمني...

خرجت من غرفتي أتبع صوت والدي
مشيت بالممر ذي الأضواء المطفئة و صوت والدي يزداد وضوحا و علوا ...

ما بال قلبي يزداد نبضه قوة و عنفا و سرعة ...
ما بال أقدامي أشعر بها تهتز كالهلام و أطراف يدي ترتعش  ... ما بالي أقف بهدوء أمام والدي الذي يصرخ بنفسه و يحدق بالحائط بنظرات حادة كما لو أنه ينظر لعدوه اللدود ...

حاولت التحدث إليه و الرب حاولت!
نظراتي باردة عكس قلبي الذي ينبض بعنف يوشك أن يحطم أضلاع صدري ...
صوتي هامس خافت عكس رغبتي بالصراخ خوفا ...
احتضن دميتي الدب بإطراف تكاد ترتخي عكس رغبتي بإحتضانه و التشبث به ...

عندما إلتفت لي ... بتلك النظرة ...
تلك النظرة الحاقدة الكارهة!

قدماه تتقدم نحوي
يهمس لي بالكثير من الشتائم و اللعنات

و كأنني لست إبنه! و كأنه ليس والدي!
مازال يتقدم ناحيتي و هو ينزع حزام بنطاله و يلفه حول يده ...

لم أفهم تصرفه و لم أفهم تلك اللحظة و لم أفهم ما حصل تلك الليلة عندما أمضاها يعنفني و يشتمني
لم أعلم أن تلك الليلة سيتبعها الكثير من الليالي المشابهة ...

و في الصباح سيحتضنني و يبكي و يبدأ بالإعتذار بشكل هستيري ...

سيضربني ليلا و يحتضنني نهارا
سيبكيني ليلا و يمسح دموعي نهارا ...

أبي لم يكن سيئا! و الرب هو لم يكن كذلك!
لكنه مريض  ،  هو لم يعد يشرب دواءه ...

في إحدى الليال عاد غاضبا ...
كان يبدو كمن يصارع ذاته... كمن يتشاجر مع نفسه
و عندما  رآني حاول خنقي و حاول ضربي  ، لكنه تراجع عن ذلك و في غمرات إنفصامه لاذ راكضا خارخ المنزل راكبا في سيارته ...

و في ثوان صدح صوت العجلات في حيينا الهادئ
و صوت بعض الأشخاص يصرخون قائلين إطلبوا الإسعاف ...

عاد والدي سريعا حينها
و كيف مضت تلك الليلة الصاخبة و كيف والدي وضب أغراضنا في حقيبتين لم تحملا إلا ثيابي و كيف غادرنا الحي و إنتقلنا لمدينة أخرى مازلت لا أدري ....

إلا أن هناك ما أذكره بوضوح
أن أحد ما كان يطارد والدي ... يريد الإنتقام

والدي كان يعيش في حالات من الصراع الدائم
مرضه كان يزداد سوءا و الدواء لم يعد يجدي حتى عندما عاد لتناوله  ، والدي كره ذاته و لم يعد يرحم نفسه ...

بات يتجرع الدواء بشكل خطير  ، مما تسبب له بمرض في القلب نتيجة لمضار الدواء المصاحبة لمحاسنه

والدي لم يكن سيئا  ، والدي هو من إعتنى بي
هو من كان يهمل عمله من أجلي

من أجل أن يقلني من المدرسة و يبقى بقربي ليلا
يقرأ لي قصة ما قبل النوم ...

لكنه أخطأ ...

أخطأ تلك الليلة عندما قاد سيارته و صدم ذلك الطفل
أخطأ عندما لم يسعفه
أخطأ عندما لم يواجه الأمر
أخطأ عندما سمح لليأس أن يتملكه
أخطأ عندما سمح للديون أن تهلك كاهله
أخطأ عندما إلتجأ للممنوعات
و أخطأ عندما....... غادرني و غادر عالمي...

كنت بحاجتك والدي...
أنا حقا أحبك و ...... أسامحك...




















يتبع

متلازمة ستوكهولم (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن