12

1.4K 89 24
                                    

جلستُ على المقعد الأمامي إلى جانب الرقيب وبدأت رحلتنا الطويلة.. كان الصمت رفيقنا لوقت طويل.. صمتٌ غريب لم أعتده بوجود رفاقي.. لكن يبدو أنهم لا يجرؤون التحدث بأريحية أمام الرقيب.. أما الرقيب فهو قليل الكلام عادةً.. بغض النظر عن سهراتنا التي تجعله ينطلق في الحديث معي.. بالنسبة لي فأنا أنطلق بالحديث مع الطرفين.. لكن ليس حين يكونا مجتمعين.. لا أستطيع التحدث مع رفاقي بشكل طبيعي أمام الرقيب.. و لا مع الرقيب أمام رفاقي.. و كانت النتيجة صمتٌ طويل أثناء الرحلة.. إلى أن حان وقت الاستراحة و تناول الطعام.. توقفت مركباتنا في ساحة مفتوحة يغطيها التراب و القليل من العشب هنا و هناك.. أمر الرقيب الجندي فلاح أن يذهب إلى مطعم قريب برفقة جندي آخر و يجلب وجبات الطعام.. وصف له الطريق جيداً ثم ناوله المال فغادر فلاح مع الجندي.. كنتُ أتكئ على سيارتنا بجانب رفاقي و أراقب الجنود يتحركون في المكان ليزيلوا تعب ساعات الجلوس في السيارة، و بعضهم أشعل السجائر ليجذب أنفاساً عميقة وينفث دخانها في الهواء البارد.. قال بهاء و هو يرفع ذراعاه إلى الأعلى ليتمطى:

ـ كون يجيب صينية مشاوي مشكل، كباب على أجنحة على تكة على كم راس بصل و طماطة، يبووي شيجيبه.

قال وسام بامتعاض:

ـ اذا اكلت بصل لا تحجي بوجهي.

رفع بهاء حاجبه باستنكار:

ـ الانسة وسام تنزعج من ريحة البصل؟

قلتُ وأنا اؤيد وسام:

ـ حقه الولد كاعد يمك بالسيارة.

ـ شلون بالله ترضوها انحرم من البصل؟

ـ و انته ترضاها الولد يختنك؟

ـ انتو ظلوا واحد يدافع عن الثاني و اني الفقير محد يدافعلي.

ضحك حيدر و قال:

ـ ولا يهمك اكل و اني اكعد بالنص بدال وسام.

وضع بهاء ذراعه على كتفَي حيدر وقال:

ـ بس انته الكفو.

ثم رفع يده الأخرى يلوح لأحدهم و هو ينادي:

ـ أبو علاوي!

رأيتُ حسين الذي كلفه الرقيب بقيادة إحدى السيارات يسير باتجاهنا.. إنه شاب أسمر طويل تبرز عضلاته من تحت البدلة العسكرية.. يبدو في عمر حيدر أو ربما أكبر بقليل.. حين وصل عندنا ألقى التحية فقال بهاء بحماس:

ـ ما تقرالنه شي على ما يجي الأكل.

قال حسين و هو يمرر يده على شعره القصير بتعب:

ـ ياخوي الجوع ما خله طاقة للقراية، خل ناكل و تدلل.

قال بهاء و هو ينظر إليّ و إلى حيدر:

ـ بالسهرات الي ضيعتوها بالتجنيد جان حسين يقرالنه اشعار و مواويل تبجي الصخل.

ضحكت و قلت:

في الخط الأماميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن