حاولتُ اخفاء صدمتي بتصريحه لكني أشكّ بنجاح محاولتي.. تلعثمتُ بالإجابة و أنا أنظر إليه بابتسامة مهتزة:
ـ مو أول مرة أسمع هالشي.. عادي مو كلنه نخلقنه خشنين..
قال و هو يضيق عينيه:
ـ عالأقل اشتغل على صوتك، كلما تصيح عبالي بنية كاعدة يمي..
نظرتُ نحو رفاقي الذين أنهوا المباراة.. أستنجد بهم.. و من حسن حظي أن بهاء كان في طريقه إلينا فنهضتُ بسرعة و تظاهرتُ بفرحة الفوز التي تلاشت بسبب أثير.. قال بهاء وهو يمسح العرق عن جبينه:
ـ ها شلونه لعبنه؟ بيضناها لو ما بيضناها؟
قلتُ بعجلة:
ـ بيضتوها، خل اجيبلكم ماي، اكيد عطشانين.
ثم أسرعتُ إلى داخل المقر أتهرب من أثير الذي كاد يصيبني بجلطة.. عليّ أن أنتبه إلى تصرفاتي و صوتي أمامه.. فالشك الذي رأيته في عينيه ما زال يرعد أوصالي خوفاً.. حملتُ عدد كبير من قناني الماء و كنتُ سأخرج من المطبخ حين دخل الرقيب.. نظر إلى القناني بين ذراعَيّ و بدأ يأخذها عني و هو يقول:
ـ ليش متعب نفسك، همه يكدرون ياخذون بنفسهم.
نظرتُ خلفه قبل أن أهمس له:
ـ جانت حجة حتى اشرد من أثير.
عقد حاجبيه متسائلاً:
ـ ليش؟
تمتمت بتوتر:
ـ أحسه.. بدا يشك بيه..
أومأ برأسه و قال بنبرة جادة:
ـ اتصرف طبيعي و معليك بيه..
خرج بالقناني فتبعته لأجلس مع رفاقي متجاهلة أثير.. لكن لم يكن هناك داع لتجاهله.. يبدو أنه نسيَ أمري و انشغل بالحديث مع حسين.. تنفستُ الصعداء و سمحتُ لنفسي بالانتباه لحديث رفاقي..
****
انتهت استراحة اليومين بسرعة.. تمنيتُ لو تطول، فلقد أنستني اللحظات الجميلة برفقة الجنود واقعنا المرير.. كنتُ أتشبث بها لعملي بما ينتظرنا من تعب و ألم.. و فقد..
استعددنا للانطلاق إلى المدينة التالية لنبدأ عملية تحريرها.. ودعنا الفرقتين مع الوعد باللقاء قريباً لنحتفل بنصرنا الثاني.. ثم ركب الجميع السيارات و انطلقنا إلى وجهتنا الجديدة.. فسألني الرقيب السؤال الذي لم يجد الفرصة ليطرحه يوم أمس:
ـ هم حجه شي أثير؟
ـ لا.. اعتقد عدت على خير..
ـ ان شاء الله، و مع ذلك حاولي تنتبهين أكثر.
أومأتُ برأسي.. ثم قلتُ بفضول:
ـ الدفتر الصغير شنو تكتب بيه؟ البارحة شفتك سهران عليه.