18

1.3K 88 26
                                    

نظرتُ إلى الأشلاء بعدم تصديق.. لا يعقل.. هل رحلوا جميعاً في لحظة واحدة؟.. تجمعت الدموع في عينَيّ رغم عدم استيعابي للأمر.. قال وسام بصوت مرتجف:

ـ دا اسمع شي..

نظرنا من حولنا و نحنُ نرفع السلاح من جديد.. لكننا لم نرَ ما يلفت للنظر.. ثم سمعنا صوت ضعيف يقول:

ـ وسام..

أثير!.. انه صوت أثير!.. أسرعنا نحو مصدر الصوت بين أنقاض البيوت فرأيناه ملقاً بين الصخور غارقاً بدمائه.. انحنينا إليه لننظر إلى جروحه فرأيتُ شقاً في رأسه و جرحٌ عميق في ذراعه.. سارعنا بإخراج لفائف الضماد و بدأ حيدر و بهاء بلف رأسه و ذراعه.. تمتم أثير بصوت مجهد و هو يحاول توضيح ما جرى:

ـ جنت أمشي وره الشباب.. بس وكفت شوية حتى اتأكد من ذاك البيت خاف بيه أحد.. و بلحظتها انفجرت مفخخة طيرتني من مكاني لهنا.. بعد ما كدرت ارفع نفسي من وقتها.. أحس ظهري صار نصين.. شصار بالبقية؟..

لم يجد أحدنا الشجاعة لقول الحقيقة.. رفع بهاء رأس أثير ليلف الضماد بشكل جيد وطلب مني أن أخبر الرقيب بما جرى.. بيدٍ مرتعشة ضغطتُ على سماعة اللاسلكي و قلت:

ـ سيدي.. المجموعة الثانية انفجرت عليهم مفخخة..

جاءني صوت الرقيب العميق:

ـ شنو الوضع؟

ابتلعتُ ريقي بصعوبة لأتمكن من الإجابة:

ـ أربعة.. شهداء.. و واحد جريح..

رأيتُ امتعاض وجه أثير.. لقد حصل على الجواب لسؤاله.. قال الرقيب:

ـ انته و حيدر رجعوا وي الجريح للمنطقة الآمنة، و بهاء و وسام ينتظرونه يم الانفجار.

ـ أ.. أمرك سيدي..

أنهيتُ الاتصال و أطلعتُ رفاقي على أمر الرقيب.. حين أنهى حيدر و بهاء شدّ جروح أثير ساعدناه على النهوض ليستند على كتفي و كتف حيدر ثم بدأنا نخط طريق العودة.. كان أطول من العادة.. موحش و ثقيل.. و الصمت رفيق دربنا.. فماذا يُقال بعد الذي جرى؟.. دخلنا المنطقة السكنية و أوصلنا أثير إلى الخيم الطبية ليتلقى العلاج لجروحه.. ثم تركته مع حيدر و خرجت.. بدأتُ أسير في شوارع المنطقة بلا وجهة معينة.. همّي الوحيد أن أكون بعيدة حين يعود الرقيب بأشلاء الشهداء من زملائي.. وصلت بي أقدامي إلى طرف البساتين التي قمنا بتطهيرها قبل أيام.. دخلتُها و سرتُ لمسافة قصيرة قبل أن اختار الجلوس عند إحدى الأشجار.. أسندتُ ظهري على جذعها وضممتُ ركبتيّ إلى صدري.. رغم اتساع البستان أمامي.. و صفاء السماء فوقي.. و طلاقة الهواء.. إلا إن الضيق كان يشدّ على صدري و كأن صخرة تجثم على صدري.. يخنقني.. يكتم أنفاسي.. ورأسي فيه صورة واحدة تأبى أن تفارقه.. صورة لأبشع منظر رأيته.. أو قد أراه.. أسندتُ جبيني على ركبتَيّ و جذبتُ نفساً مرتجفاً.. كرجفة يدَيّ.. كرجفة قلبي المفجوع..

في الخط الأماميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن