القسم الاول

10 1 0
                                    

جرى الحديث عن الزواج بالاجنبيات ، فقال حسان :
-- هل تعرفون محمداً ؟
اجاب الحاضرون : نعم
-- و هل رأيتم زوجته ؟
فبدت من الحاضرين اصوات معجبة تنبئ بأنهم يعرفون و يدركون مصيبة محمد بزوجته .
و قال احسان( و هو الزم اصدقاء محمد لمحمد ) : كلنا متفقون على ان محمداً ذكي ، فطن ، ناجح ، في اعماله كمحام ، و كسياسي ، و لكن ما يدهشنا هو انه تزوج بامرأة مثل زوجته. و نحن نفهم من يتزوج اجنبية لجمالها، او لثقافتها ، او لفضائلها..
و علت من الحاضرين همهمة و تنحنح ، قطعها صوت احسان و هو يقول :
ليس ما اقوله غيبة ، فقد جرى لي حديث بهذا الموضوع اكثر من مرة مع محمد ، و سألته هذا السؤال .
فقال احدهم : و بماذا اجابك ؟ و بدت على قسمات الحاضرين كلهم امارات الاهتمام و التشوق الى الجواب ، فابتسم ابتسامة خفيفة و قال : قصة طويلة ... الا اني سأقصها عليكم لأنها تلقي ضوءا فريداً على احدى نواحي النفس الانسانية التي كثيرا ما يتراكم عليها صدأ الايام و غبار النسيان .

كلكم يعرف ان محمد متحفظ في كلامه و اعماله ، كتوم لاسرار حياته ، الماضية منها و الحاضرة . و كل الناس يعرفون انه حصل على شهادة المحاماة ، و لكن من منهم يعلم اين درس الحقوق و اين تخرج ؟
و صداقتي لمحمد قديمة جدا ، و تعود الى يوم كنا طفلين ندرج في حارة الجبيلة ، و نلعب في الأزقة بنوى المشمش و التمر ، نتراكض حفاة و نتراجم مع صبيان الحارات الاخرى ، او نتسلى بقذف الترامواي بالحجارة من اعالي مقبرة الجبيلة و كم لنا من ايام مشهودة ضد رجال الشرطة الذين كانوا يداهمون المقبرة لإنقاذ الترامواي من شر احجارنا التي لا تخطئ نوافذه ، و ضد حراس الليل الذين كادوا يفقدون عقولهم لكثرة ما كسرنا من فوانيس و مصابيح . و كان ذلك قبل ان تستبدل فوانيس البترول بمصابيح الكهرباء .

ثم فرقت بيننا الايام ، و ذهبت انا ادرس في باريس و لست ادري كيف صنع احمد ، الا ان التقادير و متحة حكومية ساقته الى لندن حيث درس و تخرج في الحقوق و نال لقب دكتور .
و عدنا الى الوطن بشهاداتنا و بدأنا حياتنا العملية كل في الحقل الذي اختص به . و لم تعتم الصدف ان جمعت بيني و بين محمد فأعدنا اواصر الصداقة القديمة . و كنت ازوره كل يوم تقريبا و توطدت بيننا الالفة الى حد كبير ، حيث لم اكن لأحبس عنه شيئا من شؤوني و لم يكن ليخفي عني شيئا مما يجول خاطره .

شمس حزيران حيث تعيش القصص. اكتشف الآن