الفصل الأول (المحاق)- الجزء الأول

2.2K 84 17
                                    

اسم هذا الجزء: المرحلة الاخيرة

"الرب بنفسه قال الكلمة، فتم كل شيء. و الرب بنفسه أمر بها، فخُلق كل شيء."

من الجمل المعروفة بين العديد من الرسامين. عندما قرأتها لأول مرة في طفولتي، كنت محتارا قليلا، ربما لأنني لم افهمها تماما. او ربما لأنني استغربت من سبب ارتباطها مع اللوحة نفسها. لوحة حديقة المباهج الأرضية، من اكثر اللوحات التي جعلتني احدق بها دون توقف. لم اتذكر شعوري عندما رأيتها اول مرة في طفولتي، لاكنها بالتأكيد لم تكن اخر مرة اراها فيها. في بعض المرات عندما انظر إليها، اشعر بأن هناك سر كبير يشغلها اكثر مما شرح البعض انها البابين يصفان الجنة و الجحيم، و في وسط البابين توجد الحياة، حيث نعيش نحن تحديدا و حيث توضح ان نهايتنا اما النار ام الجنة. و لاكن ذاك السر لم يكن من نصيبي لكشفه.

لم اجد كلمة اوصف بها تلك اللوحة، قد يقول الكثير بأنها جميلة و عميقة الفكرة. لاكنني لم اتذكر انني وصفتها بجميلة في حياتي. كانت لدي طبيعة غريبة، بأن لا ارى اي شيء جميلا قبل ان اعرفه جيدا. و بالطبع، هذا كان الحال مع اللوحة المشهورة.

لاكنها لم تكن محور اهتمامي كثيرا.

و لهذا السبب تفاجأت بها ترسم أمام عيني ما إن نظرت الى نافذة غرفتي في ذلك الصباح. ربما أنني اكتشفت سرها لوهلة فقط قبل ان تختفي تماما مع قطرات المطر خارجا، مرتطمة بالأرض.

الشيء الغريب كان، المنظر من النافذة كانت تحتوي على صورة مطر غزير في الغابة فقط، بينما ان لوحة حديقة المباهج الأرضية تتكون من ثلاث اجزاء، النار، الجنة و الحياة. و سبب ارتباطهما ببعضهم في عقلي لتلك اللحظة كان مجهولا.

و لم افهم لماذا.

حتى تغير كل شيء.

صوت ارتطام قطرات المطر العنيفة كان الصوت الوحيد الذي تداول في رأسي كمقاطع موسيقية في تلك اللحظة، لم اجد نفسي اومض عيني التي آلمتني لعدم تركي لها ان ترتاح. كأن الأمر ليس بيدي، و انني مقدر ان احدق للأبد للمنظر خارج زجاج النافذة دون استرحة، كلعنة بالتحديد. بدأت ارى المنظر يصبح غير واضحا، تنفسي على الزجاج ما يجعلها كذلك. شيئا فشيئا، أعطى رأسي للاصوات المجاورة غير صوت المطر و الرياح تذكرة الدخول لأيقاظي من تلك اللحظة.

و سمعت صوت جدي الجالس بقربي ''ارثر، ماذا تفعل؟''

قطع السؤال الحبل الذي يسحب نظري للخارج و استطعت ان احطه على وجهه المستغرب، رغم انني كنت واعيا، الا انني سحبت يدي من على الزجاج البارد الذي جعل كفاي بنفس الحالة كمن عرف للتو انه يتصرف كاحمق لم يرى المطر في حياته امام جده. فركت كفاي معا و اجبرت تعابيري بأن تبدو طبيعية ''لا شيء، فقط كنت أتساءل كيف امطرت فجأة'' كنت لا اكذب تماما، ربما كانت نصف الحقيقة، فالحقيقة انها نادرا جدا ان تمطر في هذه القرية الصغيرة فاجئني قليلا.

Dark Side Of The Moon: Black Bridge Arabicحيث تعيش القصص. اكتشف الآن