"أيعقل مثلا أن نكتب عن أشخاص لا تؤمن بفلسفة الروايات..؟ أيعقل أن تكون الكتب أبعادا أخرى، يعيش فيها الكتاب ما تبقى من حياتهم... ما تبقى من الأحداث.. ما أخذه القدر ليدونه في رواية ؟
أكتب عنك، أكتب لك أكتب لنخلد معا في كتاب مادمت في حياتي.."كان ذلك آخر ما كتبته قبل أن يحدث ما حدث بيننا، قبل أن أتوقف عن الكتابة لخمس سنوات متتالية.. تخيل أن تنتحر حروف الكتاب، أن تستعمل حروفنا في مواضع كثيرة ماعاد الكتابة.. تخيل فقط وطأ تحجر الكلمات في نفسية إعتادت الكتابة..
لطالما ما إعتبرت ما حدث بيننا أعنف بكثير من أن يذكر في رواية..كيف قد يتكلم الكتاب عن أقدارهم ؟
نسيت حتى إن كان الكتاب في حاجة لأسماء يستهلون بها رواياتهم ،إن كانت الأسماء بتلك الأهمية للقراء..؟
أنا لا أدر عنك شيئا،غير ما قرأته في الصحف...
أنا أقرأ عنك بنفس الطريقة التي تقرأني بها...
نحن لم نذهب إلى كندا كما وعدتني، لم أرتد الفستان الأحمر لخطوبتنا،لم نجلس في الغرفة المجاورة،لم تشرب القهوة و أنت تطلب يدي من أبي.. لم نخرج حتى في موعد غرامي كما وعدتني..
أيعقل أن تكون تلك القصص التي لم نعشها أعنف من القصص التي عشناها ؟ أتستطيع أن تقتلنا البدايات التي لم تنتهي،!
لم أكن أعلم بأن المطر أحيانا قد يهطل في مواسم صيفية،لم أكن أعلم سيدي بأن الصيف قد يكون باردا جدا،و بأن بعض الأيام قد تمطر ألما...
يومها لم تكن أنت ما أنت عليه، لم أكن أنا.. ما أنا عليه...
لم تكن تقرأ للكتاب، لم أكن كاتبة بعد..
لم تكن تحب المآزر البيضاء،لم أكن طبيبة بعد..
قبل خمس سنوات من الآن..
آخر ما أتذكره عنا، هو تلك الرواية التي قررت أن لا نعيشها،هو جبنك.. هو خوفك من حب إمرأة مثلي..
لم أعتقد يوما بأن أحد كتبي قد يكون عنك.. بأن الكتاب يعشقون أبطال رواياتهم...
كنت في بداية مراهقتي لم أتجاوز الرابعة عشر من عمري حين إلتقينا صدفة..
أتذكر بأني كنت أحد المعازيم لحفلة تكريم أحد الكتاب، و كنت أنت أحدهم كذلك..
تدشهني الأقدار حين تضرب مواعيد لنا دون إنذار مسبق..
كان كلانا أحدهم،شاءت الأقدار أن نكون نحن..
بكل ما جرى..
بكل ماكان..
بكل ما حدث و ما لم يحدث بيننا...
كنت مستندة على باب أحد الشرفات أنصت لصوت المطر،وأتفحص ذاك الكتاب المنمق لكاتبي المفضل، حين مررت بجانبي، أمسكت الكتاب و خاطبتني بنبرتك تلك..
أتعلمين..
إلتفت لحظتها علي أميز نبرتك بين زحمة النبرات بداخلي..
-عفوا؟ خاطبتك بنبرة محتارة.. و أنا أتأمل ملامحك فلربما أجد ملامحا أعرفها..لكن وجهك لم يبدوا مألوفا مطلقا..
- إن معظم القراء يعيشون في فوضى الكتاب.. "إسترسلت حديثك" أنتم مجرد نسخ لكتاب لم يعيشوا حياتهم كما ينبغي.. أنتم ما إختاره الكتاب الذين تدمنونهم...
-عفوا؟ * أجبتك و أنا أشد على حاجبي* أتقابلنا سابقا..
- لم نفعل.. لمحتك و أنا أدخل القاعة.. بدوت شاردة.. أدشهني شرودك.. في وجود هذا الكم الهائل من الكتاب.. و على حسب علمي.. كل المدعويين يتعاطون الكتب آنستي...فما قصة شرودك عن صانع إدمانك!
- فلنقل أن ما بداخلنا يعج بالكتب، و أننا كنا نتعاطى أحد تلك الكتب و قد خيل لحظرتكم شرودنا.. نزعت كتابي من بين يديه.. و إتجهت نحو كاتبي لأحصل على توقيعه و أنا أردد في داخلي" غبي!"
- لما ترفضون الإقرار بأنكم مجرد نسخ حية لأفكار دفنت في كتاب..؟ لما ترفضون الإقرار بأنكم تجسيد لأقدار لم تكتب..، إن الروايات!
إلتفت نحوه..
- أنت تثير الفوضى،في رؤوس تعج بالفوضى مسبقا،فلا تحاول العبث... !
- أريد جوابا واضحا آنستي...
واصلت طريقي متظاهرة بأني لا أسمع صوتك، أثرت الكثير في جسد منتفض بالأفكار،حصلت على توقيعي،ألقى الكتاب بعض المحاضرات فيما يخص كتبهم... هممت بالرحيل حين وردتني رسالة من صديقتني تخبرني بأن علينا المغادرة..
حملت حقيبتي، توجهت نحو باب القاعة،كنت أنزل الدرج مسرعة نظرا لكون الوقت قد تأخر نسبيا، ثم إن المجتمعات الشرقية كانت لاتزال في تلك الفترة تستغرب فكرة خروج الفتيات في أوقات متأخرة نسبيا، فأن تكون إمرأة في مجتمع شرقي في حد ذاته كفاح، فمبالك في إمرأة لا تؤمن بالعادات و التقاليد، إمرأة تقرأ،إمرأة تشعر بالكتب التي تقرأها، إمرأة تتكلم في السياسة، إمرأة تعيش لما تؤمن به لا لما ورثته عن المجتمع.. أتذكر بأني يومها كنت مليئة بالفوضى.. بفوضى الأفكار،بفوضى الحياة... بفوضى كل الأشياء التي لم أكن قد عشتها بعد..لازلت أؤمن بأن أجمل مراحل الحياة هي تلك المرحلة التي أسميها " ما قبل الحياة " حين يكون الواحد فينا مقبلا على الإنجاز.. بكل حواسه،بكل الأشياء الجميلة التي تسكنه.. كنت قنبلة مستعدة للإزهار لم أكن أعلم حينها بأن قدر القنابل الإنفجار، و بأن كتب التاريخ لم تروي يوما عن قنابل تزهر...
أحيانا و لفرط طيشنا ننسى بأننا قد نكون أحد تلك الأوراق الخاسرة.. و بأن نفس الأوراق الخاسرة قد تعكس الأدوار..
أحيانا ننسى و نحن منغمسون في اللعب، بأن الأمر لا علاقة له بالأوراق بالقدر الذي له علاقة باللاعب بحد ذاته..
كنت أنزل الدرج مسرعة، حين ناديتني...
- آنستي.. من فضلك!
- أجبتك و أنا أتحاشى الإلتفات " لا جواب لدي لأسئلتك المتنمرة"
لحقتني مسرعا..
- آنستي.. هي مجرد جملة واحدة.. أدونها في كتابك إلى جانب التوقيع..
- مستحيل..
نزع الكتاب من بين يدي.. بينما أنا أسرع في نزول الدرج..
- أعده لي.. ما قصة قلة إحترامك؟
بقيت أتأملك و أنت تدون بدايتنا،ليتني أسرعت يومها في نزول الدرج.. ليت الدرج كان أقصر بقليل..
نزعت الكتاب من بين يديك و أنت بالكاد أتممت كتابة جملتك...
تفحصت ما كتبت...
كانت جملة واحدة.." تذكري بأننا إلتقينا قبل هذا في كتاب.."
لم أعلم سيدي بأن القليل منك كان كاف، ليأخذ
الكثير مني...
أنت تقرأ
رذاذ المطر
Romanceهناك أيام باردة ، تحتاج لأكثر من موقد واحد.. لأكثر من معطف واحد.. لأكثر من يد واحدة تخبرها.. بأن أغلب الأقدار كحبات المطر.. و بأن مظلة واحدة قد لا تكون كافية أحيانا لتحجب عنا رذاذ المطر..