حاولت أن لا يفضحني غضبي... أن أتصمر مكاني..
أن لا تلتهمني الحياة من جديد.. و أنا أنصت لحبات المطر...حاولت طيلة السهرة تجنب نظراتك... تجنب وقع جملتك تلك على قلبي ..
كانت كل تلك الأحاسيس جديدة على شخص مثلي..
فتاة لم تتذوق الحب إلا في الكتب...
دفعت ضريبة برائتي.. و قلة حيلة..
دفعت وقتها فاتورة غبائي العاطفي..فليكن إذا.. أني قد وقعت بك..
بطريقة أو بؤخرى...
كعود ثقاب.. تخللته قطرات الندى..أقفلت مضلتي ، دخلت تلك القاعة المكتضة حد الهديان.. حاولت أن لا تتقاطع نضراتنا ، أن لا ألمح عدم مبلاتك... عدم إهتمامك...
تمنيت وقتها ، لو كنت عقلانية جدا..
لخاطبتك بصراحة جدا..
و أخبرتك... بأن الحب مقرف جدا...هممت إلى أحد الكتاب الذين لطالما ما عشقت كتبهم..
"توقيعك سيدي.."
وقع الكتاب..
حملت حقيبتي...كان ذاك أقصى ما إستطعت تحمله..
أسرعت في الركض علي أسبق تلك النبضات بداخلي..أردت أن أغادر ذاك المكان و فقط.
لا أدر لما... لكني كنت أرتبك من نزول الدرج..
و من صعود الدرج..
و من فكرة التوقف فجأة.. في منتصف الدرج..- أمل... " ذاك الصوت من جديد ، بنفس الهمجية التي يحدثها بداخلي...
لم أكن أعلم وقتها بأننا قد نعلق في درج ، و بأن العلوق في درج أصعب بكثير من المصعد...
أنا لم أكن أعلم قبل هذا بأن الدرج أخطر بكثير من أشهق المصاعد في العالم..
حسنا إذا، ربما كنت ضحية لعنة الدرج...
ربما كنت ضحية عشقي للكتب...
ربما كنت ضحية ذاكرة الجسد..
ربما لست سوى... ضحية كتاب آخرين..
قصص أخرى..
أشياء حدثت قبل هذا في الكتب..
أو ربما كنت فقط ضحية... لعنة أصابت الدرجتضاهرت بأني لم أستمع... بأن صوتك لم يخترق مسامعي...
أنا بالكاد أغادر سنين مراهقتي...
لاتجعلني أراهق من جديد...- أمل ، لا تركضي في الدرج...
من جديد لم أعر تكرار إسمي أي إهتمام، كل ما رغبت به يومها هو أن أتجاوز مرحلة الدرج...و بينما أنا أسرع في النزول ، تداركتني يده.. أمسك يدي..
لا أتذكر ما شعرت به بالتحديد.. ربما ذاك المغص في بطني.. ربما شعرت بالخجل...
لكن شعوارا وحدا كان يطغى... جملة واحدة كانت تتردد بداخلي.." أنا لا أحل له.. كيف تجرأ على لمسي... "
إستدرت.. بعنف خاطبته و أنا أسحب يدي" إياك أن تلمسني ، من جديد... أيا كانت دوافعك..."
بقي يحدق في بإستغراب.. ربما فاجئته ردة فعلي.. ربما كنت صبيانية أكثر مما ينبغي...
لكنها مبادئي.. و لا أحد أيا كانت فصيلة دمه ، أيا كانت مكانته.. قد يجرئ على ما ينافي ديانتي
- أمل ، أنا لم أقصد...
- فليكن! لا تلمس يدي..
- أمل توقفي ، كان ذاك لتكليمك.. ما قصة تعصبك ؟!
-تسميه تعصبا... أسميه تدينا..
-أعتنق نفس ديانتك ، لاداعي لخلط الحابل بالنابل..
- لا تطبق تعاليم ديانتي إذا..
- أمل ، ما قصتك...
- و ما شأنك بقصصي؟!
- أنا أهتم..
- لا تفعل إذا .. الأمر مؤذ.. مؤذ جدا..
- ما الذي يؤذيك أمل..
- لا شيئ.. لا تقترب و فقط.. لا تردد إسمي و فقط
- أردت أن أوقع على الكتاب كما..
- كما تفعل كل مرة " قاطعته و أنا أنظر إلى عينيه ،"
لا تفعل!!! لا تفعل ما تفعله كل مرة ، لأن عدد المرات صار يعلق بداخلي... لا تفعل..
- أمل... لم أقصد أن أقلل من إحترامك.. أنا فقط أردت أن أمازحك.. كما أفعل في كل لقاء لنا.. أمل نحن نلتقي في هذا المعرض بمحض الصدفة ، بدون مواعيد ندبرها .. ضننت أن صداقتي تشكل فرقا..تصمرت مكاني لحضتها... صداقتي... بات الأمر واضحا الآن... أنا الصديقة وفقط... ليتني إمتلكت الشجاعة يومها.. لأخبرك بأن ديانتي لا تسمح بهذا النوع من الصداقات...
ليتني كنت مؤمنة بما يكفي لأخبرك كما أخبرت الكثيرين بأن الصحابة لم يروا عن صداقات مشابهة...
نحن دائما ما ننفطر كلما تركنا جزءا من عقائدنا و نحن نتبع الهوى ...فلؤ خبرك الآن إذا بعد مرور كل هاته السنوات... بعد أن إرتديت المأزر الأبيض.. بعد أن كتبت روايتي الأولى.. بعد أن جلدتني صداقتك... و إهتمامك المفرط بصديقتك..
بأن بعض المسرحيات تسكننا إلى الأبد...
بأن بعض الأبطال لا تنتهي أدوارهم بمجرد نزولهم من خشبة المسرح...
بعض الأبطال يعيشون هنا بمحاذاتنا... بعيدا حتى عن الكواليس..
فلؤخبرك.. بأني كنت ضحية مسرحيتك.. لم أكن أعلم سيدي بأن الممثل قد يجبر على إرتداء الأدوار..
كل ما تراه من قسوة الآن...
هو حصاد ما زرعته في هذا الجسد...
و فقط...
لا تشتكي ندوب جسدي... جلها كان نتيجة صداقتك..
نحن قد نجلد حتى و إن لم نرتكب الرذائل...
أو أنك قد كنت رذيلتي.. التي جلدت كي أغفرها لنفسي..بقيت أحدق فيك يومها... و جل ما كان يتردد بداخلي
" صديقتي......"
- صهيب ، أنا أمر بأيام صعبة ، تسعدني صداقتك كثيرا.. لكني لست من النوع الذي يؤمن بالصداقات..
أعتذر.. دعنا كما نحن.. فمعظم الصداقات تضمحل بمرور الأيام...
- أمل ، ما قصة كل هاته التناقضات التي تقطن هذا الجسد..
- أشياء يصعب شرحها...
- تربكني فلسفتك في الحياة..
- لا فلسفة لي صدقني.. معظم ما كنت أرتكز عليه بات يفقد الإتزان...
- أنا لا أفهم..
- أنا كذلك بت لا أفهم..
- صهيب ، لنا موعد آخر... في معرض للكتاب...إلتفت واصلت نزول الدرج..
لقد إنتهى... ذاك الشيئ الغريب الذي يقطنه الأسى.. ذاك الذي يرقد بمحاذات حلقنا..
. ذاك الذي يجعلنا نشعر و كأن القناطير من البراكين تقطن تحت أفواهنا..
أنت تقرأ
رذاذ المطر
Roman d'amourهناك أيام باردة ، تحتاج لأكثر من موقد واحد.. لأكثر من معطف واحد.. لأكثر من يد واحدة تخبرها.. بأن أغلب الأقدار كحبات المطر.. و بأن مظلة واحدة قد لا تكون كافية أحيانا لتحجب عنا رذاذ المطر..