"نحن في حاجة للكثير من الكآبة لنكتب،فالساعادات العارمة تخطف أنفاس الكتاب.."
وصلت إلى البيت يومها،كانت الساعة تشير إلى حوالي العاشرة ليلا..
ألقيت التحية على أمي... دخلت غرفتي.. إستحممت بسرعة جلست إلى مكتبي حين دخلت أمي علي الغرفة...
- ما قصة تأخرك ؟ * خاطبتني بصرامة*
- أممم.. تعلمين أمي...
- لديك إمتحان غدا..
- أعلم أمي.. لا داعي لتكرار نفس الكلام ، دراستي أولى من الكتب التي أغرق فيها..." كانت أمي من النوع المهووس بالنجاح، ربما ورثت منها هوسي بالتفوق،ربما ورثت منها عشقي للشاهادات العالية... ربما ورثت منها عقدة الكفاح.."
- حسنا إذا..تعلمين جيدا بأن إسمك يفترض أن يعلو القائمة..
- أعلم أمي..أعلم!
كانت تلك هي طريقة أمي في حبنا،طريقتها في صنع الأجيال.. طريقتها في الإعتناء برعيتها...
لطالما ما شعرت بالإمتنان لها لكل تلك الشاهادات التي باتت تعلوا حائط مكتبي..."إن مررت يوما من هنا أمي، فلتعلمي بأني لست سوى حسنة من حسناتك.."
كانت حياتي بسيطة جدا،أجتهد في دراستي ،أعشق أبطال الروايات، أمارس الرياضة في نهاية الأسبوع و بين ذاك الإزدحام الذي كنت أعشقه وجدت دائما وقتا لنفسي.. أهرب فيه إلى الله من كل تلك الفوضى...من كل ذاك الإزدحام...
لسنوات متتالية عشت على نفس النمط..لم تكن الحياة مثالية لتلك الدرجة نلت قسطي من الإبتلاءات.. لكني كنت أحمل بداخلي من الإيمان ما يكفي لأصبر على مالم أحط به خبرا...تزودت بالتقوى ، تشبعت بالقيم الإسلامية... كنت أنموا لأصير ما أنا عليه اليوم... لأكتب ما أكتبه اليوم، بنفس الشغف... بنفس الثبات.. بنفس الثقة.. بنفس الإيمان..حسنا ،نحن قد نذبل مع الأيام ، لكننا قد نتعلم الركض بطريقة أنيقة...
ربما أنا لا أكتب لك بالقدر الذي أكتب فيه عنا...
كنا قد إنتهينا لولا بعض الأيام التي أصرت أن تجمعنا في كتاب...
لازلت بكل جوارحي أنصدم كلما تصادمت أخبارنا، كلما سألني أحدهم.. كيف ؟ متى ... أو حتى لما..قرأت لي كثيرا قبل هاذا.. في صفحتي..
قرأت لي قبل هاذا كما قد يقرؤني عشاق الكتاب.. لكنا الأقدار لم تشأ أن نلتقي في كتاب...أود بشدة أن تقرأ هاذا الكتاب لا لشيئ سوى لأن بعض الأشياء قد يصعب البوح بها...
لا يكتب الكتاب لتتم قرائتهم ... نحن نكتب لنتخلص من بقايا الحياة العالقة بداخلنا...* وقد بقيت عالقا بداخلي*
كلنا في حاجة لحادث عميق ، يجعلنا نستيقض في بعد آخر ، بعد يختلف عنا...
حادث يقلب بوصلتنا في الحياة...
حادث يقلبنا رأسا على عقب ، لنقف بعده بإتجاه نفس القبلة بقلب أكثر إيمانا...كنت أشعر بالكثير من الكره بإتجاهك... هناك نوع من المشاعر التي يستحيل أن يتم تجاوزها بالعديد من الأشياء الجميلة...
إن أقصى ما يستطيع كاتب أن يفعله هو أن يغرق في الكتابة كي لا يستشعر تآكل ما بداخله... أنا لازلت في حاجة للكثير من الكتب لتخمد تلك الحرائق بداخلي..
أخشى أن أكرهك إلى الأبد... و أن يكون إلى الأبد غير منته الصلاحية...قد نتحول إلى زجاجة من الأحلام قابلة للإنكسار في أي لحظة...
لازلت أتذكر ذاك اليوم ، و كأني أراه من مكاني هذا.. و الله ما الحزن أخشى علي.. لكني أخشى علي من كل تلك الفوضى بداخلي.. أن تكبر أكثر مما هي عليه..
فتهلكني..كنت أحاول دائما أن أهرب في نهاية الأسبوع لأحد تلك الندوات... حيث يجتمع كبار الكتاب..
حيث أقرأ البشر.. كنت ألتقيك دائما في تلك الندوات..
لطالما ما تكرر نفس السؤال بداخلي.. كيف لمن لا يؤمن بفلسفة الكتاب أن يقصد رحما لا يحمل بين طياته سوى دماء تعشق نحت الحروف على الورق..
كنا دائما نلتقي..
كنت دائما أتعثر بك.. في كل نهاية أسبوع..
و كل ما جمعني بك وقتها..
هو بعض النضرات..
بعض الكلمات..
بعض المشاعر المبهمة...
كنت تكتب لي جملة... كلما سنحت لك الفرصة.. أتعذر لنفسي لأني جمعت هذا الكم الهائل من الكلمات..
و لأني منحتك كل تلك الفرص...
ليتني إنتزعت كل تلك الصفحات من كتبي..
ليتني بقيت أنتزعك كلما هم جزء مني إليك...
أنت تقرأ
رذاذ المطر
Romanceهناك أيام باردة ، تحتاج لأكثر من موقد واحد.. لأكثر من معطف واحد.. لأكثر من يد واحدة تخبرها.. بأن أغلب الأقدار كحبات المطر.. و بأن مظلة واحدة قد لا تكون كافية أحيانا لتحجب عنا رذاذ المطر..