انتهت زينب من صلاتها، خطت للخارج فشاهدت مقداد من بعيد يشير اليها، اتجهت نحوه فقال لها (زيارة مقبولة ان شاء الله) همست (منا ومنك) ، ابتسم وسألها (هل نذهب الى الفندق، انا جائع!) هزت رأسها موافقه وانطلقا للفندق، تناولا الغداء، ثم اتجها لغرفتهما، همس مقداد (سأرتاح قليلا .. وفي المساء سآخذك لترين مشهدا رائعا يفوق جماله جمال الاحلام ..) ، اثار كلامه فضولها ، ارتمى مقداد على السرير ، اعطاها ظهره وتظاهر بالنوم ، لم تستطع زينب ان تكبح زمام فضولها ، همست (مقداد..) لم يجبها وهو يغالب ابتسامه تغزو شفتيه، عادت تهمس مصرة(مقداد .. ما هو المشهد الذي سنراه؟؟) ، لم يرد عليها مقداد وهو سعيد بإثارة فضولها، اغمض مقداد عينيه واستسلم للنوم، امامهم ساعتان قبل صلاة المغرب، وقت جيد للراحة، استسلم للنوم ولم ينتبه الا على صوت زينب (مقداد. مقداد) فتح عينيه ليراها امامه مرتديه حجابها ومعطفها (هيا استيقظ .. لقد اذن المغرب) ، نهض مقداد وهو يفرك عينيه (ما شاء الله ، استيقظت قبلي) ، هب واقفا ، توضأ وارتدى ثيابه ، خرجا بعد ان أديا الصلاة بالفندق ، الجو بارد ، بدءا يتمشيان بأزقة النجف ، جموع هنا وهناك تبتسم عندما تصافح عيناك ، الباعة يهتفون (حيا الله الزوار) ، جو حميمي لأول مرة تراه زينب توقفت زينب امام محل قديم يبيع الاحجار والخواتم ، مدت اصابعها لخاتم فضي به حجر شفاف ، كأنه دمعه متجمدة ، تأملته معجبه ، (هل أعجبك؟) همس مقداد ،،، (لا ادري ، لماذا انجذبت اليه ؟؟) اجابته زينب وشعور غريب يتملكها ، همس صاحب المحل العجوز وهو يلمع خاتما (يقال ان بعض الاحجار تختار اصحابها!) ، همست زينب(لا أظن) وهي تعيد الخاتم لمكانه ، مد مقداد يده للخاتم وامسك كف زينب البارد ، بلطف ألبسها الخاتم وهمس (سبحان الله ، انه مقاسك) ، كانت مشاعر زينب متلاطمة ، كف مقداد الدافئ ، لمسته الحانية ، ربت على كفها وقال (هل تعرفين ما هذا الحجر؟) بخجل سحبت يدها وقالت (لا) ، همس مقداد (هذا حجر الدر النجفي ، حجر لطيف ينفع للجميع ، يقال انه يجلي الهم عن القلب) تأملت زينب الخاتم بإعجاب ، مد مقداد ثمنه للبائع العجوز ، هتفت زينب (لا تكلف على نفسك) ،ابتسم مقداد (هذا الخاتم هدية مني) ابتعدا وزينب تتأمل الخاتم في اصبعها بإعجاب وفجأة تذكرت شيئا مهما ، التفتت لمقداد وهتفت(اين المشهد الرائع الذي وعدتني برؤيته؟) ، ابتسم مقداد وهمس لها (هيا بنا) ..
انطلق مقداد وزينب خلفه ، اتجها لداخل الصحن العلوي ، والفضول يتملك زينب ، اذا المشهد الرائع داخل حرم امير المؤمنين عليه السلام ، طلب مقداد من زينب ان يؤديا واجب الزيارة اولا وبعدها سيأخذها للمشهد المنتظر ، وافقته زينب زارت وقبلت الضريح الشريف ثم حلقت لمقداد ، اشار لها اتبعيني ، مشت خلفه وهي تتأمل النجوم في السماء ، دار نصف دورة حول الصحن ، وقفا قبال باب خشبي مفتوح ، همست له باستغراب(هذا السوق امامنا!) ، اجابها بابتسامه(صحيح ولهذا يسمونه باب السوق الكبير ، والآن اغمضي عينيك ، واستديري للخلف) ، بترقب اغمضت عينيها ، واستدارت ، فتحت عينيها ، يا الله ، اهي تقف على باب من ابواب الجنة؟ باب الحرم العلوي الذهبي منتصب امامها بكل شموخ، تنعكس عليه الانوار فيشع بهاء وألقا، هل نزلت النجوم والتصقت ببابك يا علي؟ هل جاء النور منك ام انت هو النور علي؟ جلست زينب لا شعوريا وعيناها معلقتان بباب الجنة، ترقرقت دمعه بعينيها العسليتين، همس مقداد (علي الدر والذهب المصفى وباقي الناس كلهموا تراب.) ، همست زينب (السلام عليك يا امير المؤمنين، الناس تجري وراء الذهب لاهثه، وانت الذهب يرتمي على اعتابك خجلا) ، فتح مقداد كتيبا صغيرا وقال (الليلة. ليلة الجمعة لنقرأ دعاء كميل) ، كانت زينب تعرف دعاء كميل، هو بالواقع دعاء ذكره امير المؤمنين عليه السلام وعلمه لكميل بن زياد الذي كان من اصحاب وثقات امير المؤمنين، وافقته زينب، بدأ مقداد يحلق بها، صوته عذب، دعاء كميل علىاعتاب علي بن ابي طالب عليه السلام، ارتفع صوت مقداد الشجي (اللهم إني أسَْألَكَُ سؤال خاضِع ِِ متذلل خاشِع ان تُسامِحَني وتَرْحَمَني وَتَجْعَلَني بِقسِْمِكَ راضِيا قانِعا ، وَفي جَميعِ الأحوال مُتَواضِعا ) تأملت حالها زينب، ترى أكانت راضيه بما قسمه الله لها؟ اتواضعت امام مقداد ام تكبرت عليه وهي بنت العائلة الثرية التي يعمل لديها مقداد ، اجهشت بالبكاء خجلا من الله تعالى ، ( الَلهُّم لا أجِدُ لذُِنُوبي غافرِا ، وَ لا لقَِبائِحي ساتِرا ، وَ لا لشَِيء مِنْ عَمَليِ الْقَبيحِ بِالْحَسَنِ مبدلا غَيْرَكَ، لا اِلهَ إ لاّ أنْتَ، سُبْحانَكَ وَ بِحَمْدِكَ، ظَلَمْتُ نَفْسي َِ ِّ)
، اعتصر الندم قلب زينب ، فعلا من سيغفر لها ذنبها سوى الله ارحم الراحمين ، لم تظلم مقداد ولكن ظلمت نفسها بغرورها وتكبرها ، ومع كلمات الدعاء الروحاني ، تعاظم السؤال في ضمير زينب (الى متى هذا العناد يا زينب ؟؟ هل للتغيير من سبيل؟؟)
اليوم التالي كان مزدحما ، الكثير من الاماكن التي لا يمكن تفويتها ، في البداية زار مقداد وزينب مقبرة وادي السلام ، كانت لحظات جديرة بالتأمل ، شواهد القبور الممتدة ، وانت وحدك بينها ، تتساءل هل تستحق الحياة كل ما نفعله لأجلها؟؟تنظر للشواهد ، شيبا وشباب ، حصدهم الموت دون اعتبار لعمر ، سنوات قديمة والارض تستقبل اجسادا هامده ، ولا تزال تهتف هل من مزيد ، للموت رهبة تتجسد في مقبرة وادي السلام ، حيث تشعر انك بروحك التي بين جنبيك ، انت الغريب في عالم الاموات المترامي حولك ، كان بجانبهم احد حفاري القبور ، شيخا طاعنا بالسن تنهد وقال بصوته المبحوح (لقد أصبحنا نحفظ تاريخ العراق من خلال الموتى ،انتهى عراق الطاعون وعراق صدام في حروبه الكارثية على إيران والكويت وإعداماته، ونحن الآن في عراق الإرهاب والسيارات المفخخة) ، تبادل مقداد وزينب النظرات ، ما أقسى ان يتحول الموت لرزنامة تصنف ايامنا ، عند اطراف المقبرة تعود الحياة بضجيجها تقتحمك ، خرج مقداد وزينب وهما يرددان الفاتحة .بعد الغداء ، انطلق بهم باص الحملة لمسجد السهلة ، ان تزور بيت صاحب الزمان المستقبلي ،فذلك معناه ان الله رزقك اروع توفيق ، وقفت زينب في منتصف المسجد المبارك ، عند مقام الامام الصادق عليه السلام ،غريب امر المسجد ، بالرغم من عدد زواره وهمهماتهم ونداء اصحاب الحملات لينظموهم ، بالرغم من كل هؤلاء يبقى الهدوء سيد المكان ، معادله مستحيلة لا يشعر بها الا من زار مسجد السهلة، همس مقداد (غدا .. سترين الجموع تزدحم على باب صاحب الامر تستأذن لتتشرف برؤيته) ، همست زينب (اللهم عجل فرجه الشريف) ، انتهوا من أعمال مسجد السهلة، هل كانوا يصلون ام يحلقون؟ فقط قلوبهم تعرف الإجابة، والان الى المحطة الأخيرة، مسجد الكوفة، وما أدراك ما الكوفة، ولكن تلك حكاية اخرى.يتبع..
أنت تقرأ
خطوات الأجنحة
Romanceلماذا أصر الحاج ابراهيم على تزويج وحيدته(زينب) من (مقداد) الشاب المكافح البسيط؟؟ ما السر وراء صمت مقداد وقبوله لجفاء زينب معه؟؟ هل سيستمر عناد زينب وغضبها ام ان هدية والدها ستغيرها ؟؟ من وحي الأربعين . من وحي اسرار الزيارة الحسينية المليونية .. اقدم...