الحلقة التاسعة

27 4 0
                                    

بدأت زينب بالتعرف على النساء معها ، كان حديث ام احمد المليء بالشجون كالمفتاح  الذي فتح القلوب لتنثر آلامها على درب الحسين ، ابرار الشابة الخجولة اتت للزيارة مع زوجها وطفلتها الصغيرة زهره ، بعد سنوات من طلب الذرية نذروا إن رزقهم الله طفل ان يزوروا ابا عبدالله مشيا على الاقدام ، وتحقق العطاء الالهي ، وهاهم يدفعون طفلتهم بعربتها امام اعينهم ولسانهم يلهج بالثناء على الله تعالى ، ام حبيب وام هاني وام فيصل صديقات اعتدن ان يكن بركب المشاية كل عام ، تعرفن على بعضهن في اول رحلة لهن ، جمعهن حب الحسين واليوم يمشين للإمام للمرة الرابعة ويخططن للعام القادم بمشيئة الله ، كم غبطتهم زينب ، الكل كان يتحدث بشجن ، الا انفال ، لفتت انتباه زينب بصمتها ، تبتسم بحب للجميع ولكنها احتفظت بسرها بقلبها الصغير ، الكل لاحظ ذلك ولكن الجميع احترموا صمتها واكتفوا بالدعاء لها بقضاء الحاجات ، كان مقداد يراقب اندماج زينب بالمجموعة بسعادة ، فالصحبة الطيبة تخفف من عناء السفر ، الجميع احاط ام احمد بحب ، كانت خطوات الركب المبارك تفيض بالتراحم بينهم ، في فترة العصر ارتفع يشدو بقصيده تتحدث عن شوق المشاية للوصول للحسين ، بدا صوته شجيا عذبا وسط الطريق الممتد ، ارتعشت القلوب شوقا ودمعت العيون لهفة  ولهجت الالسن بالدعاء له بالتوفيق والحفظ ، الشمس تقترب من الغروب ، ومن بعيد لاحت الاستراحة الأخيرة لهذا اليوم ، ارتفع صوت التكبير مؤذنا لإقامة الصلاة ، الله اكبر الله اكبر ، بدت النساء للاستعداد للوضوء ، زينب تساعد ام احمد ، انفال تحمل زهره ريثما تتوضأ ابرار ، ام هاني تحمل عباءة ام حبيب ، ام فيصل تساعد صاحبة المنزل بفرش سجاجيد الصلاة ، الرجال ما بين مستعد للوضوء ، ومتوضئ يرتعش من برودة الجو ، ومن بعيد ارتفعت رائحة الطعام اللذيذ ،( هنيئا لكم يا زائرين) ، كانت صاحبة الاستراحة تردد بحب وهي تجهز طعام العشاء ، (الله أكبر) ، بدأت الصلاة .. للكعبة تتجه الوجوه، والخطوات للحسين تسعى، لم تعلم زينب ان استمرارها مع هذه المجموعة الطيبة امرا لم يقدره الله تعالى لها
بعد صلاة الفجر وتناول الفطور، انطلق الركب، لاحظت زينب ان ابرار تحمل طفلتها زهره، سألت زينب ابرار عن عربة طفلتها، همست ابرار (هكذا أفضل) ، بعد قليل اقتربت انفال من زينب وهمست لها (عند الحمامات رأينا سيده معها ثلاث اطفال، وعربة الاطفال مكسورة، ابرار اعطت عربتها للسيدة وحملت طفلتها) ابتسمت زينب، وهمست لأنفال (هذا التصرف يليق بزوار الحسين ...) ، توقفت زينب، نظرت لها انفال فوجدتها مصفرة، سألتها بقلق (هل انت بخير ؟؟) ، عادت زينب تمشي بتثاقل (صداع ... لا تقلقي) لكن مشية زينب بدت ثقيلة، لحظات واقترب مقداد من زينب بعد ان لاحظ تثاقل خطواتها (زينب ... هل انت بخير ؟؟) ، ابتسمت وهمست (مجرد صداع ... لا تقلق) ، ابتعدت انفال لتترك مقداد يماشي زينب، مع كل خطوة بدا الطريق يغيم في عيني زينب، كانت تفتح اعينها على اتساعها، ولكن هيهات، في النهاية، تهاوت على الارض فتلقفها مقداد بذراعيه، لمس جبينها، فوجده حارا، تجمعت السيدات حولها بقلق، احتضنتها ام احمد وهي تردد (باسم الله ... ما بك يا زينب ؟؟) توقف الجميع محتارا، وكان القرار حازما ... تركب زينب باص لتصل كربلاء او تبقى زينب في الاستراحة القريبة لترتاح وتستعيد قوتها ... ثم تمشي وتلتحق بالركب ... هتفت زينب معترضة بصوت ضعيف (ارجوكم لا ترسلوني بالباص ... اتركوني ارتاح والتحق بكم ... سأستعيد قوتي واكمل الطريق) ، هتف مقداد (سأبقى معها ثم نلحق بكم) احتضنت ام احمد زينب وهتفت (وانا سأبقى معها أيضا) ، شكرها مقداد وقال لها (يمكنك الذهاب يا خاله، لا داعي لأن تتأخري معنا) ابتسمت الحاجه (زينب تحتاج سيده معها ... كل تأخيره فيها خيره يا ولدي) ، انطلق الركب وهو يدعو بالشفاء لزينب ، التي كانت تبكي حزنا ومقداد وام احمد يواسونها ويشدون من ازرها ، بعربه خشبية قديمة اخذوها من احد المنازل القريبة نقلوا زينب لأقرب استراحة ، كالعادة كان هناك مستوصف صغير للطوارئ الطبية ، استقبلوا زينب بكل اهتمام ، كانت ام احمد مع زينب ، تخرج تطمئن مقداد عليها ، ثم تعود لتحتضنها بحب وتدعو لها بالشفاء ، كان وجود ام احمد عونا عظيما لمقداد وزينب ، بدت كالأم لهما بعطفها وحنانها ، في المساء رن هاتف ام احمد ، كان ولدها احمد يبكي معتذرا طالبا المغفرة .. استسلمت ام احمد للبكاء رحمة بوحيدها وفرحة بعودته اليها ... لقد نالت مرادها قبل ان تنتهي رحلتها، ما اكرمك يا الله ... وما أعذب المسير اليك يا ابا عبد الله.
ذهبت حمى زينب مع هموم ام احمد ... كان اتصال احمد كالبلسم لقلب امه الجريح ... بدت اكثر قوة وتفاؤل ... اما زينب فكانت تجتهد لتستعيد صحتها خلال الساعات القليلة القادمة ، لا تريد ان تضيع المزيد من الوقت ، مقداد استطاع ان يراها بعد ان اخرجوها من خيمة النساء الطبية ، لتستريح في خيمة خارجيه ، لن تنسى زينب ابدا قلقه عليها ، همست له بصدق (لا تخف علي انا بخير ، صدقني) ، مد كفه وقبض على كفها الصغير ، وهمس(كنت مرعوبا عليك) ، لم تسحب زينب هذه المرة يدها ، بل تركتها في يد مقداد تستمد منه الحب والمودة ، شد قبضته على يدها وقال (لا اتخيل العالم بدونك) ابتسمت وهمست(لقد اخرتك عن المجموعة) اجابها (لم نتأخر .. كل ما هنالك اننا سنصل بالوقت المقدر لنا ... كل تأخيره وفيها خيرة) ، ابتسمت زينب وهتفت(اشعر اني افضل حالا .. لنكمل المسير) ، نظر مقداد للسماء ثم قال
(اقترب موعد الغروب، ارتاحي الليلة وغدا ان شاء الله نمشي مع الفجر) ، همست زينب (ان شاء الله) ، اقتربت منهما ام احمد ، بدا وجهها مشرقا ، حركتها خفيفة احتضنت زينب وهتفت (كيف حالك يا وجه الخير) بادلتها زينب الحب وهي تحمد الله وتشكره ، رن هاتف مقداد (الحمد لله .. نحن بخير ... زينب افضل ... ماذا؟؟؟... لا حول ولا قوة الا بالله ... لا حول ولا قوة الا بالله) ، جمدت زينب في مكانها مرعوبة هتفت بمقداد (ماذا حدث؟؟) اما ام احمد فقد كانت تبسمل وهي خائفة، استرسل مقداد (الجميع بخير ؟؟ الحمد لله ... الله يشفيه ... الحمد لله) اغلق هاتفه والتفت لزينب وام احمد (تفجير ارهابي بقرب موكبنا ... لكن الله لطف) ، تفاجأت زينب، اما ام احمد اجهشت بالبكاء وهي تردد (هل اصيب أحد؟) ، )الشاب الذي كان يردد الاناشيد، لكن الحمد لله اصابته طفيفة، لقد حفظته رحمة الله( رفعت زينب رأسها ودمعه ترقرقت بعينيها (ليتنا كنا معهم) ، ابتسم مقداد (الست خائفة؟؟) هتفت زينب بصدق (لا والله ... كل شيء في سبيل الحسين يهون، ارواحنا له الفداء) نظر مقداد للأفق وهمس (لا يزال الطريق امامنا ... الارهاب يحيط بنا ... ان فاتنا تفجير فلعل آخر ينتظرنا) ، ابتسمت زينب وهمست (ما أعذب الشهادة في حب ريحانة رسول الله) ، ابتسمت ام احمد (ان وصلنا نفوز بلقب ماش على درب الحسين وان فجرونا فزنا بلقب شهيد على حب الحسين) ، همس مقداد (ارتاحوا الليلة ... وغدا من الفجر سننطلق ... مجنون من يظن ان عشاق الحسين يرهبهم تفجير او تقتيل) .♡ 

خطوات الأجنحة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن