♡الحلقة الثامنة♡
بدأت الرحلة ، كان مقداد قلقا على زينب ، لم ينس ان يمنحها هاتفا نقالا بخط عراقي ، قال لها (بظهره ألصقت رقم هاتفي) ، استغربت وسألته(ولماذا احتاجه ، انت دائما معي) ، ابتسم مقداد (تحسبا للظروف ، احرصي على شحنه في نقاط الاستراحة) ، دست الهاتف بحقيبتها ، وهي تشد خطواتها مشيا ، همس مقداد (استرخي ، امشي بهدوء ، لا تستهلكي طاقتك ، لايزال الطريق بدايته) ، قربت خطواتها فبدت مشيتها اكثر هدوءا ، بين فينه واخرى يلتفت لها مقداد قلقا ، كان يعلم ان زينب لم تعتد مثل هذه الرحلات ، كان يخشى ان تصاب بإنهاك مفاجئ ، اما زينب فقد كانت تتأمل رفقاء الرحلة ، لفت انتباهها تفاوت الاعمار ، شيخ كبير معه حفيده ذا الاثني عشر عاما ، زوجان في ريعان الشباب معهما طفله في الرابعة من العمر اجلساها في عربة الاطفال ، سيدة عجوز تلهج بالدعاء وتتوكأ على العصا ، (ما الذي جمعهم؟) سأل مقداد زينب وهو يلاحظ تأملاتها، اجابته (حب الحسين) ابتسم مقداد واشار الى نقطه سوداء بعيده، ركزت زينب وبدأت النقطة تتسع، ركزت اكثر .. انها جموع بشريه ..
تشد الخطى بعزم، همس مقداد (انها قوافل المشاية، دقائق ونلتحق بهم) ، كانت زينب منبهره، بدأ الجمع يشد الخطى، كالمغناطيس بدأت الحشود تشدهم اليها، هتف قائد المجموعة (لبيك يا حسين) ، هتف الجميع بصوت شق عنان السماء
(لبيك يا حسين ... لبيك يا حسين) ، الجميع احس بقوة غريبه تسري بأوصالهم المتجمدة، الجليد يذوب عنها، انها حرارة حب الحسين ... اندمجت المجموعة الصغيرة بالحشود، خطوات سريعة ، حبيبات التراب تتطاير بين الاقدام ، البرد القارس ، البعض بدأ يلهث ، ولكن بالرغم من كل هذا ، لا تزال العزيمة بعنفوانها ، همس مقداد (زينب .. هل تريدين التوقف) ، هزت رأسها، فأنفاسها المتلاحقة لا تعينها على الكلام، قال مقداد (قريبا سنصل لأول استراحة) ، لم يعلم مقداد ان راحة زينب كانت في هذه الخطوات الحسينية ...
من بعيد لاحت بيوت بسيطة، اندفع سكانها البسطاء وهم يرحبون بالموكب المبارك، اقترب غلام من زينب ومقداد وهو يحمل صينيه عليها كؤوس الشاي الساخن، بدا بخاره المتصاعد في هذا الجو البارد كأكسير الحياة، مد مقداد يده وأخذ كأسا له واخر لزينب، بدت زينب مترددة، الكأس قديم (هل هو نظيف؟) تساءلت بحذر ، رشف مقداد رشفه عميقه
، بتلذذ وهتف (لذييييذ) مد يده لزينب وهتف(لا تخافي ، نحن برعاية الله ، وكل ما يقدم للمشاية محاط بالبركة ، كل شيء هنا بإسم الحسين) ، مدت زينب يدها وبالرغم من قفازها السميك شعرت بحرارة الشاي تلامس كفها فتبعث شعورا جميلا بالدفء ، ارتشفت الشاي ، وعينا مقداد تنتظر رد فعلها ، ابتسمت وارتشفت رشفة اخرى وهمست ( فعلا لذيذ) اقتربت فتاة صغيره تحمل خبزا ساخنا قدمته لهما (للتو خبزته امي لكم) دون تردد مدت يدها زينب واخذت خبزتان لها ولمقداد همس مقداد بمكر (هل هو نظيف؟) ، ضحكت زينب بخجل بينما مقداد يقضم لقمة كبيره يلحقها برشفة شاي ، كان سكان المنازل يخدمون المشاية بتفان ، الكل يرجونهم ليستريحوا في منازلهم البسيطة ، عجوز ربطت ظهرها وتهتف (فدوة لكم انا .. تفضلوا لمنزلي) ، ولكن الطريق لا يزال ببدايته، التوقف سيكون عند صلاة الظهر، لا يزال امامهم ساعة، بدت جموع المشاية تتحرك، اصحاب المنازل يودعونهم، الاطفال يركضون خلفهم ويصرخون (لا تنسونا بالدعاء...) ، بدا الجميع كأسرة واحده ... رفعت زينب كفها تودع الاطفال بحب، ابتسم مقداد وهمس (انهم يفتخرون بخدمة المشاية) ... تأملت كلماته زينب (حقا انه لفخر عظيم... خدمة ابي عبدالله الحسين ...) همست بإعجاب، بدت الخطوات تعود لقوتها ، الجموع تزحف وفي كل مرة يلتحق افراد جدد ، رايات حمراء وسوداء وخضراء ، هتافات حسينية ترتفع بين فينة واخرى ، بدا لها كأن القيامة قامت .. انه يوم الحشر ... ولكن الجميع يزحف إلى جنة الحسين عليه السلام.
الاستراحة المنتظرة ، كانت عباره عن منزل كبير اتفق معه صاحب الحملة ليستقبل مجموعته ، صاحب المنزل رحب بالرجال اما زوجته فتولت امر النساء ، ادخلتهم لغرفه كبيره ، الغرفة نظيفة توزعت فيها المراتب والمخدات لمن يرغب بالاستراحة، سجادات الصلاة مفروشه ، كل شيء بدا قديما ، ولكن نظيف ومرتب ، بدا واضحا ان اصحاب المنزل بذلوا ما باستطاعتهم لأجل ضيوفهم ، توضأ الجميع ، جلست المرأة العجوز التي كانت تتأملها زينب بالرحلة للصلاة ، لحظات وارتفع صوتها بالبكاء ، التفت لها الجميع ، اقتربت زينب وهمست بحنان(ما بك يا خاله .. لم كل هذه الدموع؟) ، بألم اجابت (تذكرت وحيدي... احمد ... كان يجب ان يكون معي، ولكن ...) اجهشت العجوز بالبكاء، همست فتاة كانت تقف بجانب زينب (رحمه الله) فهبت العجوز لتهتف (اسم الله على احمد!)، استغرب الموجودون، بخجل همست الفتاة
(اعتذر ياخاله، ظننته ...) تنهدت العجوز، قدموا لها كأسا من الماء بعد الغداء ، وزعت صاحبة المنزل عليهم الشاي ، (احمد لم يكلمني منذ اربع سنوات) ، قالتها العجوز وقد فاض فيها الكيل ، التفت الجميع لها متعاطفا فاسترسلت بصوت مبحوح (خرج غاضبا بعد ان عاتبه والده لانقطاعه عن الدراسة .. اربع سنوات لم يكلف نفسه ان يكلمنا ... حتى عزاء والده لم يحضره( ... انزعج الجميع من تصرف احمد، همست احدى السيدات )حسبي الله و ...( قاطعتها الام العجوز (لا... ارجوك لا تدعي عليه) ... انهمرت دموع الام الطيبة (الله يهديه... الله يهديه ...حتى عند وفاة والده، قبلت يد زوجي وانا ارجوه ان لا يموت غاضبا عليه ... لن يقبل الله صلاته وصيامه ... الله يهديه ...احمد طيب ولكنه الشيطان ... الله يهديه) ، احتضنت زينب العجوز وهمست فتاة صغيره (كلنا اولادك وبناتك يا خاله ...كفكفي دموعك) ، ابتسمت العجوز الطيبة ... قررت زينب ان تعتني بالعجوز في هذه الرحلة ولم تعلم ان قرارها هذا فتح لها باب فرج لم يكن متوقعا ...يتبع..
أنت تقرأ
خطوات الأجنحة
Romanceلماذا أصر الحاج ابراهيم على تزويج وحيدته(زينب) من (مقداد) الشاب المكافح البسيط؟؟ ما السر وراء صمت مقداد وقبوله لجفاء زينب معه؟؟ هل سيستمر عناد زينب وغضبها ام ان هدية والدها ستغيرها ؟؟ من وحي الأربعين . من وحي اسرار الزيارة الحسينية المليونية .. اقدم...