في النجف كان يرقد جسد امير المؤمنين عليه السلام، اماالكوفة فهي التي تحمل عبق انفاسه الطاهرة وآثار خطواته المباركة، في كل زاوية من زوايا مسجد الكوفة قصة وحكاية، تدخل المسجد فيخيل لك ان تاريخ البشرية مر من هنا، انبياء اختاروا ان يتركوا بصمتهم في هذه البقعة الكريمة، تنظر للمحراب، وتعود بذاكرتك لتلك الليلة الدامية، اغمضت زينب عينيها فسمعت الصوت يشق عنان السماء "فزت ورب الكعبة ". خرج الجميع متجهين لبيت الامام علي الذي لايزال في مكانه ، مع كل خطوة كانت زينب تتخيل الهاشميين وهم يحملون الامام علي عليه السلام ، وقد تعرض للضربة المشؤومة ، يركضون به لبيته واسرته وعندما اقتربوا من بيته امرهم ان ينزلوه من على اكتافهم حتى لا ترتعب ابنته زينب عليها السلام عندما ترى الجبل الاشم محمولا على الاكتاف ، يا لعظمتك انسانا وابا يا علي ..البيت المبارك ، بسيط ، غُرَفَه الصغيرة ضيقه ، حتى لتشعر بالخجل من بيوتنا التي تفيض بالكماليات ونتملل منها ، عند اعتاب البيت وجدت زينب مقداد جالسا يتأمل ليل الكوفة، جلست بجانبه اشار لها الى طرف الكوفة وقال (هناك النجف .. تخيلي زينب الامام الحسن والامام الحسين عليهما السلام وهما يحملان جسد ابيهما ليدفناه هناك) ، باستغراب همست زينب (المسافة طويله!) ، هز مقداد رأسه موافقا وقال (لابد ان الامر كان اعجازيا، سبحان من بيده مقاليد الأمور) الهواء كان باردا ومنعشا... يبتسم مقداد ويهمس (زينب..
كثيرا ما دعوت الله ان يبارك لي في اسرتي المستقبلية وانا في هذا المنزل المبارك الذي اجتمعت به أسرة امير المؤمنين) احنت زينب رأسها وقد فهمت مقصد مقداد الذي همس (اليوم تيقنت ان الله استجاب لي دعواتي) ، من بعيد ارتفع صوت صاحب الحملة يدعو الزوار لركوب الباص، سيعودون للفندق بالنجف، فغدا سينطلقون مشيا لابي عبد الله الحسين عليه السلام.الساعة تقترب من منتصف الليل، ليل النجف البارد، عاد الجميع من الزيارة الوداعية لأمير المؤمنين عليه السلام، الكل كان يردد "يا مولاي العودة .. العودة".. زينب التصقت بالباب المؤدي للضريح وقد اجهشت بالبكاء تدعو الله ان لا تكون الزيارة الاخيرة، أهكذا كان حال آدم يوم غادر الجنة؟ كان يوما طويلا ، أوى الجميع لأسرتهم ، ومقداد كان منهم ، سأل زينب ان كانت تحتاج شيئا ما ، شكرته ، فارتمى على سريره وسرعان ما ارتفع صوت غطيطه ، نظرت له زينب
، لأول مرة تلاحظ ان ملامحه ليست بتلك الحده التي اعتقدتها ، بالعكس يبدو وسيما بلحيته السوداء المرتبة ، مسكين مقداد ، كم تحمل مزاجها المتقلب وعصبيتها، اخرجت مصحفها وفتحته ، كانت صورة لوالدها دستها فيه ، نظرت للصورة بشجن ، تمنت لو انها وافقت على مقداد دون تذمر ، لابد ان اعتراضاتها تركت اثرا في قلب والدها الحبيب ، همست بصدق (سامحني بابا) قبلت الصورة ودمعه ساخنه تفر من عينيها ، لعل مقداد ليس بذلك السوء الذي صوره غرورها لها ، قامت عند نافذة غرفتها تتأمل سكون الليل، من بعيد تلوح القبة الذهبية لأمير المؤمنين ، بدت كأنها تواسي زينب التي همست بأعماقها (كانت ولازالت الناس تلجأ اليك سيدي في الملمات حتى اصبحت حلال المشاكل ، وانا اليوم احتاج عونك سيدي ، أسأل الله بالمقام الرفيع الذي لك لديه ان يمنحني الشجاعة لأبدأ صفحة جديده مع مقداد ، ويمنحه القوة ليغفر لي غروري وتكبري عليه) تذكرت زينب ان المسافر يعتذر لمن اخطأ بحقهم ، فدرب السفر يحتمل الذهاب دون العودة ، وهي الآن في سفرها لأبي عبدالله الحسين ، سفر محمل بالمخاطر ، ألا يجدر بها الاعتذار لمقداد ، ارتجفت لمجرد الفكرة ، الخجل يمنعها ، و الكبرياء يتملكها ، ما الحل ؟ابتسمت وهمست لنفسها (الله اعلم بحالي ، سأعتذر همسا لك يا مقداد) ، اقتربت بحذر من مقداد النائم، وهمست بصوت خافت (مقداد.. انا آسفه) ، ثم ركضت لتندس بسريرها وتغمض عينيها ، جزء منها كان يتمنى ان يكون مقداد نائما ، وجزء آخر كان يتمنى لو ان مقداد سمع اعتذارها ، (تصبحين على خير) همس بها مقداد ، لكن زينب كانت قد نامت اخيرا..
انطلق باص الحملة متجها لحدود النجف الاشرف ، بالرغم من ان تباشير النهار لا تزال في بدايتها ، الا ان الطيبين من اهل النجف كانوا قد بكروا في طلب الرزق ، بعضهم كان يرفع ذراعه مودعا ، بعضهم كان يهتف لا تنسونا من الدعاء
، كل بقعه في النجف بدت دامعه وهي تودع المشاية ، تحملهم الف سلام وسلام لابن سيد النجف ، شعرت زينب بعين الامام عليه السلام ترعاهم ، تستودعهم رحمة الله ، فالمودِع علي بن ابي طالب والوديعة عشاق الحسين والمستودَع الله تعالى ، يالها من رحلة مباركه. توقف الباص اخيرا ، نزل الركاب ، انها بداية الرحلة ، البرد شديد ،
والرياح تعصف وكأنها تختبر صمود من يقف بوجهها ، شد الرجال معاطفهم بقوه ، اما النسوة فقد اقتربن من بعضهن البعض يلتمسن دفئا مستحيلا ، توقف صاحب الحملة وبدأ يشرح للمشاية اهمية الالتزام بالمجموعة ، واذا شعر احد بالتعب فعليه بأخبار الشباب العاملين بالحملة ، والذين لن يقصروا بمد يد المساعدة ، ثم نظر صاحب الحملة للوجوه التي تطالعه بترقب ، ادار عينه بينهم ، ابتسم وقال (سنرى من سيصمد ويكمل الرحلة ويفوز بتسجيل اسمه بين المشاية !) ، اثارت كلمته الاخيرة حماس الجميع ، رفعت زينب رأسها وهتفت بمقداد(سنصل ان شاء الله) ، ابتسم لها مقداد راحما ضعفها (زينب اذا شعرتِ للحظه انك لا تستطيعين اكمال الرحلة مشيا ، فإن هناك باصات تنقلك لكربلاء) ، بتحد هتفت زينب (لن احتاجها ، ربما تحتاجها انت يا مقداد) ،ابتسم مقداد وهمس( عنيدة ...) صمت ولم يكمل كلامه ابتسمت زينب وهمست(ماذا؟؟) ، همس وهو يلتفت لصاحب الحملة(انتبهي للنصائح ، قد تحتاجينها) ابتسمت زينب وهي تراه يغير موضوع حوارهما ، احد الشباب رفع راية سوداء ضخمه مكتوب عليها بالخط الاحمر "يا حسين" وهتف بصوت جهوري (توكلنا على الله) ، انطلق الركب مستعينا بالله ، ليؤدي واجب التعزية لرسول الله وهو لا يعلم ما يخفيه الطريق من حكايات...يتبع في الحلقة القادمة
أنت تقرأ
خطوات الأجنحة
Romanceلماذا أصر الحاج ابراهيم على تزويج وحيدته(زينب) من (مقداد) الشاب المكافح البسيط؟؟ ما السر وراء صمت مقداد وقبوله لجفاء زينب معه؟؟ هل سيستمر عناد زينب وغضبها ام ان هدية والدها ستغيرها ؟؟ من وحي الأربعين . من وحي اسرار الزيارة الحسينية المليونية .. اقدم...