part 2

40 3 2
                                    


✰✰✰

- أية إبر؟ سألتني.
- أتعلمين؟ أحيانا عندما تؤول الأمور إلى نحوٍ سيّء، ألا تشعرين بالغصه؟ ألم تتسائلي أين يذهب ذلك الشعور المقرف؟ إنه وبالنسبه لي يتحول إلى إبر، لا شيء يختفي، سيتحول إلى إبره صغيره، قد لا تشعرين بذلك في البدايه لأنهم لم ينغرزوا كثيرا بعد، بالنسبه لي وبوجود ألف إبره اخترقت قلبي لن يزول إحساسي بالألم، لا يمكنني النسيان لأن لا شيء يختفي.
- فعلاً. قالت.
- نعم.
- الإبر ستزول يوماً.
- قد تزول وقد تفجرني.
- هناك شخص سيساعدك.
- لدي شخص لكنني لا أريد منه أن يتعب لأجلي، هناك أحد آخر دوما، لا أعلم ما الذي يعتقده عني لكنني أتمنى أن يمد لي يده بحب ليساعدني على استجماع شتات نفسي، الحائط الطيني في تلك الحفرة سيجف يوما وقد استطيع غرز اظافري في التراب لأصعد ولو قليلا.
- هل أعرف ذلك الشخص؟ سالتني.
- هل هناك أحد اعرفه ولا تعرفينه؟
- نعم.
- من؟
- أنت.
- لا أعرف نفسي أيضا.
- لا أحد يعرفها إذا؟
- بلى.
- ليو؟
- أعتقد وأتمنى.
- ماذا عن الشخص الآخر؟
- إذا استطعت إخباره بمن يكون لي سأبذل قصارى جهدي لجعله يعرف من أنا.
- أريد معرفه من تكون أيضا.
- تقصدين ما الذي اعتقده عن نفسي؟
- تقريبا.
- أعتقد انني مجرد شخص ضئيل يبحث عن اللاشيء، كنزه في متناول يد الجميع، يحب الأشياء المميزه، سأكون متعجرفاً إن قلت أنني اشعر بالاختلاف عن بقيه الناس..
- لكنك كذلك حقاً.
- هل تجدينني مختلف؟
- بالتأكيد أنت مختلف.
- هل تجدين شيئا بي؟
- نعم.
"هل تحبينني؟" قال الصوت في داخلي.
أيمكنني أن أسالها تلك الكلمتين وحسب؟
كنت أنظر السقف بجوارها. يدي قريبه من يدها.
رن جرس المنزل.
نهضت بسرعة عن السرير وهبطت للأسفل.
فتحت الباب.
ارتسمت ابتسامه عريضه على وجهي.
- روز! قلت واعطيت أختي الكبيره في التبني حضنا.
- أتعلم، لقد بدأ الصيف أخيرا، لم أركم لفتره طويله، كنت مشغوله حقا بالدراسه من أجل الجامعه، علي العوده بعد شهر ونصف، أين أمي وآندي؟ قالت.
- خارج المنزل.
- مجدداً؟
- أعتقد.
هبطت ايمي من السلالم.
رأت روزلين لتقفز بجوارها.
- هييه، إيمي يا فتاة ستأتين معنا بعد يومين صحيح؟ هتفت روز بسعاده. هي وايمي كالشقيقتان.
- هل هناك رحله مجددا؟ بالطبع سآتي لكن ذلك الأحمق لم يخبرني.
نظرتا إلي.
- وما أدراني؟ قلت وأنا احمل حقائب روز واحملها إلى غرفتها القديمه.
- أنت تعلم في بدايه كل صيف، نذهب إلى الريف للمزرعه عند جدتي. أنت تعرف تلك الأجواء.
قلبت عيناي.
- نعم نعم. قلت.
ليس الأمر وكأنني لا أحب الذهاب إلى الريف، أنا أحب ذلك حتما. أحب جدتي أيضا وزياره قبر جدي الذي كان الوحيد الذي يحبني من البالغين.
الأمر المزعج هو أن تلك العائله - وإن كانت تحبنا جميعا حقاً- هي عائله من كان يجب أن ادعوه أبي، لقد انفصل ذلك الرجل عن أمي بسببي. عائلته كرهته وأحبتنا، قريبا سيخرج من السجن. كلما رأيت صوره له تذكرت السجائر التي تركت دوائر حمراء صغيره على ذراعي.
أحاول دوماً عدم التفكير بالأمر برمته، أحب ظهور الغسق مع النجوم هناك، احب رائحه العشب النضره والكلب الذي اخترته مع جدتي عندما ذهبنا إلى مأوى الحيوانات في المدينه قبل أربعة سنين. إنه يدعى لوك.
أحب المحاصيل ورعايه الأغنام، أحب الطراز العتيق الذي بقيت عليه مزرعه جدتي التقليديه، أحب طعم الزبده التي صنعت للتو وأحب حليب البقر الطازج هناك.
لا آلات، فقط أيادي. لو كان بإمكاني العيش للأبد هناك لفعلت.
هناك أيضاً مارجو الصغيره والمزعجه، فتاه في عمر الحاديه عشره ربيعا، تطمح لإتقان تعاويذ سحريه مختلفه عن البقيه، لقد جعلتني استاذها كوني امتلك نفس شغفها في السحر. لطالما رفضت اعطائها كتبي السحريه.
✰✰✰
- هل حزمت امتعتك كلها؟ سألتني أمي.
-نعم لقد فعلت هلا نذهب الآن؟
أعطتني مفاتيح السيارة.
جلست روز بجوار مقعد السائق وجلس آندي خلفه.
أتت ايمي وركبت معنا السياره لننطلق نحو المدينه وثم خارجها في طريق استمرت اربعه ساعات ونصف.
كنت أجلس في المقعد الاوسط لأنني اتفقت مع ايمي أن اجلس عند النافذه في طريق العوده.
كانت تتأمل الطريق بينما كنت أنا اتأملها.
أليست لطيفه؟ أليست تلائم الحقول والشمس؟ أليست خصلات شعرها الشقراء التي طارت مع الهواء ناعمه؟
ذلك البريق في عينيها يجعلني أشعر بالاطمئنان، يجعلني أنسى من أكون عليه..
غرقت حتى القاع في أحلام اليقظه، لم أعد عيناي عن الطريق أو عنها، ابتسمت بخمول حتى.
الطريق الوعر أصبح شبه ممهد الآن. مجرد طريق في مسلكين، إنه ضيق وعلى جانبيه أراضي شاسعه.
ركنت أمي السياره امام الجراج ذا الطلاء الأحمر والذي احتل مساحته الضئيله جرار المزرعه.
النسيم الذي يحمله ذلك المكان يشعرني بأنني خالٍ من الهموم. دوما ما خطف النسيم الإبر وترك قلبي ينبض.
هبطت عن السياره، ما لبثت أن تقدمت إلى الباحه الاماميه حتى رأيت لوك وقد قفز علي.
- هل أشتقت إلي؟ هل تفعل؟ نعم وأنا ايضاً. قلت بسعاده غامره موجها كلماتي له، داعبت رأسه وتركته يلعق وجهي ويدي. إنه الآن يعض ذراعي، ليس لإذائي فقط للمرح والتعبير عن سعادته.
- أنظر إليك، دوما ما تصير سعيدا هنا! قالت عائلتي لي.
تظاهرت بأنني لم اسمع منهم شيئا.
أخذت حقائبي للداخل بينما تبعني لوك.
صعدت إلى العليه الضيقه والتي حولتها إلى غرفه لي بعد أن أخذت الاذن من جدتي، لست مستعدا للنوم مع أمي في نفس الغرفه، لست مثل آندي أيضا، إنه ينام على الكنبه.
لسنا نأتي في المناسبات الكبيره لدى جدتي، إنها فقط أسبوع في أول الشهر، فصل الصيف والربيع وأحيانا الخريف.
من يأتي إلى هنا أيضا في المناسبات الصغيره هم النساء والأطفال. اما الفتيان والفتيات في مثل عمري فهم يبقون مع آبائهم في المنزل إن كانوا لا يريدون القدوم.
لم آتِ يوما في أحد المناسبات الكبيره سوى في جنازه جدي.
- ما الذي ستعلمني اياه اليوم يا توم؟ قالت لي مارجو ذات الشعر الأحمر والنمش الخفيف.
- لاشيء. اجبتها.
- لماذا؟ لقد اتقنت عمليه تحويل الشرنقه إلى فراشه في غضون عشره دقائق.
- حقا؟ ذلك عظيم.
- لكنه تافه. قالت.
كنت انظف غرفتي وأحاول فتح النافذه المستديره التي فشلت في إصلاحها.
- لا يزال عظيما، يمكنك التحول إلى أشياء أكبر، جربي الشيء نفسه على شجره، تأكدي من أن يكون المكان خاليا لا بجوار منزلك.
- هل ستأتي إلى منزلنا في يوم من الأيام؟ سالتني.
- لم تعتقدين ذلك؟
- لأنك لم ترَ أبدا أختي الكبيره ولم يراك أبي، لطالما سألوني عن الشخص الذي علمني اشياءً مختلفه وأجبتهم بانه أنت لكنهم لم يعرفوك، وحتى في المدرسه لقد سألني الطلاب والمعلمه عن من تكون.
- آه، لا استطيع.
- لماذا؟ أنت حتى لا تأتي في غير هذه الأيام. ولا أتذكر شكل والدك أصلا.
- إنه ليس والدي. تمتمت.
- ما الذي قلته؟
- لا شيء. فقط إنه.. إسألي أمي عنه لا شأن لي في عمله.
فتحت النافذه اخيرا.
السماء كانت ستعلن ظهور القمر بعد قليل.
- سنشعل النار اليوم، أليس ذلك عظيما؟ سنشوي حبات حلوى الخطمي وايضا الذره.
-ماذا عن الدجاج؟
نفضت الغبار عن سريري ثم عطست.
- إسأل جدتي.
- علي النزول لإلقاء التحيه عليهم بالأصل.
...
ما لبثت بالأسفل حتى كنت أحيط البقعه التي سنشعل فيها النار بالحجاره حتى لا تنتشر.
كنا بعيدين قليلا عن المنزل.
جلست إيمي قبالتي.
حدقنا ببعضنا البعض بينما النيران تنعكس في أعيننا.
أعطتني أمي حقيبه الجيتار الخاص بي.
- لم أحضرته هنا؟ تذمرت.
- لأنهم طلبوا ذلك. أجابتني أمي.
نظرت لها بغضب.
- كان عليك إخباري.
ضحكت لي وذهبت لتجلس عند جذع الشجره العجوز الذي سقط السنه الماضيه.
طلبوا مني عزف عده أغانٍ قديمه، كانت جدتي هي من فعلت. ولن أرفض لجدتي أي طلب كان.

لا فائدهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن