المشهد الثاني

57.5K 2.2K 744
                                    


انحرف عن الطريق السريع، بعد قيادة متواصلة، لما يقرب من الساعتين، لينتقل إلى ذاك الآخر الموازي للشاطئ، وهنا تبدلت الملامح المتعبة لأخرى منتبهة، مهتمة بمتابعة المشهد الخلاب. انعكست زرقة الأمواج المتتابعة في حدقتي "تقى"، وزادت من البريق المغري فيهما، بدا الإعجاب واضحًا على تقاسيمها، حين التفتت نحو زوجها تسأله:

-إيه المكان ده؟

أجابها بابتسامةٍ صغيرة:

-عجبك؟

على الفور ردت في حبورٍ شديد:

-ماشاء الله جميل جدًا، بس احنا بنعمل إيه هنا؟

بغموضٍ جاوبها وهو يومئ بإشارة من طرف عينه:

-هتعرفي دلوقتي.

دقائق أخرى، انقضت على كليهما، على نفس الطريق المُمهد حديثًا بالأسفلت، إلى أن أبطأ "أوس" سرعة سيارته ليعرج ناحية إحدى بوابات هذا المنتجع السياحي اللافت للأنظار، والخاطف للأنفاس بتصميمه الخرافي. نظرة خاطفة ألقتها "تقى" على رجال الأمن الذين استقبلوا زوجها باحترامٍ شديد، يليق بشخصه المهيب، حين أخفض الزجاج الملاصق له، لتتضح هويته لهم. أرشده أحدهم نحو طريق آخر جانبي ليسير عليه، وما هي إلا لحظات حتى توقف كلاهما أمام إحدى الفيلات المنعزلات نسبيًا عن باقي المباني، مع فارق أنها تقع ضمن نطاق المنتجع. أوقف السيارة عند المدخل، ثم أخفض زجاج سيارته مجددًا، ليمد يده نحو إحدى اللوحات المعدنية، أدخل رقمًا سريًا فيه، على إثره فتحت البوابة العملاقة المصنوعة من الحديد والزجاج الداكن. أعاد قيادة سيارته عابرًا الحدائق الخضراء التي تحاوط بالفيلا، إلى أن استقرت في النهاية عند بوابتها، حينها فقط حلت "تقى" حزام الأمان، وترجلت منها، لتتطلع بعينين مبهورتين للون الأبيض الممتزج بالأزرق، حيث تم طلاء الفيلا بهما، استدارت في حماسٍ نحو زوجها لتجده تقريبًا يقف إلى جواره، بعد أن تخلى عن مكانه، سألته في اهتمام:

-دي بتاعة مين يا "أوس"؟

ظهرت ابتسامة من ذاك النوع الذي لا يقاوم على زاوية فمه، قبل أن يجيبها:

-بتاعتنا..

ثم التف ذراعه نحو خصرها ليضمها إلى صدره، وهو يتابع موضحًا:

-لما نحب نصيف أو نغير جو هنيجي هنا.

رفرفت بعينيها بنفس الانبهار البادي عليها، وسألته بتلهفٍ:

-بجد؟ يعني ده الشاليه بتاعنا؟

هز رأسه بإيماءة خفيفة قبل أن يصحح لها، بنوعٍ من المزاح:

-ممكن نسميها فيلا "الجندي".

أضافت بتنهيدة متشوقة:

غسق الأوس ©️ - ليلة دافئة - كاملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن