المشهد الحادي عشر - الأخير

54.8K 2.3K 713
                                    


عرفت خلال تأملها الشـــارد عبر الزجاج، لأمواج البحر المتكسرة على حاجز مبنى "البلازا"، أن لحظات التعاسة غير دائمة، مثل لحظات الفرحة أيضًا، كلاهما يمران على الإنسان ليختبر معنى الألم والسعادة، ووحده من يقف إلى جوارها في أشد لحظاتها ضعفًا، وفي أكثر لحظاتها فخرًا. التفتت "تقى" ناظرة نحو زوجها، متخلية عن تحديقها المستمتع، حين سألها بنبرة جافة:

-هي دي اللي ضايقتك؟

ارتعبت من رؤية المرأة المتحرشة بها تنساق خلف أحدهم، بشكلٍ شبه مذل، قبل أن يدفعها للجلوس على مقعدٍ بعينه؛ وكأنها على وشك المحاكمة، دققت النظر في ملامح زوجها الخالية من لمحات العطف، كانت على علمٍ مسبق بشراسته المميتة، وحتمًا لن يمرر ما حدث على خير، لذا على الفور اتجهت إليه، وتعلقت بذراعه، نظرت في عينيه برجاوات غريبة، وتوسلته بأنفاسٍ متهدجة:

-"أوس"، بلاش تأذيها، أنا مسامحة في حقي.

قال بوجومٍ لم تستلذه:

-اللي يريحك...

ثم تحولت أنظاره نحو "لميس"، وتابع بقساوة جزعت منها:

-بس حقي مابسمحش فيه.

هتف الرجل الذي استقر على المقعد المجاور لزوجته المخطئة يستعطفه، في محاولة أخيرة يائسة، عله يصفح عنهما:

-يا باشا، كانت غلطة، استحالة تتكرر تاني.

أشـــار له "أوس" بسبابته ليخرسه بصوته الأجش:

-ولا كلمة ..

وجهًا آخرًا مألوفًا تعرفت إليه "تقى"، انضم للمتواجدين؛ كان المحامي الخاص بزوجها، رأته يتحرك صوب الرجل، ومعه ملف ما، أسنده على الطاولة ليفتحه قبالته، ظهرت بعض الأوراق أمامه، ومعها قلم حبري، فأمره مشيرًا بعينيه:

-امضي على الورق وإنت ساكت.

لم تمضِ الليلة السابقة إلا وقد بات زمام أمر هذا الرجل تعيس الحظ، وزوجته الفظة، في يدِ من لا يشفق على المخطئين؛ وكأن بابًا من الجحيم قد فتح على مصرعيه، كل أسراره، خباياه، مواطن ضعفه وقوته، أصبحت متاحة للتصرف وفق رؤية صاحب السلطة هنا، والكلمة الأخيرة؛ "أوس الجندي". اعترض الرجل بتبرمٍ، وجسده يتلوى في حسرة:

-بس كده حرام، ده معناه إني هاخسر كل ما أملك.. صعب أمضي على الورق ده.

علق المحامي بعدم اكتراثٍ، وهو يغلق الملف:

-براحتك.

سلط "أوس" أنظاره عليه مطولاً، لينطق بعدها بلهجته النافذة:

-سيبه، وهنمشيها قانوني.

أيده محاميه في رأيه موضحًا باستفاضة مخاطر رفضه:

غسق الأوس ©️ - ليلة دافئة - كاملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن