الجزء 48 {1}

5.6K 153 6
                                    

الحلقة الثامنة و الاربعون الجزء 1

طريــــق الهـــلاك

رتبت للسفر إلى الشمال من جديد في يوم الغد, الخميس على أن أعود ليلة السبت. كان لا بد من العودة إلى أروى وحل المشاكل العظمى معها.. وقد كنت مداوما على الاتصال بالمزرعة غير أنها تهربت من مكالماتي ولم يصف لي عمي إلياس عنها حالا مطمئنة. وصلت الخادمة إلى منزلنا هذا الصباح وسأكون مطمئنا للسفر وتركها للعناية برغد, مع أخي. الانسجام التام يسود علاقتهما والمسافة بينهما تصغر... وأجد نفسي مضطرا لتقبل الوضع إذ لا خيار أفضل عندي... "أخيرا انتهينا". قلت وأنا أغلق آخر الملفات خاتما عمل هذا اليوم, والذي كان طويلا مرهقا... ابتسم السيد أسامة وقال: "أعطاك الله العافية". "عفاك الله, شكرا على جهودك". شد السيد أسامة ابتسامته وقال: "لا شكر على واجب". ثم قال: "بهذا نكون قد انتهينا من هذا المشروع على خير ولله الحمد. هل بقي شيء؟" فأجبت: "لا. ولا أريد أن نبدأ عملا جديدا قبل أسبوعين على الأقل. أريد أن أسترخي قليلا". فقال: "أراحك الله. إذن.. ليس لديك عمل شاغر هذا المساء". قلت: "سأنعم بنوم طويل وهانيء يريحني قبل السفر". فقد كنت خلال الأسبوع الماضي أعمل ليلا ونهارا... وأسهر حتى ساعة متأخرة على حاسوبي وبين وثائقي. كان أسبوعا حافلا جدا. قال السيد أسامة: "هل يناسبك أن أزورك الليلة؟" فنظرت إليه.. وابتسمت وقلت: "مرحبا بك في كل وقت.. تشرفنا أنّى حللت". فقال: "الشرف لنا يا سيد وليد. شكرا لك. إذن سنزورك أنا وأخي". قلت: "على الرحب والسعة". وعندما عدت إلى المنزل أخبرت شقيقي عن الضيوف وطلبت منه العودة باكرا ليستضيفهم معي. وفي العصر اصطحبت رغد إلى الطبيب الذي كان يشرف على علاجها قبل سفرها إلى الشمال.. فأعطانا موعدا لنزع الجبيرة بعد نحو أسبوع. وفي المساء حضر السيد أسامة مع السيد يونس, يرافقهما الأستاذ عارف,ابن أسامة الأكبر, والذي تعرفت إليه في المعرض الفني يوم أمس. قضينا مع الضيوف وقتا طيبا تجاذبنا فيه الأحاديث الممتعة وتبادلنا التعارف أكثر وأكثر.. وقد سر الأستاذ عارف كثيرا عندما اكتشف معرفته المسبقة بسامر ولم يكن قد ميزه مباشرة لأن أخي قد أجر عملية تجميل في عينه اليمنى, والتي كانت مشوهة منذ الطفولة. وجيء بذكر المعرض الفني الذي انتهى يوم أمس وعلق سامر بأنه سمع لأن لوحات الأستاذ عارف كانت مذهلة. واتخذ الحديث مجراه حول المعرض ومهارة الرسام عارف وكيف يعلم طلبته في المدرسة وكيف هي علاقته بهم وبزملائه المدرسين والفنانين وبأصدقائه ومعارفه وما إلى ذلك.. حتى خشيت أن يكون الأستاذ مصابا بداء الغرور أو أن أباه وعمه مولعان به لأقصى حد! دار الحديث عن عارف وك أنه نجم السهرة! لم أجد تفسيرا لهذا الاستعراض الغريب إلى أن فوجئت بالسيد أسامة يقول: "سيكون من دواعي سرورنا وتشرفنا أن نناسبكم". دقت نواقيس الخطر في رأسي فجأة... حملقت في السيد أسامة بذهول... ثم التفت إلى شقيقي فرأيته لا يقل ذهولا عني... ارتبكت ولم أعرف إلى أين أرسل نظراتي... وإذا بي أسمع السيد يونس يقول: "يشرفنا أن نطلب يد كريمتكم لابننا الغالي عارف... عسى الله أن يوحد النصيب ويجعل البركة فيه". صعقت... ذهلت... شللت فجأة... غاب دماغي عن الوعي... وغشيت عيني سحابة سوداء داكنة حجبت عني رؤية أي شيء... مرت لحظة وأنا في حالة الذهول الشديد... لا أشعر بما يدور حولي... وسمعت صوت السيد أسامة بعدها يقول: "يبدو أن الموضوع فاجأك!" فاجأني فقط؟؟ أتريد أن تفقدني صوابي؟؟ كيف تجرؤ!! تخطب فتاتي مني؟؟ هل أنت مجنون؟؟ هل كلكم مجانين؟؟ ألا ترون؟؟ ألا تسمعون هؤلاء؟؟ شددت على يدي وتمالكت أعصابي لئلا أنكب على الضيوف صفعا... عضضت على أسناني وجررت بضع كلمات من لساني أخرجتها عنوة: "أأ... فاجأتني جدا..." ثم سألت, في محاولة غبية لتفسير الموضوع على غير ما هو واضح: "مــــ... من تعني؟؟" تبادل السيدان أسامة ويونس النظرات ثم أجاب أولهنا: "كريمتكم.. ابنة عمك.. ليس لديكم غير ابنة عم واحدة على ما أعرف". التفت إلى أخي فوجدت الاحمرار يلطخ وجهه... كان صامتا متسمرا في مكانه, كتمثال شمعي يوشك على الذوبان... ما بك؟؟ ألا تسمع؟؟ ألا تعي؟؟ يريدون خطبة رغد مني!! هل أضحك؟؟ هل أصرخ؟؟ قل شيئا... افعل شيئا... قال أسامة: "يبدو أن الفتاة لم تخبركما". وأضاف: "فابنتي قد حدثتها حسب علمي". وتابع: "وكنا نرغب في فتح الموضوع منذ زمن ولكن كريمتكم أصيبت وسافرت لفترة... أم عارف كانت ستزوركم لو كانت حرمكم هنا". وتكلم المحامي يونس قائلا: "أردنا أن نؤجل لحين حضورها بالسلامة لكن". ونظر إلى الأستاذ عارف وهو يبتسم متمما: "عارف ألح علينا الحضور الليلة!" فعقب عارف في خجل: "خير البر عاجله". كل هذا وأنا جامد في مكاني.. كالجبل... أحسست بالاختناق... ففتحت ربطة عنقي بعض الشيء وتحسست نحري... كان حار يسبح في العرق... زفرت آخر نفس جبته مع شهقة المفاجأة.. فخرج بخارا ساخنا من فرط اشتعالي.. اهدأ يا وليد.. تمالك نفسك يا وليد.. هؤلاء.. المجانين.. لا يعرفون شيئا.. سايرهم على قدر فهمهم... واحترم كونهم ضيوفك.. اصبر إلى أن يغادروا.. ثم انسف المنزل بمن فيه.. قال السيد أسامة مستدركا ردي: "نقول على بركة الله". أي مبروك يا هذا؟ أمسك لسانك وإلا... وأمسكت أنا بلساني وقلت: "على رسلك.. الموضوع مفاجىءو... لم أستوعب بعد". فقال المحامي يونس: "خذوا وقتكم... الشاب كتاب مفتوح واسألوا عنه من تشاءون. وسنكون غاية في السرور إذا ما توافق النصيب وارتبطت العائلتان بهذا النسب المشرف". ثم تمتم هو وأخوه وابنه بكلام لم يجد في ذاكرتي متسع لتخزينه فضلا عن سماعه أصلا... وأخيرا شكرونا على حسن الضيافة, واستأذنو منصرفين... غادر الضيوف.. مخلفين خلفهم صمتا موحشا... مرت الدقيقة تلو الأخرى.. ونحن.. أنا وشقيقي في حالة تيه وتشتت... كان أحدنا يلقي بنظره على الآخر بين الفنية والفنية.. منتظرا منه أي تعليق, ولا تعليق... أخيرا سمعنا صوت حركة في المنزل.. تحديدا... كان صوت اصطفاق عكاز رغد بالأرضية الرخامية.. وكان الصوت يقترب منا.. حتى توقف.. عند الباب. التفتنا إلى الباب مترقبين ظهور وجه رغد... فسمعنا صوتها يقول: "هل أدخل؟" ولم يجب أيّنا... ثم سمعناها تنادي باسمينا.. ولا من مجيب, فقد أكلت الصدمة لسانينا... ربما شكت رغد في وجود أحد في الغرفة فأطلت برأسها بحذر واندهشت حين رأتنا نحن الاثنين جالسين في الداخل, واجمين وكأن على رؤوسنا الطير... قالت: "ماذا هناك؟؟" تبادلنا النظرات أنا وأخي, ثم تجرأ لساني ونطق: "لا شيء..." لكن رغد وهي تحملق فينا أحست بأن في الأمر شيئا... أو ربما كانت تعرف أصلا ماذا هناك, وتتظاهر بالجهل... ألم يقل أسامة أن ابنته أخبرتها؟؟ قلت: "تفضلي رغد". فسارت بتردد حتى جلست على أحد المقاعد.. ونقلت بصرها بيننا ثم سألت: "هل حصل شيء؟؟ لا تبدوان طبيعيين؟!" وهل تتوقعين مني أن أبدو طبيعيا.. وقد غادر المنزل خاطب لك قبل قليل؟؟ لماذا يارغد؟؟ لماذا تفعلين هذا بي؟؟ لماذا أنت مصرة على الخيانة؟؟ يئست من حسام ففتشت عن غيره؟؟ إنني سأقتله قبل أن يتمكن أي رجل من الوصول إليك... سأقتلهم جميعا... عادت رغد تسأل: "ماذا؟؟" فنطقت أخيرا وعيناي ملؤها الغضب: "رغد.. هل تعرفين من الضيوف الذين زارونا الليلة؟؟" وقبل أن تجيب نطق أخي رادعا: "ليس وقته وليد". تجاهلت كلام أخي, أما رغد فقد ألقت عليه نظرة حائرة ثم عادت إلي وقالت: "كلا... ما أدراني؟؟" فقلت وأنا أعض على لساني: "إنه السيد أسامة المنذر... والد صديقتك". وتفحصت عينيها لأرصد تعبير يظهر منهما دالا على أي شيء... ولم أجد غير الحيرة والتساؤل... قلت بذات الحدة والشرر المتطاير من عيني: "أتعرفين من جاء برفقته؟؟" فهتف أخي بانفعال: "ليس وقته يا وليد دعنا نناقش الأمر فيما بيننا أولا". فالتفتنا إلى شقيقي.. هي تعلوها الحيرة وأنا يجتاحني الغضب... سامر نظر إلى رغد وقال: "رغد عودي إلى غرفتك رجاء". تأملته رغد بقلق ثم نظرت إلي وعلائم التعجب تحيط برأسها من كل جانب... سألت: "ماذا هناك؟؟" فتولى أخي الإجابة قائلا: "لا شيء يا رغد. من فضلك اذهبي إلى غرفتك الآن". وأنا صامت لا أعلق... فتفاقم القاق والحيرة على وجهها ووجهت إلي السؤال: "ما الخطب وليد؟؟" فابتلعت غيضي وحبسته في جوفي وقلت محاولا أن يظهر صوتي لطيفا قدر الإمكان: "عودي إلى غرفتك". وأرادت أن تجادلني ولكنها رأت الإصرار في عيني والشرر المتطاير منهما.. فتراجعت... وقامت وغادرت الغرفة. بعدد ذهابها قام سامر وأغلق الباب ليضمن عدم تسرب صوتينا إليها ثم قال: "والآن... ما موقفك؟" رفعت رأسي إلى أخي وقلت: "أي موقف بعد؟" فقال: "أعني فيم تفكر؟" فأطلقت زفرة ضيق من صدري ومررت أصابعي بين خصلات شعري مشتتا... ثم أجبت: "الأمر..خلف حدود التفكير أصلا... إنما أنا متفاجىء..لم يذكر لي السيد أسامة شيئا.. ولا حتى بالتلميح أو الإشارة.. أنهم يفكرون بهذا..مع أن.. خالتي متوفاة مؤخرا.." قال أخي: "ورغد؟؟" نظرت إليه نظرة مطولة.. شاعرا بأن في صدري خنجرا يغرس وينزع ويغرس مرارا وتكرار... من رغد... سأل: "أتظنها تعرف؟ كما قال أسامة؟؟" زممت شفتي غيظا ثم قلت وأنا أضغط على أسناني أخرج الحروف من بينها: "لا أستبعد.. وارد جدا..." قال أخي: "لا... لا أظن". فرميته بنظرة اعتراض فقال: "رغد لن تفكر في هذا". فقلت وأنا أحاول السيطرة على نفسي قدر الإمكان: "بل تفكر.. والله الأعلم بما يدور في رأسها وما الذي تخطط له.. إنه ليس العرض الأول..." وانتبهت إلى أنني تهورت في الافصاح عما في نفسي.. فسألني أخي: "ماذا تعني.. بأنه ليس الرعض الأول؟؟" وكان الهلع والتعجب يغمران وجهه.. فقلت منسحبا: "لا يهم. الفتاة ليست للزواج على أية حال. والموضوع مستبعدا تماما إلى أن تنهي دراستها الجامعية". وصمتنا برهة ثم سأل أخي وشيء من التردد يلحظ على نبرة صوته: "وبعد ذلك؟" بعد لك؟؟ بعد ذلك ماذا؟؟ لم أجد جوابا لكن نظرات أخي ظلت تطاردني فاضطررت لقول: "لن نفكر الآن فيما بعد ذلك. نترك الموضوع برمته إلى أوانه. الآن.. هي ستدرس فقط وفقط". لم يبدو أن شقيقي اقتنع بالتوقف هنا, كان واضحا في عينيه المزيد من الكلام... وإذا به يقول: "وستنتهي الدراسة ذات يوم.. وربما يقبل عريس الغفلة هذا بالانتظار أو ربما... ربما يزورك عرسان آخرون... هكذا هي الطبيعة..." هببت واقفا من تأثير الكلمة علي... أي عرسان وأي آخرين؟؟ هذا ما كان ينقصني... تابع أخي: "أجل.. فهي فتاة رائعة... ابنة عائلة راقية وعالية الأخلاق وطيبة السمعة.. ولها مواصفات مرغوبة ولن تخطئها العين الباحثة عن عروس مثالية". فرددت بعصبية: "ماا تعني؟؟" فوقف أخي وقال: "أعني أنه سيأتي اليوم المناسب والظروف المناسبة لتوافق على زواج رغد.. مهما طال الأمد فهذه سنة الحياة". رددت بانفعال: "قلت إن الموضوع سابق جدا لأوانه.. لماذا أشغل دماغي في التفكير به أو الحديث عنه؟؟ لم لا ننهي الحوار العقيم هذا؟؟" قال أخي: "أريد أن أعرف فقط... ما هو موقفك من زواج رغد مستقبلا؟" قلت بضيق: "ولم أنت مهتم هكذا؟" فأجاب أخي وقد تبدلت تعبيرات وجهه إلى المرارة.. وفضحت خوالجه قبل أن يفصح عنها لسانه: "لأنني أنا.. أولى بها من أي شخص آخر.. وإن كنت ستزوّجها ذات يوم.. فيجب أن تعيدها إلي". واجتاحت قلبي زوبعة مجنونة.. لفت به مئة مره حول المنزل في ثواني.. بعثرت دماءه على أسواره وجدرانه.. وعادت إلي.. خالية اليدين... كان أخي يحدق بي.. ينتظر ردة فعلي والتي أكاد أعبر عنها بقبضتي... كيف تجرؤ يا سامر..؟؟ ألم تكف الضربة المدمرة التي تلقيتها قبل قليل؟؟ أنت أيضا تتحدث عن أخها مني؟؟ هل خلت الدنيا من النساء.. إلا رغد؟؟ لماذا يريد الجميع سرقتها مني؟؟ هل يستكثرون علي أن أحظى في هه الدنيا بها؟؟ أنا لا أريد من الدنيا شيئا غيرها... إنها خلقت لي أنا... كيف يتجرأون على التفكير في شيء يخصني أنا؟؟ رغد هي فتاتي أنا.. هي جزء مني أنا.. حبيبتي أنا.. حلمي وواقعي أنا.. وستكون وتظل لي أنا... أتسمعون؟؟ لي أنا.. أنا وأنا فقط... كان سامر لا يزال ينتظر ردي.. وإن هو تأمل التغيرات التي اجتاحت قسمات وجهي لأدركَ مدى خطورة جريمته..لكنني أوليته ظهري وخطوت نحو الباب, محاولا الابتعاد قبل أن أفقد السيطرة على يدي.. سامر ناداني: "وليد إلى أين؟" فقلت دون أن استدير إليه: "النقاش منته. ولا تعد لفتح الموضوع ثانية أبدا". لكن أخي لم يستمع لكلامي بل قال متابعا: "أريدك أن تجيبني فقط على هذا السؤال.. هل ستعيدها إلي؟" ثار بركاني لأقصى حد.. ولا بد أنكم ترون الدخان الأسود يتطاير من جسدي... رددت وأنا لا أزال موليا إيّاه ظهري: "سامر قلت لك وأكرر وللمرة الأخيرة... لا تتحدث في الموضوع ثانية, والتزم الصمت أسلم لك". فقال سامر بعصبية: "لن يدوم صمتي طويلا.. لقد تعبت من ها يا وليد.. إما أن تعطيني أملا في أن تعيدها إلي كما فرقتها عني.. وإلا فأنني لن أستمر في العيش معكما وتمثيل دور البليد.. أنت لا تشعر بمقدار ما أعانيه". هنا... انطلقت شياطين رأسي أخيرا وباندفاع جنوني... لا أستطيع السيطرة على نفسي... لا أستطيع... التفت إلى أخي ورشقته بسهام حادة.. ثم سرت نحوه.. وانقضت يداي على ذراعه بعنف... وصرخت في وجهه: "حذرتك من الاستمرار يا سامر... لم أعد السيطرة على غضبي... أنت المسؤول". حاول أخي إبعاد يدي عنه وهو يقول: "أبعد يديك يا وليد... ما الذي يغضبك الآن..؟ كأنك لا تعرف أنني أحبها وأنها كانت عروسي قبل أن تظهر أنت وتفسد كل شيء... أنا لم أتوقف عن التفكير بها". صرخت وأنا أجر أخي ثم أدفع به نحو الباب مستسلما لثورتي: "سأكسر جمجمتك... وأخرجها من رأسك عنوة... وأريحك... أيها المسكين". وبدأ العراك بالأيدي... كلانا استسلم للغضب.. وسلم قبضته لشياطين الجنون.. تبادلنا اللكمات والركلات.. الضرب واللطم والصفع.. وحتى الدوس وشد الشعر والخنق.. كانت ساعة مجنونة.. مجنونة جدا.. أجن من أن نملك السيطرة عليها... مشاعرنا كانت هائجة كأمواج البحر الثائرة في ليلة إعصار عنيف مدمر... أنا سأحطم جماجم كل رجل... يفكر في رغد... كنت أمسك بذراع أخي وألويها بشدة بينما ألصق رأسه بالجدار بقوة وأصرخ: "إن فكرت بها ثانية فسأسوى رأسك بهذا الجدار.. هل فهمت؟؟" ثم شددته ودفعت به نحو المقعد.. وأخذنا نلهث من التعب.. ونتأوه من الألم.. بعد قليل... سمعت نشيج أخي.. ورأيت دمعا يسيل من عينيه فشعرت بها دماء تقطر من قلبي... ذهبت إليه وجثوت إلى جانبه وأمسكت برأسه وقلت بعطف: "أخي.. أنا لا أريد أن أفعل بك هذا.. ليت ذراعي تقطع قبل أن أؤذيك.. سامحني..لكن.. لماذا استفززتني؟؟" وتأملت وجهه المتألم... وقلت: "يجب أن تنساها.. إنها لا تريك ياسامر... لو كانت ترغب بك بالفعل لما أوقفت زواجكما في آخر الأيام.. لما عرضتك لكل ما حصل... رغد لا تحبك.. إنها لا تحبك يا أخي فلا تتعب قلبك". وكان رد أخي أن لكم وجهي لكمة قوية أوقعتني أرضا.. وأدمت أنفي... ثم نهض ومسح وجهه براحتيه وقال: "أنت السبب يا وليد.. ليتك لم تخرج من السجن إلا بعد عشرين سنة من الآن.. ليتك تعود إليه من جديد وتخلصنا من وجودك.. أفسدت حياتي.. حطمت حلمي.. ضيعت مستقبلي يا وليد.. انعم بالحياة من بعدي إذن..." واستدار وسار نحو الباب وفتحه وصفعه بالجدار بقوة... وغادر المنزل...

رواية انت لي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن