I

450 24 4
                                    


أفسح جميع من في الميناء الطريق له ولطاقمه. رُغم كونه بحّارٌ مستقل، ليس بتاجرٍ معروف وليس بصيّاد ولا هو بتابعٍ لأحد، يجولُ البحار ويلتقط رزقه من كل قارة، إلا أنّه كان ذا شأنٍ في أرض وطنه، والكُل يكن له إما الاحترام أو اللا شيء، فمن الصعب تحديد ما تشعر حيال شخص مثله.

"سأذهب لمنزل والدي، يمكنكم إنتظاري في الحانة، لن أتأخر فنحنُ لن نمكُث هنا كثيراً على كُل حال." قال لرئيس طاقمه، كَال، والذي اومأ ردّاً.
..
لدى وصوله انقلبَ المنزل رأساً على عقب، خدم يتحرك هنا وهُناك. كان مآر طويلاً وبشرته قد اصطبغت بسُمرة الشمس، شعره حالك السواد يداعب منكبيه العريضين. تحرّك لداخل المنزل الكبير بثقة، والخدم من حوله إما ينظرون للأسفل، أو له بخجل.

"مآر، بني، أتيت أخيراً." قال والده بابتسامةٍ دافئة بينما يربت على كتفيه برفق.

"مرحباً والدي، لن أمكُث كثيراً، أتيتُ لرؤيتك، ولأُعيد لك جوهرتك الثمينة." أخرجَ مار خاتمٌ من حجَر القمَر، وناوله لوالده.

نظرَ الأب للخاتم ثُم لإبنه وقال بصوتٍ هادِئ، "مآر، بُني، لما تُعيده لِي؟ ألم أُخبرك أن تحتفظ بِه حـ

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

نظرَ الأب للخاتم ثُم لإبنه وقال بصوتٍ هادِئ، "مآر، بُني، لما تُعيده لِي؟ ألم أُخبرك أن تحتفظ بِه حـ.."

"حتى أُقابل امرأة ليكُون الخاتم من نصيبها، أجل، أخبرتني بذلك مُسبقاً،" قاطع مآر والده، "أبي، متى ستقتنع أنّ الاستقرار ليس من خططي المستقبلية، في مهنتي هذه لا مكان لامرأة وزواج، الترحال والارتباط لا يتفقّا معاً." أخبر مآر لوالده الكلام الذي يعيده للمرة العاشرة بعد الألف.

هزّ الأب رأسه بيأسٍ، كم كان يتمنّى رؤية ابنه وبجانبه امرأة، تُسانده وتُروض رغبته الجامحة في الترحال.

"انظُر، لأجلي، احتفظ به خلال هذه الرحلة فقط، وبعدها إن أردت يُمكنك إعادته لِي." صمم والده، وكعادة مآر لا يستطيع رفض طلبٍ له.

"حسناً،" قال مآر باستسلامٍ وأعاد الخاتم في جيبه.

"إذاً هيا بنا، لقد أقمتُ وليمة بمناسبة عودتك."

وعلى درجاتِ السُلّم في الزاوية كانت تُراقبهم تلك، التي سقطت دموعها بعدما سمِعت حديثهم.

..

"لأين العزم؟" سأل كَال الذي كان يُساعد الطاقم في رفع الشراع، استعداداً لمغادرة ميناء شِرمِر.

"جزيرة مآرمة." رفع كَال حاجبيه مُتعجباً، لينظُر له مآر بتساؤل.

"جزيرة مآرمة! مجدداً؟ كما أنّه موسم الرياح الآن، لن تكُون إقامة ممتعة." قال كَال ملوحاً بيده في الهواء، ومُتعجباً من أمر رئيسه الذي يعود مجدداً ومجدداً لتلك الجزيرة النائية.

"إنّه أمر، كَال." قال مآر بنبرةٍ صارمة، ليُدحرج كَال عينيه ويذهب لمُقدمة السفينة.

كان كَال رجلاً ضخماً أسود البشرة وأصلع الشعر، ولكنّه كان أقل طولاً من مآر بإنشات قليلك. علاقته ومآر ليست فقط علاقة بين شخص ورئيسه، فقد جمعتهما صداقة منذُ كانَا ولدَين، يهربان من دار التعليم ليتبَارا سوياً بالسيوف خلف التلّة.

...

تمشِي في ذلك الممر المُضاء بمشاعل عديدة، يتطاير ثوبها الأزرق خلفها وهي تسير بتوجس حتى وصلت لبابٍ خشبي في النهاية. بعدما طرقت الباب ثلاثاً، فتحت لها خادمة.

"أريد رؤيته." أومأت لها الخادمة وقادتها إلى صالةٍ واسعة تبدو عليها الفخامة، وفي أحد أركانها يوجد مِقعد أقرب لكونه عرش السلطان.

"هاتِ ما عندك." أمرها بصوتٍ هادِئ.

"لدي خبرٌ عمّا تُريد،" لم تستطِع التحكم بنبرة الخوف في صوتها، "لقد رأيته يُسلّم ابنه الخاتم، لم يعُد في حَوْزته بعد الآن، إنّه في حَوْزَة ابنه."

"مآر." تمتم باسمِه مُحدقاً أمامه بشرود.

"عدني ألّا تؤذيه!"

"أعدك، عزيزتي.." قال مُحدقاً أمامه، وعلى وجهه ابتسامةٍ ماكرة.

... نهاية الفصل الأول.

| عروس البحر الأزرق |حيث تعيش القصص. اكتشف الآن