III

224 21 6
                                    


كانت الأمواج تتخبّط بها، وكانت عينيها مُغلقتان بتعب أو ربما بألم. عاد لوعيه بعد صدمته واندفع نحوها ليُخرجها من المياه.

شاهد بينما يتحوّل ذيلها الأسطوري إلى قدمين بشريتين، طويلتين وناصعتين البياض وكأنها لم ترى الشمس قط. هزّ رأسه وتناول وشاحه يضعه حولها، ثم حملها نحو خيمته وحينها وجد بعض من رجاله مستيقظين.

دخل بها وأمر ألّا يتبعه أحد، تناول وعاء به بعض المياه وقطعة قطنية، أخذَ يغمس القطعة في المياه ويُنظف جرحها لتنكمش بألم وتُخرج أنين طفيف. عادت لوعيها بينما كان يلف خصرها بقطعة قماشية نظيفة.

لاحظَ تحديقها به من الجانب، فأنهى عمله واستند بظهره للخلف ينظُر لها بهدوء، "أنتِ من كان يُغنّي، أليس كذلك؟" سألها بصوته الهادئ.

أخذت بعض الوقت قبل أن تومئ له.

"لما؟" سألها بينما يُحدّق في عينيها، "أوه مهلاً، أعرف الجواب، فالأسطورة تقول أنّ الـ 'سيرين' يستدرِجنَ البحّارة بأصواتهن الساحرة وجمالهن الأخاذ حتّى تغرق سفينتهم، ثُم يغوصُنّ بهم للأعماق." اختلط الغضب بالإحباط في صوته، ولكنّه حافظ على هدوئه، لا يعلم هل هو مُحبط بسبب تلك الليالي التي تشتت بها بسبب غنائها، أم بسبب تلك البراءة التي يراها في عينيها وملامحها، والتي كان يحاول أن يتجاهلها قدر الإمكان. تلك المخلوقات خطيرة، قاتلة.

"هل قُلت أنّني جميلة؟" توسّعت عيناها نحوه بتساؤل بينما همست جُملتها.

حقاً! أهذا كُل ما سمعته؟!

هزّ رأسه بيأس وقامَ متوجهاً للخارج.

"مهلاً، أين أنت ذاهب؟" حاوَلَت القيام من نومتها واللحاق به ولكنها انكمشت مجدداً بسبب الألم الذي ضرب جانبها الأيسر.

خرج من الخيمة ليجد جميع رجاله مستيقظين، وعلى وجوههم نظرة توحي بأنهم على علمٍ مُسبق بما سيُخبرهم به.

"لا تُخبرني أنّك ستحتفِظ بذلك الوحش!" صاحَ تايد. عبسَ مآر غير موقناً مما يريد فعله بها.

"أجل، يجب أن تعيدها. لا عجب أنّ البحر كان هائجاً ليلة أمس، لا بُد أن هذا من فعلها هي وبناتِ جنسها ليوقعوا بنا!" وافقَ ليو تايد الرأي. وهذا جعل مآر يتسائل، هل كان ذلك حقاً من فعلها!

بينما ظلّ كَال صامتاً هادِئاً طوال هذا الجدال.

"سأُعيدها،" أنهى حديثهم بصوته الأجش، "ولكن ليس قبل أن تُخبرني لما كانت تتبعنا كُلما اقتربنا من جزيرة مآرمة." فور ما أنهى كلامه سمع صوتاً خلفه.

"لا أرجوك، لا تُعيدني!" استدار ليجدها بالكاد تستطيع الوقوف، ونظرة الرجاء تعتلي وجهها.

"أنظُر، أنظُر كيف تستدرج عطفك، إنّها ماكرة!" صاح ليو مجدداً موجهاً نحوها إصبع الاتّهام.

"صه."

...

-وجهة نظر مآر-

عمّ الصمت بين الطاقم عندما رأوا الانزعاج بادياً على وجهي. إن كنتُ مشتتاً منذ قليل، فأنا الآن مشتتٌ أكثر. يجب أن أتحدّث معها في أقرب وقت. كلما تحدّثتُ معها مبكراً، كلما غادرت مبكراً.

"قوموا بتجهيز السفينة، سنُغادر صباحاً." توجّهتُ نحو الخيمة واتبعتني تلك.. مهلاً ما اسمها؟ وهل يمتلكن أسماء؟

تناولتُ غطاءاً وكنتُ في طريقي نحو الخارج عندما شعرتُ بقبضتها على ذراعي.

"لأين ستذهب؟" نظرتُ لها لأرى شفتيها المقلوبة وعينيها المتوسعة. نهضَت لتسير نحوي وهي تتعثر بخُطاها، جعلني ذلك اتسائل متى كانت آخر مرة سارت بها على قدمين.

"سأنام بالخارج، وغداً صباحاً يجب أن نتحدّث في طريق عودتنا لشِرمر."

"لا! لا تعود لشِرمِر الآن!" علا صوتِها فجأة ما جعلني أتعجّب لاعتراضها.

"ولما لا أعود؟" كتّفتُ يدَي أمام صدري ونظرتُ نحوها باستغراب. تقلّبت في وقفتِها بتوتر، وأخذت تُتمتم بكلام غير مفهوم، فرفعتُ حاجب نحوها لتتحدث بصوتٍ مسموع.

"ذلك الخاتم، إن عُدت الآن سيقتلك، هو يريد الخاتم."

... نهاية الفصل الثالث.

• شِرمِر هي موطن مآر، حيث ذهب لمقابلة والده.

| عروس البحر الأزرق |حيث تعيش القصص. اكتشف الآن