V

200 19 10
                                    


كانا يقفان بجانب سور الطابق العلوي، يتأملان هدوء الليل. القمر الكامل ينير السماء وقد تناثرت النجوم عبرها. كان البحر هادِئاً على نحوٍ ملحوظ تلك الليلة.

"بما تفكر؟" كسرَت فيوليت الصمت ونظرت للجانب حيث حددَ ضوء القمر الخافت ملامح مآر الحادة.

تنهَد قبل أن يُجيب، "أُفكر بما كان سيحدث لو لم أجدكِ تلك الليلة."

"آه، لا أريد التفكير بهذا حتى، كان سيطاردك أوديار بالتأكيد." قالت وقد بانَ الذُعر على ملامحها الناعمة.

"لم أقصد الأمر مع أوديار.. كنت أُفكر بما كان سيحدُث لكِ، فقد كُنتِ مُصابة، كما أنكِ تركتِ عشيرتك للتو،" نظرَ لها بعد مدة من النظر للأمام، "مسرورٌ أنّي وجدتُكِ." قال وهو ينظُر لعينيها مباشرةً. ومن يسمعه يشعُر وكأنما هناك المزيد خلف جملته البسيطة تلك.

ابتسمت وأجابت، "مسرورةٌ أنّكَ وجدتني."

..

"لما تأخرتِ هكذا في العودة!"

"ظننتكِ ستقودِينا نحوه في الحال، عندما قمنا بصدم سفينتهم."

"اصمتِ سيرينا أو اخفضي صوتك!"

لم تنتبها لذلك المُختبئ خلف الصخور المرتفعة، والذي تأكّد الآن أنّ تلك البريئة ما كانت إلّا ممثلة بارعة، تنوي الإيقاع به كما المعروف عن بنات جنسها. 

"مآر!" تحدّثت فيوليت بصوتٍ متهدّج وعيناها متوسعة بدهشة حالما لاحظت وجوده، وقد فرّت صديقتها إلى الأعماق.

"مآر، انتظر،" نهضت بخطواتها المتعثرة فور ما تراجع مآر نحو سفينته، مصمماً على تركها خلفه.

حاول إقناع نفسه أنّ السبب الوحيد لاحتفاظه بها كان لمساعدتها، ولكنّها الآن في غنى تام عن مساعدته. وفي النهاية توصّل أنّ ذلك ليس السبب الوحيد لاحتفاظه بها، لقد شعر بذلك الاتصال، الذي لطالما حكى والده عنه. وإن كان يحاول إنكار ذلك، لن يتمكّن من فعل ذلك بعد الآن.

لحظة سماعه لخدعتها وخطتها الماكرة، ارتفعت كُل تلك المشاعر للسطح بعدما كانَ يحاول دفنها بعيداً. ولكن في لحظة، ألقى بجميع تلك المشاعر عرض الحائط، هو ليس رجلاً ينصاع وراء مشاعره مهما كانت قوتها وولائِه لها.
..

-وجهة نظر فيوليت-

لا، لا يُمكنه أن يرحل الآن. ليس بعد كُل ما خُضته لأجده.

تلك المتسلطة، لما كان يجب عليها قول كُل هذا! لقد وضّحتُ الأمر، وعقدتُ العزم ألّا أُشارك في حملات الصيد تلك التي يُمارسونها. وقمتُ بتأكيد الأمرِ أكثر عندما رحلت عنهم.

والآن، يظنُ مآر أنني قمتُ باستدراجه، وأنّي كنتُ أخدعه طوال تلك الفترة. لقد عِشتُ سنوات في البحر، ولكنّي لم أشعُر بالحياة بحق إلّا خلال هذين اليومين اللذين قضيتهما على سطح سفينته.

لا بُد أنّه عائد لشِرمِر الآن وهذا أكبر خطأ. هو لا يعلم ما ينتظره هُناك.

..

"لما عُدنا إلى هُنا، سيدي؟" سألَ كَال وهو ينظر لسيده الذي ظلّ سارِحاً في الأُفق منذُ مغادرتهم للأرخبيل.

تنهّد مآر قبل أن يُجيب، "سوف أُعيد الخاتم لوالدي، كان يجب عليّ إعادته منذ البداية."

نظرَ كَال لصديقه بعدم رضا عن قراره. يشعُر أن ثمّة خطأٌ ما. إن كانت فيوليت تُخطط لاستدراجهم للـ 'سيرين'، لما لم تفعل حتى الآن؟ لقد أتتها أكثر من فُرصة. هو غير متأكد من الأمر، ولكن شعورٌ ما بداخله يُخبره أنّ ما يفعله مآر خطأً كبيراً.

"ولكن ألم يُمكننا الانتظار حتى الفجر؟ لقد شارفنا الوصول لميناء شِرمِر ومازلنا تحت جنح الظلام، لا أعتقد أنّ هذا آمن." عقّب كَال، ولكن هزّ مآر رأسه رداً على كلامه، ثُم توجّه للقمرة الداخلية للسفينة.

كان ساحل شِرمِر قد ظهرَ في الأُفُق عندما قاطعَ طريقهم سفينةٌ متوسطة الحجم. تغلغل القلق فوراً لقلب كَال، وهو يعلم أنّ صديقه ليس في وضعٍ يسمح له باتخاذ أيّ قرارٍ صائب.

"اظهر وتحدّث، ماذا تُريد؟" صاحَ كَال من فوق الطابق العلوي تجاه تلك السفينة، والتي كان سطحها مظلم سوى من قنديلٍ واحد أنارَ عجلة القيادة.

ظهرَ شخصٌ مُلثم ونظرَ للأعلى نحو كَال، "أريد شيئان.. الخاتم، وحياة سيدك."

... نهاية الفصل الخامس.

| عروس البحر الأزرق |حيث تعيش القصص. اكتشف الآن