الجزء السادس:

197 17 69
                                    




مايكل فورستر

فبراير، ١٩٧٤

مساء يوم الجمعة.





لم يكن على حق المعرفة إن السماء ستغزوها غيوم رمادية ممطرة, وحينما خرج كانت الأمطار بالكاد تصدر حفيفاً. تردد وقتها المباشرة بالجري خوفاً أن تصيبه حمى مباغتة لكن الحافز المفاجئ الذي أعتلاه لا يمكن إيقافه. فقد كان مايكل فورستر يشعر بالندم أصلاً على تفويته هرولة الليلة الماضية بسبب الأمطار أيضاً, والتي أتضح إنها لم تكن بتلك القساوة التي بالغت بها النشرة الجوية.


لم يكن يرتدي الكثير من الملابس, حينها أدرك إنه لا مجال للهرب من الحمى لأكثر من ستة أشهر, على الرغم من كونه رقم قياسي حتى الآن. بعد حين, لم يكن قلق بشأن الإصابة بالمرض بل كان مستمتعاً بالتحدي الذي يخوضه, بصوت المطر المرتطم بخطواته المدروسة ورائحة التراب المتبل بماء السماء. حدث كل شيء بسرعة بعدها, تسارعت السحب في مكان واحد وعزمت على إساءة الجو حالاً, أزدادت سرعة مايكل في الهرولة حتى أصبحت كالجري هرباً لنهاية طريق التلال بأقصى ما يقدر والعودة بنفس السرعة, الحافز هذه المرة لم يكن الندم بل حمام ساخن يليه كوباً من الشاي بالليمون. أبتسم مايكل لنفسه من شدّة سخف أفكاره هذه الأيام ومن سوء حظه مع أمسياته الرياضية.


إلا أن تلك البسمة أضمحلت عند رؤية شخص من بعيد يهبط من على التلة التي يبلغ أرتفاعها ثلاث أمتار على الأقل, قفزة إنتحارية بدون شك, وأنتهى به الحال ساقطاً على ركبتيه. لم يتيقن مايكل إن كان يمارس الألاعيب أم أرتعش من غزالة غاضبة تهجمت عليه أثر مقاطعته نومها, فالحالة الأخيرة لم تكن نادرة بالمرة. كانت المسافة بين مايكل والشخص -الذي تبين أنه يملك هيئة رجالية-  تقارب العشرون متراً. أبطئ مايكل من سرعته كي يراقب الصورة من بعيد لكن لم يحدث شيء سوى إنهدام قدرة الرجل الذي أمامه عن الأستمرار بالهرب والسقوط على الأرض خضوعاً للألم الذي تبين بعد حين أنه يشتد حول ركبتيه.


"-هل أنت بخير؟" صرخ مايكل من أعلى حلقه لكنه لم يتلقى إجابة. أسرع خطواته حتى وجد نفسه يقف بجانب جسد الشاب, عشريني على الأغلب, يتضرع العون من السماء. لم يتذكر مايكل كيف سارت به الرغبة الملحّة على تقديم يد العون -أو فهم ما يحصل على الأقل- نحو ذلك الرجل. كان يهلوس بشدّة وتملكه الذعر حينما بدى الفتى متيبساً, وخلف نظارتيه السميكة المكسوّة بالماء, غطى جفنيه المرهقين مقلتي عينيه.


مع مرور الوقت, نبض صوت في أذني مايكل, أشبه بصدى مزعج أثر تيارات الهواء الثقيلة. قطرات المطر باتت تحلق عرضياً مع تسارع هبوب الرياح, وخلال كل هذا نبضت في يد مايكل رعشة جعلته يصفع الفتى عدّة مرات حتى أستفاق لاهثاً الهواء من فمه.

"-الحمد لله!" هسهس مايكل تحت أنفاسه وصلى شاكراً. أنزلقت يده للأعلى كي يسحب خصلات شعره للخلف ثم رأى أن من وجده على الأرض ممدداً كان صامت وينظر إليه بصدمة.

ثيودورحيث تعيش القصص. اكتشف الآن