الجزء السابع:

104 6 2
                                    




بعينين متعبتين, يراقب تيد التل من قمته وحتى جذوره وبين عظام صدره قلب متسارع النبض. تلبسته غبطة خنقت مداخل تنفسه, وتوارى الأمس خلف مقلتيه مسبباً قلق يضاهي أثقال اليأس التي تجمعت عليه الأسبوع السابق.

ضل يسحب سيجارة بعد أخرى, بدون وعي, كأن الطعم المر للتوباكو قد خدر لسانه والدخان قد أعمى بصيرة ذهنه التي باتت تتلاشى مع كل سيجارة جديدة تجعله ينتشي ومع كل دقيقة مارة تساهم بإطفاء لون السماء الأزرق الباهت نحو الأرجواني الكئيب.

أنزلقت عينيه من عن التل وبدأ يراقب البحيرة الهادئة تقريباً التي تتوسط التلال, تضربها أمواج متفارقة وخفيفة, رسول لأصوات الرياح التي على غير المعتاد, كانت متعبة وغير شقيّة.

أمتدت عينيه لعرض البحيرة حتى أنتهت قدرته على الأبصار عمّا بعدها وشعر بالتعب. أبسط المهام بالفترة الأخيرة كالتنفس مثلاً والنظر بعيداً بعينيه عن اي شيء سوى الشمال, باتت تمتص منه الطاقة.


هنالك خيط من الحيرة وإنعدام الحيلة داخله ساهمت بإضعاف قامة جسده المنتصبة وأهرمتها. لم تتعبه السنين الطوال بل رأسه الذي يكافح لتجنب الحاضر, ليعود شوقًا للماضي وكأنه السبيل الوحيد, حيث لا شيء به سوى المنازل المهجورة ودفاتر أتلفها الزمن, جاعلاً منه شيء يبعث التساؤل والغضب في الوقت آنه.

رمى عقب السيجارة وعاد لسيارته, قضى الليلة هناك, يراقب البقعة شديدة الجمال من الداخل الدافئ بعيداً عن نسمات الهواء التي باتت تعلو مع غروب الشمس وتلاشي أشعتها المنيرة. خلد في نوم ليس بمريح ولا هانئ, أيقضته أصوات الأمواج عند الفجر مرة, وصوت محركات السيارات المنبعثة من الطريق العام عدّة مرات.

حلم تيد برجل يصوب فوهة بندقية نحو رأسه, ثم فجأة وجد نفسه مستيقظ. فقد القدرة على النوم نهائيًا بعدها. أكتفى من التظاهر بأنه سيحظى بغفوة مريحة فقام بتشغيل محركاته وأستدار نحو الطريق العام. لم تكن زيارة سارّة كالمعتاد, لكنها كانت كافية لإبعادة عن ضوضاء المدينة المرتعشة لعدّة ساعات.

كان يفكر بالعودة للعمل والهرب من الأفكار التي باتت تتعلق به حالما وجدته حراً طليقاً. ففي النهاية, الإجازة لم تضف على حياته شيئاً بل أخذت منها الكثير. مجرد التفكير بأنه سيعود لروتينه المعتاد وسينسى هذه الإجازة السخيفة كأنها شيئًا لم يكن, أضاق صدره.


في منتصف الطريق, قرر تيد إتخاذ قرار لا عودة فيه وأدرك أن له القدرة والحق على فعل ما ينتويه دون مانع.

"غبي. يا لك من غبي صغير!" سبّ نفسه وهو يضرب على المقود بضحك. لِم لم يفكر بهذا الأمر من قبل؟

بكل سهولة يستطيع إخراج نفسه من تلك الدائرة التي طوِّقت وضاقت حوله. ما كان عليه سوى التفكير بالخروج منها, بخطوة واحدة فقط. ففي النهاية رأى أن لا طائل من محاولة غصب نفسه على الإنتماء لذاك المكان. مكانه هنا, في العراء, وسط اللاشيء وفي سيارته الخضراء. بعيدًا عن كل الأكاذيب والخدع التي لم يعد يطيق لعبها.


لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jul 20, 2022 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

ثيودورحيث تعيش القصص. اكتشف الآن