الفصل الثالث
مر أسبوع على منة وشبل، صار فيه شبل أكثر شراسة لا يريد الاقتراب منها رغم محاولاتها المستميتة معه. أخر يوم من أيام الأسبوع وجدته صباحًا يهتف بها ببرود قائلًا: هو أنتِ عتفضلي جاعدة في الجناح اكده كتيير؟!، اكفاية عليكي اكده، تدلي تحت من النهارده وتشتغلي مع الحريم.
خطت نحوه واقتربت منه لتعدل من هندامه ليتفاجئ بها وهي تبتسم بخبث قائلة: حاضر، ولو إني لسه عروسة، بس المهم إن أنت تبقا راضي عني.
ارتبك من أسلوبها ولكن استجمع قوة قلبه من جديد وأنزل يديها من على كتفيه وتخطاها ورحل لتجز على أسنانها.
ارتدت ملابسها وجاءت تهبط للأسفل لتتفاجئ بأخته نوارة الحاصلة على الثانوية العامة، ترتمي بأحضانها وتتعالى شهقاتها كأنها تستنجد بها لتدخلها منة على الفور وتربت على كتفيها لتقول الأخرى: شفتي يا منه اللي عيعملوه فيا؟، مش عيخلوني أكمل تعليمي وعيجوزوني واد خالي!، الحجيني يا منة!، أنا جايبة مجموع طب عيحطموني.
ربتت منة على ظهرها قائلة بحنان: مين قالك إن ده هيحصل يا نوارة؟، ده كلام بس بيقولوه، متقلقيش، شبل أكيد هيخليكي تتعلمي زى ما أنا اتعلمت، ويا ستي اعملي زيي اتخطبي لابن خالك ولما تخلصي اتجوزي.
زمت نوارة شفتيها قائلة: جوزك هو السبب يا منة، كانت أمي وخوي ليث مجتنعين، جه هو وفركش كل حاجة، جال إنه لا يمكن يبجا في شبيهة ليكي تاني، كفاية أنتِ وعمايلك.
فزعت منة ونهضت من جوارها قائلة: بتقولي ايه؟!، شبل هو اللي قال الكلام ده!، طب ليه؟!، أنا معملتش حاجة!، أربع سنين قضيتهم في الكلية باحترامي، حتى عقد العمل اللي كان جايلي من صاحبتي رفضته.
هزت نوارة رأسها قائلة: أيوه صوح، هو جال إنك كنتي عتهربي مع صاحبتك وجوزها وتتجوزي هناك واحد غيره، وأمي وخوي صدجوه، بس أني مش مصدجاه.
فجأة ارتفع رنين هاتف منة وهي جالسة مع نوارة، لكي تكون نوارة خير دليل إثبات على برائتها. كان من صديقتها زهرة كانت مرحة كثيرًا في حديثها فهتفت بلهفة قائلة: بت يا منة، اتوحشتك جوي يا بت، قوليلي بقا الجواز حلو يا منوش ولا السنجلة جنتلة؟، واوعي تقوليلي السنجلة جنتلة، أصل خلاص كتبت كتابي امبارح.
ابتسمت منة قائلة: أنتِ بنت حلال يا زهرة، وابن الحلال عند ذكره بيبان. كنت لسه بحكي لنوارة عنك وعن عقد العمل اللي قدمتيه ليا وأنا رفضته، ويا ريتني ما رفضته.
كانت منة في تلك الأثناء فتحت مكبر الصوت لكي تستمع نوارة لكل شيء، قطبت زهرة جبينها قائلة: أنا مش مرتاحة لكلامك يا منة، ايه يا ريتني ما رفضته دي ؟، من امتى منة بتندم على حاجة خصوصًا لما تكون مقتنعة ومصممة متعملهاش.
هزت منة رأسها قائلة: تقدري تقولي من ليلة ما اتجوزت، من يوم ما الكل اتهمني، وكنت مفكرة إنه الوحيد اللي هيدافع عني، بس لا يا زهرة مقتنع إن كان ليا علاقة بحد في الجامعة.
هزت زهرة رأسها بعدم اقتناع قائلة: أنا متأكدة إن في سوء تفاهم، وأنا مستعدة أكلمه بنفسي أو أخلي جوزي يكلمه، قلتلك يا منة المكان عندكم مينفعش تعيشوا مرتاحين فيه.
استكفت نوارة بما سمعته وعزمت أمرها أن تفتعل شيء في سبيل إسعاد منة، بعد خروج نوارة أخذت منة تنتحب في الهاتف مع زهرة قائلة: هو المكان بس، ده حتى بابا يا زهرة مجوزني له علشان ينتقم من مرات عمي، ومرات عمي مصرة تحط راس أبويا في الطين، هي وابنها.
جحظت زهرة بعينيها قائلة: هو ابنها التاني ده مش جوز يسر؟!، ولا هي اتطلقت منه؟!، ايه اللي بيحصل ده؟!، هو تار ما بين العيلتين، وشبل فين من ده كله؟!، مش ده حبيبك؟
تنهدت منة بتعب قائلة: خلاص يا زهرة، شبل مبقاش حبيبي، بقا عدوي، هيخليني خدامة له، وهيتجوز عليا وهيعرف الكل إني مش بخلف؛ لأنه مش هيلمسني.
أغمضت زهرة عينيها بحزن قائلة: يعني ايه اللي بتقوليه ده؟َ!، معقول يصدق كل الكلام ده؟!، لا وكمان يصدر حكم بالنيابة عنك؟!، مش خايف لتشتكيه ويضطر يطلقك .
هتفت منة معارضة لحديث زهرة قائلة: هو أنتِ مفكرة إني ممكن أعملها؟!، عمرى ما أقدر يا زهرة، ومش علشان خايفة منه؛ لأنه ببساطة ممكن يحلها في ليلة وغصب عني.
هتفت زهرة باستغراب قائلة: أومال مش هتعمليها ليه؟، واوعي تقوليلي إنك بتحبيه؛ لأنه ميستاهلش. يا ستي دي الحاجة الوحيدة اللي كانت معلقاكي فيه هي حبه ليكي.
ردت عليها منة بحزن: وما زلت متعلقة بيه، ومقدرش أبعد عنه. جايز بكابر بيني وبين نفسي، بس كل أما بشوفه بحاول أقرب منه وأشيل الحواجز اللي بينا.
هزت زهرة رأسها بيأس لإحساسها بحالة منة وهتفت قائلة: حاسة بيكي يا منة، وباين من كلامك إن هو معندوش استعداد يرضى عنك، بس هقولك إني خايفة ينفذ كلامه فعلًا، وأنتِ هتتنازلي عن حقوقك.
صرخت منة قائلة: يا زهرة أنا بحبه ومقدرش أعيش من غيره، وفي نفس الوقت مش متخيلاه مع واحدة غيري، منتظرة عدالة ربنا تنجيني من اللي أنا فيه.
دعت لها زهرة قائلة: ربنا ينصرك يا منة يا حبيبتي، منة اسمعيني كويس بكررها تاني أتصل أنا عليه وأفهمه كل حاجة. يا منة أنتِ مكنتيش بتتكلمي مع أي ولد في الجامعة.
تنهدت منة بحزن قائلة: المشكله أكبر من إنك تتصلي وتوضحيله الأمر. المشكلة فيها ابن أختي اللي راح كذب عليه لأنه خايف من أبوه، صعبان عليا الولد هو كمان. عمومًا أنا مضطرة أقفل معاكي دلوقتي ورايا شغلي تحت هكلمك لما أخلص.
أنهت منة اتصالها وهبطت أسفل حتى تقوم بمهامها ولا تستمع لأي كلمة تجرحها، وبأخر النهار صعدت ونامت من التعب تاركة هاتفها على الأريكة بالصالة، قلقت عليها زهرة لأنها وعدتها بالاتصال مؤخرًا فقامت بمهاتفتها فوجد شبل الهاتف وقطب جبينه لعدم وجود اسم حيث اضطرت زهرة لاستخدام هاتف خطيبها لعدم وجود رصيد لديها فتح شبل الهاتف وظل صامتًا ليستمع لصوت زهرة المرح وهي تقول: يااااه يا منة!، أنتِ لسه فيك العادة النيلة دي، لما تلاقي رقم غريب يا إما مترديش يا تردي وتفضلي ساكتة، يعني أنا لولا فهماكي كنت فضلت مستنياكي تتكلمي.
رد شبل بخجل قائلًا: منة نايمة، أنتِ مين؟، أنتِ صاحبتها صوح؟، أنا أسف اني مرديتش أول ما فتحت التلفون، بس أصلك متصلة من رقم مش مكتوب عاد.
ابتسمت زهرة وعضت على شفتيها فقد حانت فرصتها للتحدث معه فردت بلهفة قائلة: ده رقم جوزي أصل معييش رصيد، كنت بطمن على منة كلمتها الصبح وقالت وراها شغل وهتكلمني بليل، وبصراحة مبسوطة إنك أنت اللي رديت.
واستطردت قائلة: اسمعني يا أستاذ شبل، أنا أعرف منة من أربع سنين، مشوفتش منها غير الأدب والأخلاق، وصلت لدرجة إنها ترفض تعطي محاضراتها لولد علشان ميبقاش في احتكاك.
عبس بوجهه قائلًا: ليه بتجولي اكده؟
ردت بثقة قائلة: لأن عارفة اللي وصلك، وأي إن كان وصلك ايه فهو كله كذب وافترا، لو مش مصدقني موبايل منة بيسجل المكالمات افتح واسمع وشوف.
استشعر شبل في نبرتها الصدق فأراد أن ينهي مكالمته معها قبل أن تستيقظ منة، ولكنه تفاجئ بمنة تخرج من غرفتها تنظر إليه باستغراب وهو ممسكًا هاتفها لتسمعه يقول: شكرًا ليكي يا أستاذة زهرة، منة صحيت، وهتكمل معاكي التلفون، السلام أمانة لجوزك.
أعطى الهاتف لمنة لتقف أمامه تعاتب صديقتها قائلة: مكنش له لزوم يا زهرة، أنا قلتلك الصبح اللي في دماغك لا هيقدم ولا هيأخر، ليه تحاولي تعملي حاجة من ورايا؟، وترخصيني بالشكل ده.
زفرت زهرة بحنق قائلة: بصراحة لقيتها فرصة، وأنا مش هسيبك في النار لوحدك زي ما يسر عملت، منة أنتِ أختي وبحبك، ولعلمك بكره تقولي زهرة قالت هيحن.
انتهت مكالمتها وتوجهت منة إلى الغرفة لتسمعه يهتف قائلًا: أنا رديت لما لجيته رقم غريب، خابر إنك عتفكري إني شاكك فيكي وأنا مش عنكر، بس صدجيني لما لجيتها صحبتك ارتحت جوى.
التفتت إليه قائلة بحزن: ارتحت لما عرفت إنها صحبتي ولما قالتلك اني معملتش حاجة من الخرافات اللي عمالين يقولوها، عمومًا هي اترجتني الصبح كتير تعرفك بس أنا مكنتش راضية.
كاد أن يرد عليها ولكن لم تمهله، ودلفت إلى غرفتها تتصل بزهرة تعاتبها لترد عليها زهرة بمرح قائلة: نهار اسوح!، أنتِ بتتصلي ليه؟َ!، اوعي يكون مقتنعش!، يا أبويا ويا مرك يا نعمة على الدماغ الصعيدي!، أركب القطر وأجي أضربه؟
زفرت منة بحنق قائلة: لا اقتنع، بان في عينيه إنه صدقك، بس أنا مش عايزة كده، أنا عايزة شبل حبيبي اللي يصدقني أنا، مش يصدق كلام أمه شوية وكلام عيل.
لوت زهرة شفتيها قائلة: كان لازم طرف تالت يا منة، وبعدين الحركة مش مقصودة، بس جت تدبير من عند ربنا أهو، ده الراجل بيكلمني وخلص معايا وكان مش عايز يسمع أصلًا.
تنهدت منة قائلة: ما هو ده اللي مجنني يا زهرة!، هيقتلني بقلبه البارد، ايه اللي غيره كده؟، مش معقول يكون اللي قالوه، النهارده بدأت أحس إن فرق التعليم موتره.
شهقت زهرة جاحظة تقول: أوووبا!، أنا ازاي تاهت عني الفكرة دي، بس يا منة أنتِ موافقة عليه ومقتنعة كمان، ايه اللي يخليه يحس إنه قليل بالنسبة لك، وبعدين أنتِ ايه اللي خلاكي تشكي؟
أغمضت منة عينيها قائلة: النهارده مشكله نوارة، هو الوحيد المعترض على تعليمها، وعايزة يجوزها ابن خالها ولما قلت ايه يعني تتخطب وتتجوز بعدين قالوا علشان هتحس بالفرق زيك.
لوت زهرة شفتيها قائلة: وطبعًا سيادتك، الكلام تعب نفسيتك وقعدتي تعيطي قدامها، هقولك ايه ما أنتِ هبلة، زمانهم بقا حكوا له وعرف أنتِ قد ايه يا عيني متعذبة.
ابتسمت منة قائلة: كأنك فتحتي مخي ودخلتي قعدتي جواه، أنا فعلًا اتأثرت أوي، خصوصًا اما اكتشفت سبب معاملة شبل الباردة ليا،بس اطمني لحقت نفسي.
تنهدت زهرة قائلة: طيب بما إنك مش هبلة زي ما أنا تخيلت، يبقا استنتاجي في محله، كون إنه مش راضي يسمعني وأنا بفهمه ده معناه إنه خلاص العقدة راحت.
زفرت منة قائلة: تقريبًا كده، ده حتى كان صريح معايا وقالي إنه شك لما شاف رقم غريب، وقال كمان إنه انبسط إن طلعتي أنتِ مش حد تاني، بس برضه خايفة.
صرخت زهرة في وجهها قائلة: كفاااية!، حرااام ارحمي أمي الغلبانة وجوزي أنا كده بهمك ده هيعلى الضغط وبدل ما أدخل دنيا هدخل أخرة، بصي اهدي كده وسيبي نفسك وشوفي هيحصل ايه.
ابتسمت منة تهز رأسها قائلة: حاضر يا زهرة هعمل اللي بتقولي عليه، ومتشكرة أوي على كل اللي عملتيه معايا، ابقي طمنيني عليكي وادعي يجيبني ليكي أشوفك قبل ما تسافري.
ابتسمت زهرة قائلة: أنتِ تؤمري يا منوش، مطر دعوات هينزل عليكي ساعة الفجر مني ومن ماما ومن الراجل اللي معذباه معايا ده، يلا تصبحي على خير.
نامت منة رغم انتظاره لها أن تخرج له في أي لحظة، ولكنها فضلت المكوث في غرفتها.
سطعت شمس يوم جديد واستيقظت ولكنها لم تجده فهبطت إلى الأسفل حيث العمل مع يسر لتنظر إليها يسر بامتعاض قائلة: ده بينها جوازة هم، ايه اللي عملاه في نفسك ده؟، ألا ما فيه في وشك حبة أحمر ولا أخضر ، كنتي يا خايبة حطيهم علشان نغيظ العقربة حماتك.
ابتسمت منة بسخرية قائلة: وهو شوية الأحمر والأخضر اللي يغيظوها، اطمني دي تغيظ بلد، يا بنتي دي موتت أمك بحسرتها، ده خلت أمك تسقط مرتين، والله أنا بقيت بخاف منها.
كتمت يسر ضحكاتها قائلة: ايه بتخافي؟، معقول يا منة؟!، أنتِ تخافي منها!، معلش أصلك خايبة زي أمك، أو أقولك جايز شبل هو اللي طلع جامد زى أبوكي، لكن ليث حاضر يا أما، وفي الأوضة هيموت عليا.
زفرت منة بحنق قائلة: بقولك ايه يا يسر، متجبيش سيرة ليث ده خالص طول ما أنا واقفة معاكي، فرحانة بيه أوي يا ختي وهو بيعلم ابنك الكذب ويخوفه، هو مفكر نفسه مين؟
هزت يسر رأسها بيأس قائلة: أنا بحاول أنسى عمايله، لا وهيتجنن وعايز العيل التالت، امبارح قلتله واحد طلعته كداب والبت طلعتوها فتانة، والتالت هطلعوه ايه حرامي؟
ابتسمت منة بسخرية قائلة: كل شئ جايز مع العيلة دي، المهم أنتِ يا يسر لازم يبقالك قعدة مع ولادك، مش تسيبيهم كده، وأنا هحاول مع أبرار، لكن أحمد الصراحة لا.
تذمرت يسر قائلة: يا سلام!، أحمد لا ليه بقا؟، مكنتش كذبة يا ست منة، أنا قلتلك هقول لشبل، بس ابعدي الولد عن الموضوع. يعني كنتي عايزاه يضرب؟
ردت منة قائلة: وبالنسبة للي حصل معاه طول الليل؟، يرضيك يا يسر هانم؟، ابنك مش صغير قوليلي هيطلع راجل ازاي وقد المسؤلية؟، ولا هيبقا ابن أبوه؟
تحدثت يسر بحزن قائلة: أنا عارفة إن الموضوع كبير وصعب، بس في نفس الوقت الواد بيصعب عليا لما بيتمد كل شوية منه، مش عارفة بيعمل فينا كده ليه.
ربتت منة على كتفيها قائلة: متزعليش مني أنتِ كنتي ملهوفة عليه لهفة وحشة أوي، كأن لا قبله ولا بعده، وده اللي خلاه ميعملكيش كرامة، وكل حاجة بتعطيه بسهولة.
اتغيري يا يسر، مش مرة واحدة بالتدريج، قربي من ربنا، صلي، تعرفي لو حماتك طلبت منك أي حاجة وقت الصلاة اوعي تعمليها، ارضي ربنا وهي هترضى عنك، جايز هتطول بس صدقيني اللي قريب من ربنا ربنا بينصره، أنا قلت ليها يوم الصباحية أنا واثقة إن ربنا هينصرني، وعلى فكرة أنا قريب أوي هرجع قلب شبل ليا تاني.
بهذه الكلمات كانت منة تحدث نفسها ولكن صوت عقلها تعالى قائلًا: لأجل كرامتك يا منة..سوديها على دماغهم.
تردد هذا الصوت في أذنيها وكأنه صوت أمها، ولكن تبرأت منه، وبرأت أمها من هذه الكلمات تضع في رأسها شيء واحد هو العيش معه في سعادة، والإنجاب منه والانتصار على السيدة التي دمرت حياة أمها..تعلم جيدًا أن عقلها ناضج، ولكن ما قام به شبل من خذلان جعلها تفكر في أمور بدائية لتحارب من أجل كرامتها وتطفئ سعادة من تطاردها وكأنها الكابوس الذي لا ينتهي، كابوس تسبب في موت من أنجبتها.
تسترجع ذكرياتها وهي صغيرة وتسأل نفسها، ألم يكفيها تلك المرأة ما فعلته بأمي ومحاولات تفريقها عننا إما بطلاقها من والدي حتى أراحتها أمي عندما ماتت بالمرض اللعين.
تعبت من كثرة التفكير وهو تأخر عليها ولكن دون قصد منه حيث كانت تنتظره نوارة في الحديقة الخلفية، ليغمض عينيه فور رؤيتها فهو يعلم أنها ستتحدث بأمر إكمال التعليم لتجلس أمامه بابتسامة مضطربة قائلة: كيفك يا خوي؟، أنا خابرة إن الوجت متأخر، بس أنا عاوزة أتحدت وياك، بخصوص منة، منة زينة يا خوي، وأنا معاي الدليل، أنتوا كلياتكم ظلمتوها.
تنهد شبل واضعًا رأسه بين كفيه قائلًا: خابر يا نوارة، منة طلعت صوح، إني هيجي يوم أندم فيه، بس في نجطة يا نوارة على اعتراضي في تعليمك، واد خالك رغم إن خالك عفش بس الواد عيحبك.
ثم أشاح بوجهه يستطرد قائلًا: وأني مش عاوز يحس بالجله زيي، ..أنا يا نوارة بعد ما منة جربت تاخد شهادتها..وبسمعها بتتحدت لغات زين..استخسرتها في نفسي.
هزت نوارة رأسها متفهمة لتوضح له الأمر قائلة: الكلام ده يرسى لما تكون اتجنعرت عليك، كان نفسي تسمعها وهي عتتحدت ويا صاحبتها..والله العظيم بتعشجك يا واد أبوي..والبت الشارية مش بيهمها حاجات زى اكده.
زفر شبل قائلًا: طب قيمينا من الموضوع ده دلوك، توعديني يا نوارة لو كملتي علام، وحسيتي إنك كبيرة على واد خالك، هتيجي تجوليلي ولا عتهربي؟
ابتسمت نوارة تنفي ما يقوله قائلة: يا خوي مين جال إنك وواد خالي مش متعلمين؟، دبلوم الصنايع مش هين برضك، ده في ناس بيبجى معاهم مجموع الثانوية ورغبتهم بتبجي في الدبلوم.
كانت تنتظره لتتناول العشاء معه فهاتفته حتى أنه استغرب اتصالها ليرد عليها وتتلهف عليه قائلة: شبل..أنا مشفتكش الصبح..وبعتلك الأكل مع الغفير رجع زي ما هو..أنت مش ناوي تيجي تتعشى معايا..أنا كمان مأكلتش حاجة.
ابتسم شبل حتى أضائت الابتسامة وجهه قائلًا بسعادة تغمره: مساء الورد يا منتي يا حبيبتي..استنيني أصلي اتوحشتجك جوي..أنا بس جاعد مع البت نوارة بنتحدتت في موضوع جامعتها..عخلص معاها وعجيلك.
استغربت منه مع من تتحدث ترى ما هذا التغيير المفاجئ أيعقل أن يكون سببه نوارة؟
على الجانب الأخر كان ليث يستمع إلى محادثته مع منة ليتقدم إليه قائلًا بسخرية: مساء الخير يا شبل، شايفك مزاجك رايج! خير فرحني معاك يا خوي، لتكون وافجت على جامعة البت نوارة؟، ده أنا لسه متفج مع واد خالك على الفرح.
تنهد شبل قائلًا: أيوه وافجت، أنت صوح خوي الكبير، بس بتنتهز الفرص وتخربط الدنيا، أنا عتحدتت معاه بكره وهرسيه على الليلة، عنكتبوا كتابهم بس.
ثم استطرد قائلًا وهو يرى الغضب في عيني ليث: وعتخلص سنتين وتتجوز، وعشرط عليه يكملها علام، حتى لو عنصرفوا عليها بنفسينا، دي أختنا الصغيرة برضك وبوك وصانا عليها.
لوى ليث شفتيه قائلًا: ليه يا واد أبوي؟، كنا جوزناها وخلصنا منيها، لأحسن تتجنعر علينا كيف مرتك، وواد خالك طيب مش عيستحمل مرمطة زيك.
فهم شبل ما يرمي له ليث من كلماته فرد بغضب قائلًا: أه!، أنت بتلجح عليا يا خوي، ماشي وماله، بس عجولك حاجة، واد خالك جوي زيي عايز مرته تبجا متعلمة وجوية، كيف منة، مش مربوطة في ساجية كيف يسر.
تذمر ليث قائلًا: محصولش، يسر ست الدار دي كلياتها بعد أمك، اكفايه إنها عتسمع كلامي، دي الرجولة عاد، مش المسخرة والدلع ومرواح البندر.
علمت نوارة أن الحرب دارت بين أخويها لتتنحنح قائلة: أنا عتمسخر وعدلع يا خوي؟!، مش أنت اللي خلتني أزن على شبل يوديني الجامعة، ولما مرضيتش جولتلي إن منة السبب، أهي طلعت مظلومة.
اندهش شبل لما تقوله نوارة ونظر إلى ليث باشمئزاز قائلًا: ما كنت تخليها تجتل منة بالمرة؟!، مش خابر ليه عتكره منة كل الكره ده؟، لو علشان مرت عمك الله يرحمها، طب ما أنت متجوز بنتها التانية.
هنا ظهرت هانم في محيطهم أختهم الكبرى التي عاشرت صراعات كثيرة بين والداتها وامرأة عمها لتتحدث بصدق قائلة: ومنة كومان عتكره ليث يا شبل، وأنا خابرة ليه، زمان ليث كان عيجتل مرت عمي، ومنة شافته كانت لسه صغيرة، والله العظيم كانت راجل ومسكت البندجية بتاعت بوك وخرجته من الدار يجري كيف المجنون.
فرج شبل فاه قائلًا: وه وه وه!، عتجولي ايه يا هانم؟!، ليث كان عيجتل؟!، جتالين جتله احنا عاد!، ليه!، يبجا عستغرب ليه لما ألاجي ابنك عيكذب، وبنتك عتفتن لستها.
تعالت ضحكات هانم قائلة: صوح كلامك يا شبل، اسمع التجيله يا واد أبوي، عشية كان عايز يخلف الواد التالت، يسر جالتله وده هيطلع ايه حرامي؟، جام ضربها.
كاد أن يتحدث ولكنه لمح أحمد يقف خلف الباب ينتظر ما سيحدث في والده فقام بالنداء عليه ولكن هرب أحمد يستصعب مواجهة شبل لينظر شبل إلى ليث باشمئزاز قائلًا: هو ابنك مخاصمني يا ليث؟، روح يا شيخ منك لله، الأول فرجت بيني وبين مرتي وفي أحلى ليلة في عمرنا، وبعديها فرجت بيني وبين الواد.
هزت هانم رأسها لتعلمه أن لا جدوى من حديثه مع ليث لتقول: يعني ده اللي مزعلك يا خوي؟!، ده هو ذات نفسيه مش زعلان على حاله، ولا فارجة معاه، أهم حاجه يرضي أمي، طمعان ياخد منيها الأرض.
رد شبل باعتراض قائلًا: مش الأرض دي برضك أنا ليا فيها؟!، ده أنا اشتغلت فيها أكتر منيك، ولا هو أكل وبحلجة. اسمع أما أجولك أني صوح أصغر منيك بس مش عسيب حجي وحج أخواتي في يدك.
رد عليه ليث بفظاظة: احنا عنوروثوها وهي عايشة؟!، هي حرة، وطول ما أنت متجوز منة مش عتعطيك حاجة من أملاكها، وأنت معتجدرش تاخد حجي في أرض بوي.
تنهد شبل قائلًا بوعيد: طيب يا خوي..خليها تكتبهالك..وأنا من بكره مش عمد يدي فيها وخليها تخرب..علشان تبقى تفرح بيك يا كبير..جال كبير جال..الكبير كبير بمجامه.
قامت هانم بإغاظة ليث قائلة لشبل: حيث اكده..عنروحوا الشهر العجاري أنا ونوارة وعنعملولك توكيل يا خوي..اتصرف أنت عاد..إن شا الله تبيعنا هدومنا اكفاية حنية جلبك علينا.
ابتسم شبل بشماتة قائلًا: ده العشم برضه يا خيتي، أنتِ عملتِ اكده لأنك خابرة إني لا يمكن أكل حرام ولا أكل ولادي حرام، اكفاية تبجوا مطمنين وأنا عايش.
تضايق ليث وأشاح بيده قائلًا: يلا إياك بت البندر تبيعوا اللي وراه واللي جدامه ويبجى عامل زي عواد باع أرضه، والله دي أمي ساعتها تطب ساكتة، وليه أنا عجولها.
تركهم ليث وغمزت هانم لنوارة أن ترحل لتتحدث إلى شبل قائلة: حبيبي يا أخوي، مش كفاية اكده عاد؟، حن على البنية عتعشجك كتير، وأنت تستاهل تتعشج، عيش حياتك وانبسط واوعى تصدج تاني كلام عليها.
استمع إلى كلماتها وصعد إليها ليجدها تنتظره قائلة: اتأخرت ليه؟، أنت قلت هتيجي بسرعة، حصل حاجة؟، اوعى تكون اتعشيت تحت مع مامتك؟، أنا سخنت الأكل تلات مرات، وجعانة جدًا.
ابتسم إليها قائلًا: جالي تلفون من جوز صاحبتك عازمنا على فرحهم في القاهرة بكره، وده اللي أخرني، ده حتي جالي على عجد العمل بتاعك، ليه مجولتليش أول ما عرضوا عليكي.
ابتلعت ريقها قائلة: عقد العمل!، يعني مش موضوع مهم أوي، أصل أنا اعترضت عليه من أول ما قالتلي زهرة، أنت عارف الصحاب بيبقوا عايزين يبقوا مع بعض في نفس المكان.
جلس ينظر إليها بتدقيق قائلًا: أنا جولتله موافج، بس مش على السفر طبعًا، أنتِ خابرة مجدرش أهمل الأرض، بس إن كان على مرواح القاهرة مفيش مانع تروحي.
قطبت منة جبينها قائلة: أروح!، لهو أنت هتسيبني أروح لوحدي؟!، لا طبعًا أنا لا رايحة ولا جاية، إذا كان وأنا مش مراتك طلعت عليا إشاعة، أومال هيحصلي ايه دلوقتي؟
ابتسم شبل بسخرية قائلًا: وأنتِ عبيطة؟، أصلًا تصدقي إني عخليكي تروحي لوحدك؟، لع، عنروحوا سوا وعنحضروا الفرح وننجطوا كومان، احنا مش جليلين.
ابتسمت منة قائلة: بجد يا شبل هنروح سوا؟، أنا فرحانة!، مش علشان هحضر الفرح، لا، علشان هنسافر سوا، كنت كل مرة ببقى عايزاك تسافر معايا.
نهض شبل واقترب منها بخبث قائلًا: وأدينا عنسافروا سوا كومان، وعنبيتوا بره بلدنا ولوحدينا بعيد عن الدار المنحوسة دي، وعنعملوا أحلى شهر عسل، وعنفضلوا سبوع بحاله هناك.
ارتبكت منة قائلة: شهر عسل ايه اللي بتقول عليه؟، احنا هنروح ونرجع في نفس اليوم، الشقة اللي كنت قاعدة فيها متبهدلة، مش هينفع نبات فيها، وبعدين ملوش لزوم.
ابتسم شبل بخبث قائلًا: وماله عنجعدوا في أغلى فندق فيكي يا مصر، وأنا عندي كام منة؟، مع إني كان نفسي نبيتوا في نفس المطرح اللي كنتي بتبجي فيه بعيدة عني.
ابتعدت عنه بتوتر قائلة: يعني هو أنا كنت بعيدة عنك بمزاجي؟، أهو كله كان بمزاجك، وبعدين طالما نفسك يبقا نبات في شقتي، أهي على الأقل أوضتين زي هنا.
ابتسم بخبث قائلًا: يا مرى أوضتين!، ليه يا عمي ظافر؟، جابلك ليه شوجه أوضتين؟، كنتي بتنيمي العفريت في الأوضة التانية؟!، ولا ايه؟، لع الفندج أحلى.
تعالت ضحكات منة قائلة: لا، الحكاية وما فيها إن الشقة دي قريبة جدًا من الجامعة، واحنا كان بيبقا عندنا محاضرات متأخرة، فكنت باخد زهرة تبات معايا.
هز شبل رأسه متفهمًا، وقال: امممم، يعني عتنيميني مكان زهرة؟، لع مش عيوحصل، هنام جارك يا حلوة، وأهو نجربوا العتبة دي، يمكن تفتح معانا وتبقا عتبة خير.
ارتبكت منة قائلة: أنا هروح أسخن الأكل تاني، وأنت ادخل أوضتك هتلاقي هدومك على السرير وحمامك جاهز، على بال ما تاخد شاور أكون حضرت الأكل.
وفرت هاربة من عينيه الراغبة فيها، ليحدث نفسه قائلًا: لو جدرت أصبر لحين ما نروحو القاهرة أبجى بطل، يخربيت أم الغمامة اللي كانت على عيني، البت كيف الجشطة، ولا صوتها وهي عتغني كروان.
كانت منة تدندن في المطبخ بصوتها العذب بعض الأغاني لتطرب أذنه بها.
انتهى اليوم وذهبا إلى القاهرة بدون أن يعلما أحد، وما أن وصلا إلى شقتها هبط ليشتري بعض المنظفات لتقوم بتنظيفها وبعد أن انتهت ارتمت على الأريكة منهكة تقول بتعب: خلاص خلصت معنتش قادرة، قلتلك كفاية يوم ونرجع فيه، حكمت رأيك أسبوع وأنا مقدرش أقعد في مكان مش نضيف، يا ريتني وافقت على الفندق.
ابتسم بخبث قائلًا: الحمد لله إنك موافجتيش عليه، الشوجة دي دافية جوي وهواها يرد الروح، وأنتِ جميلة جوي فيها مش زي هناك، شكلك هناك عفش جوي.
نهضت منة تضحك عليه قائلة: أنت بتقول ايه بس، بقا أنا هناك وسط لبس جوازي والأحمر والأخضر شكلي عفش!، وهنا احلويت!، أنت اللي بيتهيألك بس مش أكتر.
نظر إليها بهيام قائلًا: أنا كان بيتهيألي، بس خلاص الغشاوة راحت من على عنيا يا منتي، سامحيني يا حتة من جلبي، غلطت فيكي كتير، بس أنا كنت خايف.
ابتلعت منة ريقها بمرارة قائلة: خلاص يا شبل، بس علشان خاطري أنا مش عايزة أفتكر اللي حصل، يعني اديني فرصتي، أنا نمت مقهورة كتير منك، أنت ظلمتني أوي.
زفر بحنق قائلًا: أنا بعدتك عنيهم علشان تروجي، ولو عاوزة كومان توجعي العقد مع جوز زهرة أنا موافج في سبيل سعادتك، بس أنتِ خابرة عروح أشتغل ايه هناك بالدبلوم؟
تنهدت منة قائلة: كنت حاسة إنك فكرت في النقطة دي، لذلك رفضت العقد، شبل أنا عايزة أقولك أنا لو اتعلمت وبقيت دكتورة جامعة عمري ما هكبر عليك.
هز شبل رأسه بتفهم قائلًا: خابر، بس الزن على الودان أمر من السحر، خابر اني في اكده مش راجل، بس صدجيني أنا راجل وعاشج ليكي كمان، وخايف تفارجيني.
لمعت الفرحة في مقلتيها وتحدثت قائلة: أنا عمري ما أقدر أبعد عنك أبدًا، ويوم ما فكرت أهرب وأسيبك، لأني لقيتك واحد تاني مش شبل اللي حبيته، ومبقيتش عارفة هتصرف معاك ازاي.
زفر بحنق قائلًا: أنتِ برضك يا منة شفتيني مزاجي معكر فضلتي تزني مالك مالك مالك، اتعصبت عليكي، وأنتِ كيف العيلة الصغيرة، راحة تعيطي ليسر.
عبست منة بوجهها قائلة: من ساعة ما رجعت ولقيتك متغير، عرفت من يسر إن توحيدة بنت خالك كانت قاعدة عندكم، وطبعًا أنا عارفة مامتك عايزاك تتجوزها ازاي.
وضع شبل يده على وجهه قائلًا: والله العظيم ما أني فاكر شكلها ايه، ولا حسيت إنها موجودة كومان، تعرفي كنت ببيت فين؟، في شوجتنا، بس لا يسر ولا ليث حسوا عليا.
سعدت منة قائلة: شبل بجد يا ريتني كنت اتكلمت معاك من زمان، بس أنت برضه غلطان، من امتى واحنا بنخبي اللي في قلوبنا عن بعض؟، ده أنت اللي مربيني.
اقترب منها قائلًا: عجبال ما أربي ولادي اللي عجيبهم منيك يا منة جلبي، والله العظيم أنا جتيل اللحظة دي، من اهنه ورايح مش عخبي عنك حاجة واصل.
حانت اللحظة ولكن يبدو أن القدر له رأي أخر جائه اتصال من جابر صديقه ليرد مضطرًا، ليصيح جابر بمرح قائلًا: أنا فرحانلك كتير يا صاحبي، خابر ليه؟، بالحركة اللي عملتها دي ولعت وكدت ليث، الواد كيف الطور الهايج، عيولع فينا، بس سيبك انبسط أنت.
زفر شبل بحنق قائلًا: ماشي يا صاحبي، يا هادم اللذات ومفرج الجماعات، يعني أنت خابر إني هربان منيهم، ده وجت تتصل فيه؟، غور دبر روحك معاه.
ثم استطرد قائلًا: منك لله أنت وهو، البت هربت مني، كنت خلاص، ادعي عليك بايه يا جابر؟!، روح غضبان عليك، ومش عخليك تركب الفرسة بتاعتي واصل.
قهقه جابر من الضحك وأغلق الهاتف وأخذ شبل ينظر إلى الباب الذي دخلته منه ويبتسم على خوفها منه.
أنت تقرأ
قلب بارد🌷(مكتمله)💐
Romanceلا تفرط في قلبي فاني أحبك...امنحني الحب والسعاده...لا تقلل من قلبي...لا تقسو عليا ولا تظلمني يا أحب الناس..لا تبتعد عني بقسوة قلبك. اللي عايز يقرأ اقتباس النوفيلا هيبقا في اللينك ده https://m.facebook.com/groups/183447422474327/permalink/86350971446...