أتجاوز ما تفعله بي لكي لا تحزن.. أو هي التي تجبرني على الاكتفاء بها وحدها بغض النظر عن أخطائها..تجعلني أتخطاها لتخطيها أخطائى..لنغوص في حياة جميلة قائمة على التخطي والتجاوز والتسامح لدوام العيش.
نامت في أحضانه وهي واقفة بين يديه ليعلم أنها نامت من انتظام أنفاسها ولقدرته العجيبة على تهدئتها مثل ما كان يفعل بعد مذاكراتها، فكر في حملها إلى الغرفة، ولكن لمعت برأسه فكرة خبيثة، فقام بمداعبتها عن طريق دغدغتها في جانبيها لتصرخ وتتعالى ضحكاته قائلًا: هو احنا هنجضوها نوم؟، من يوم ما اتجوزنا واحنا يا نوم يا غضوبة، ولا فيه وكل ولا شرب ولا حب. جوازة ايه الغم دي؟، أنا اضحك عليا.
عضت منة على شفتيها بخجل قائلة: اخص عليك يا شبل!، وأنا اللي كنت فكراك رومانسي، طب والله العظيم أنا ما رضيت أبات عند يسر علشانك، ورجعت بسرعة أطبخلك.
نظر إليها بفرحة عارمة قائلًا: أيوه بجا، هو ده الجواز عاد. الوكل ريحته مفحفحة، لسه الحب يا منتي، أه منك ومن حلاوتك، ويخرب مطن غبائي وكبريائي، جال مش عتحبيني جال.
ابتسمت منة قائلة: ثواني وأسخن الأكل، أنت عارف إنه برد من كتر كلامنا. يا سلام يا شبل، تقدر تقول إن دي أول مرة من يوم ما اتجوزنا هاكل بنفس.
ذهب خلفها إلى المطبخ ونظر إليها بخبث قائلًا: بيجولوا اللي عيحب حد عيعرف كل عوايده، وأنتِ خابرة كل عوايدي، إلا عادة الوكل السخن، عرفتيها منين يا جلبي؟، واوعي تجوليلي هانم، لأن هانم معتعرفهاش واصل، حتى البت نوارة، ولا أمي ذات نفسيها، مفيش غير شخص واحد اللي عيعرفها ومعتقدش إنه جالك.
شردت منه وتذكرت والدتها ثم خرجت من شرودها قائلة: أنا عرفت من ماما الله يرحمها، الوحيدة اللي كانت عارفة إني بحبك، وتعتبر مربايك أكتر من مرات عمي، علشان كده كنت واثقة إن قلبك هيحن عليا.
اقترب منها شبل وأحاطها قائلًا: كل حاجة اتعلمتها من مرت عمي كانت زينة، والله العظيم أنا حزنت عليها أكتر منيكم، كانت كيف الأخت الكبيرة، وأنتِ زيها حنينة.
ثم أغمض عينيه بحزن قائلًا: وصتني عليكي يا ما، وأني خالفت الوصية وظلمتك، وأول ما عرفت الحقيقة روحت نمت على قبرها كيف العيل اللي حزنان على أمه.
الاختيار الأول دومًا هو الاختيار الصحيح..اختارته دون غيره لإيمانها به..لم تهتم أبدًا لما بدر منه في بادئ الأمر..كل ما شعرت به أنها ستجبر وسيتحول القلب البارد إلى قلبٍ لينٍ مفرطٍ في مشاعره..نعم كانت تود الهروب ولكن تذكرت كلمات والدتها قبل الرحيل..عدم استكمال شبل لتعليمه لا ينقص منه شيئًا..اكتشفت أن كلماتها مقنعة الآن عندما سرد لها طبيعة علاقته بها..فقد اهتمت والدتها به كمن تهتم لصبيها..لم تكترث يومًا بها وبأختها بقدر ما اكترثت له..ماتت والدتها وهي بسن الثامنة عشر لتجد من شبل استكمالًا لها..منذ ذلك اليوم اعتبر شبل ابنًا لتلك المرأة..ماتت وهو رجل راشد بعد ما أوصته على ابنتها من خلال سقيها الحكمة له.
نظرت إليه منة باستغراب وعقدت ما بين حاجبيها قائلة: يااااه!، للدرجة دي؟، اللي يسمعك وأنت بتقول الكلام ده يفكر إن أنت ابنها مش أنا ولا يسر، تعرف ده أنا لما زعلت منك مفكرتش أزورها.
تنهد قائلًا: مفيش مرة عاملتني على إني ابن سلفتها، طول عمرها بتعاملني كيف ولدها، وأني كمان عمري ما جصرت في حقها، علشان اكده أنتِ ويسر ملزومين مني.
ابتسمت منة وهتفت بحزن مصطنع قائلة: هو أنت علشان كده اتجوزتني؟، علشان ملزومة منك وعلشان الوصية!، لا يا عم لو علشان كده يفتح الله، وبعدين تعالى هنا أومال كنت هتعمل ايه لما تنفذ تهديدك؟
وجدته ينظر إليها ببلاهة يحاول تذكر تهديده لتميل عليه قائلة: أنت نسيت؟!، صح النوم!، ده أنت خلتني في ليلة متجوزة وأرض بور ومش هخلف وهتتجوز عليا بنت خالك وتبقى ست البيت وأم عيالك.
تعالت ضحكات شبل قائلًا: اكفايه عاد بجا، كل دي تهديدات؟، ليه كنت بهدد الأميرة ديانا ولا ايه؟، وبعدين كاني اتجنيت، خلاص خلصوا البنتة من البلد؟، مش عتجوز غير بنت خالي!
لكزته منة في ذراعه قائلة: شبل أنت جاي تغير كلامك دلوقتي!، عمومًا أنا بصراحة في الأول صدقت، بس هانم الله يسترها قالتلي لما جت المخفية قعدت تحت، كنت أنت هنا.
اقترب منها بخبث وهمس: وايه كمان؟، هانم مجالتش ليه حاجة كمان؟، كيف اني عحبك وععشجك، وكنت عستناكي من الجمعة للجمعة كيف المستني العيد.
ابتسمت منة قائلة: دي حاجة مينفعش تتقال يا شبل، دي حاجة تتحس، وأنا بحس بيك أوي، علشان كده أول واحدة حسيت إنك قلبت عليا والكل مكنش مصدقني.
ابتسم لها بخبث قائلًا: طب ومش حاسة بحاجة كمان؟، مش حاسة اني رايدك تبجي حلالي بجا وأم عيالي؟، ولا عنفضلوا عايشين كيف الاخوات عاد.
هربت من محيطه إلى غرفة الطعام تصدح ضحكاتها بأركان المكان قائلة وهي تعتدل على الطاولة: شبل الأكل سخن يا بابا. علميًا الأكل لو اتسخن أكتر من كده ضرر على الصحة. اقعد كده زي الشاطر ناكل وبعدين نشوف حوار العيال ده.
جلس على الطاولة بجوارها ينظر إليها بخبث قائلًا: لع، وأنا صراحة خايف على صحتك، لأنها لزماني في ليفل الوحش يا وحش، كلي واتغذي أنتِ كمان، عايز عيال بالتوم، اوعاكي تجولي تنظيم الأسرة.
عضت منة على شفتيها ومزحت قائلة: توم ولا جيري، لا تنظيم الأسرة ايه اللي هقوله، أنت اللي هتطلبه مني يا حبيبي، وده بعد أول عيل، خصوصًا لو طلع مدلع زيي.
نظر إليها بحب وأمسك يدها وقبلها قبلة حنونة قائلًا: وايه يعني لما يطلع مجلع زيك، ده يوم السعد والهنا بالنسبالي، وعا أجولك هاتي كمان، كفايه إنهم منيكي، خابرة يا منة ميتا كانت لحظات رعبي؟
عقدت ما بين حاجبيها قائلة: لحظات رعب!، بعد الشر، لحظات رعب ايه مش فاهمة؟، تقصد يعني كنت خايف لأهرب منك وكده، يا حبيبي أنا لا يمكن أهرب منك.
ابتسم بحب قائلًا: الحكاية مش حكاية هروب، ولو كان خوفي اتحقق كنت أنا اللي عهرب منيكي، أنا كنت خايف من التحليلات اللي عملناها سوا، تطلع نتيجتها عفشة.
فهمت مدى خوفه واستغربته كثيرًا فردت قائلة: مكنتش عارفه إنك كنت خايف زيي، أنا اللي كنت خايفة يا شبل، بس أنت اللي أصريت، مش عارفة كان فين عقلك وقتها، كنت أرفض.
هز رأسه برفض قائلًا: كيف أرفض حاجة مفروضة عليا؟، دي كانت من ضمن وصايا المرحومة والدتك، جالتلي يا شبل أنا مش عقدر على ليث في الطلب ده.
جحظت بعينيها واندهشت قائلة: شبل!، أنت عارف بتقول ايه؟، أنت وصل بيك الحال لإنك تنفذ وصيتها في دي كمان، أنا حقيقي متفاجئة بيك، إنك ممكن تضحي بحبك علشانها.
ابتسم ابتسامة باهتة قائلًا: وليه ما أضحيش؟، الست كانت بتعاملني كيف ولدها، وكانت مجنعة كفاية، كانت تجول الطلب، وتجول علشان ايه، مش فرمان.
هزت منة رأسها بتفهم قائلة: عارفة، هي كانت متعلمة جدًا، بصرف النظر إن شهادتها كانت ثانوية عامة ومكملتش، لكن كملت بقرايتها للكتب اللي كان بابا بيبعت يجيبهم.
ثم تابعت بشرود: طب عارف، الكتب دي يا ما عملت مشاكل ما بينهم، مش اعتراض بابا عليهم، لا، باباك الله يرحمه كان بيعرف لأنهم كانوا بيجوا على البيت عندكم.
ابتسم شبل مستكملًا حديثها: الباجي أني عارفه، ساعات يترموا في الترعة، وساعات يتحرجوا، وطبعًا ده غير التريجه اللي بتاخدها والدتك، وكل ده لأن الراجل اللي بيجيبهم بيجيبهم على دارنا.
نظرت له منه باستياء قائلة: مكنتش أعرف ليه بيجوا عليكم الأول، بس عرفت بعدها إن والدك طرد بابا من البيت الكبير بعد ما اتجوز أمي، علشان ما اتجوزش خالتك.
تنهد شبل قائلًا بمرح: بس أحسن والله، عمي عمل عين العقل، راح يغير في النسل، يا مرى لو كان اتجوز خالتي، كان خلف غربان وبوم، عمري ما كنت عفكر أتجوز منيهم خالص.
ضحكت منة قائلة: حرام عليك يا شبل، ما اخواتك هانم ونوارة حلوين أوي، وبعدين بلاش تريقة، ترجع تجيب بنت شبهم، وساعتها بقا هتجوزها مين؟
ابتسم قائلًا: عجوزها أحمد، أنا خابر إنك زعلانة منيه، هو كمان مش جادر يبص في عيني، بس عنعمل ايه، ده ولدنا برضك، واحنا اللي مربينه.
ثم استطرد قائلًا: منة خابرة يسر عرفت منين موضوع الغازية؟، من أحمد، عارفه ده معناته ايه؟، الطفل انتجم من بوه، لأنه عرف إن بوه عفش، وميستحجش أمه.
تنهدت منة بحزن قائلة: وأنا عمري ما أزعل من أحمد أبدًا، أحمد ده بعتبره ابني البكري، كلمته ليا يوم فرحي وضحت حاجات كتير، بس صعبان عليا وقعته بالنص.
ربت على يدها قائلًا: متخافيش، أنا ععوضه عن كل حاجة، وأنتِ كمان رجعيه لحضنك كيف صاحبك، ده بيخاف عليكي كأنك أخته الصغيرة، وخاصمني كتير علشانك.
عضت على شفتيها بقلق قائلة: شبل، هو ممكن ليث يغدر بينا في أخر لحظة، وهو ماشي من البلد، وسايب أحمد وأبرار، مش ممكن يروح يخطفه، ومعدش يرجعه.
ابتسم على سذاجتها قائلًا: كيف اكده؟، يا منة ده لازم يكون معاه جواز سفر للواد، واكده لازم الواد يروح معاه مشوار مصلحة الجوازات، والواد من ساعة ما ضاحي وداه عنديكم مش بيخرج.
تخيلات منة بلا حدود فردت قائلة: مش مرتاحة يا شبل، حاسة إنه ممكن يعملها وياخد أحمد بالذات، لا ويمكن قبل سفره بكام يوم، علشان لما نبلغ يتهم يسر إنها غير أمينة.
حديثها كان مثيرًا للوساوس والشكوك ولكن أراد طمأنتها قائلًا: ميجدرش، وعمومًا أنا عاخد عليه ورقة ضد، لو عمل حركة اكده ولا اكده عسجنه بيها، أنتِ بس اطمني، واوعاكي تجولي الكلام ده ليسر.
هزت رأسها بتفهم قائلة: حاضر، مش هتكلم، بس مش عارفة قعدتها في بيت بابا صح ولا غلط، وفي نفس الوقت خايفة أقولك رجعها هنا، لا مامتك تسهله أموره.
رد عليها غير مبالٍ لأنه يعلم من يختلق الوقت لحمايتهم عند دارهم ألا وهو ناجي ليرد عليها: هنا هناك مش فارجة، هو مش عيقدر يجرب من البيتين، وأنا واثج من اكده، اهنه هو عيخاف مني، وهناك ناجي مش عيرحمه لو جرب منيهم.
ابتسمت منة بسخرية قائلة: ناجي بلا وكسة، ناجي اللي منع هروبها لينا؟، وقال ايه خاف عليها من الفضيحة، لا جدع أوي، لكن مش خايف عليها من البهدلة والمرمطة.
اقترب منها محاسبًا لها على زيارتها لناجي قائلًا: وجعتي يا حلوة، وأنا كنت ناوي أفوتها، بس أنتِ دبور وزن على خراب عشه، عتروحي لناجي ليه من ورايا يا منة؟، أجتلك دلوك وأرتاح منيكي؟
استشعرت أنه يحاسبها بالفعل وليس مزحًا فارتعدت فرائصها قائلة: أنااا...والله العظيم كنت متغاظة منه مش أكتر، وقولتله ليه عملت فيها كده؟، كنت سيبها على راحتها زي زمان، جاي تدخل دلوقتي.
قربها منه جيدًا وهمس في أذنها قائلًا: معتتكررش يا منة، اللي حوصل الصبح ده عيبة في حجي، أنا اهنه اللي عحاسب وعقول ايه اللي يوحصل واللي ميعحوصلش...ماشي؟
عبست بوجهها وهي تنظر إليه من ظهره وهو محتضنها لتقول: كنت بتهزر معايا من شوية يا شبل؟، اخص عليك وقعت قلبي، في حد يعمل كده؟، طب وربنا قلت هتطلقني، يلا شكلي قطعت الخلف بسببك.
أخرجها من بين أحضانها قائلًا: نعععم...بتجولي ايه يا حبيبتي؟، جال جطعت الخلف جال؟!، لو احنا جربناه علشان نقطعوه، ولا هي حجج فارغة؟، وربنا لأسلط عليكي مرت عمك.
ابتسمت منة قائلة: أنت كمان بتخوفني بمامتك؟، طب أقولك على حاجة ومتزعلش مني؟، أنا عمري ما خفت منها، مش عارفة ليه؟، يمكن طالعه لمامتي.
ابتسم شبل بانتصار قائلًا: أنا مش زعلان على فكرة، بالعكس أني فخور فيكي، لما جت واشتكت منيكي، رغم إني عارف إنها بالغت، بس خابر زين إنك كيف الصقر.
نظرت إليه بغرور قائلة: تربيتك يا شبل يا حبيبي، أنت وماما علمتوني إن طالما مش غلطانة أرفع راسي لفوق وخصوصًا قدام اللي ظالمني، وده اللي هعلمه لولادنا.
أحاطها بذراعيه كمن يحتضن صغيرته يسقيها من بين أحضانه بحورًا من العشق واللطف والمحبة والود..هي أيضًا كانت مستمتعة بأحضانه الدافئة كمن ترقد في حضن والدها..هما الاثنين يكمل كل منهما الأخر..يدعوان في نفس واحد أن يديم سعادتهم للأبد..نعم فهما يستحقان لأنهما لم يبنيا سعادتهما على تعاسة الأخرين مثل ما فعل بهما..ترى أستدوم هذه السعادة أم للقدر رأي أخر..وماذا عن يسر؟..ماذا ستفعل؟
فقط ساعات الليل نعمت فيها بدفئه ولأنها أصبحت زوجته وهو مستلقي بين أحضانها..مثل الصغار الذين تحاوطهم الأم وتخاف عليهم..رغم بقاء والدته بهذه الحياة إلا أنه لم يستشعر أحضانها يومًا..يشعر معها بالمعاناة فقط وهي تبحث عن الإرث والوضع المادي..وما آل إليه حالهم من ضياع ليث..الذي أصبح تابعًا لرغباتها الطامعة..نعم أحسنت تلك السيدة التي أنجبت زوجته عندما قالت أن للوالدين أثر فعال في تركيب شخصية أولادهم..ولا بد من تعليمهم..أما نجية مناقضة لها تمامًا..تتركز رأسها في العمل وجني الأموال فقط..سعدت كثيرًا عندما ماتت والدة منة وأرادت تزويج والدهم بأخرى لتريه أنه سيرتفع في وسط أهله..ولكنه رفض وابنته أثبتت لها أن لوالدتها الفضل في تشكيل شخصية ابنها.
استيقظت منة واغتسلت وطلبت منه أن تذهب إلى يسر فوافق وأراد إيصالها ولكنها رفضت..اقتربت من بيت والدها لتجد من تقف عاقدة ذراعيها في وجهها ألا وهي توحيدة ابنة خاله لتتمسخر بها قائلة: الأستاذة منة؟، عاش من شافك!، من ساعة فرحك مشفتكيش، خير هو الجواز مخبيكي؟، ولا تلاجي من وشك النحس بجيتي بتداري منينا.
اغتاظت منه من طريقتها ولم تبغي الرد عليها لتنقذها يسر من ذلك الموقف حين لمحتهما من الشرفه فهرولت مسرعة لتنقذ أختها وما أن وصلت حتى سمعت أخر جملة وهي تنعتها بالنحس، لتخلع ما في رجلها وتمسكها من يدها رافعة حذائها قائلة: بتقولي ايه يا توحيدة؟، مين دي اللي وش النحس؟، والله ما في وش نحس غيرك أنتِ وأبوكي وعمتك، دي وش الخير، أقولك أنتِ مش كان نفسك في واحد من ولاد عمتك خدي ليث حلال على بوزك.
وكادت أن ترفع الحذاء وتهبط به على كتفي توحيدة لولا منة التي أنزلت يدها قائلة: خلاص يا يسر، مش وقته الكلام ده، هنتفضح في البلد، وأنتِ يا ست توحيدة غوري بدل ما أقول لشبل وعم ضاحي وهما يتصرفوا معاكي.
أخذ صدر يسر يتعالى من النهجان من أثر ما انهالت عليها بالضرب حيث لم تستمع إلى منة، وهي تتحدث قائلة: والله أنا من يومها وأنا نفسي أفش غلي في حد، وأهي الفرصة جاتلي لحد عندي، حماتك يا هانم هي اللي بعتاها، علشان تحرق دمك لما شافتك مبسوطة.
ابتسمت منة بسخرية قائلة: طب ما أنا عارفة، وكنت هرد عليها، بس أنا في ايه ولا في ايه، اللي زى دول يا يسر بتمر عليهم المصايب ولا كأن حصل حاجة، مش بيتأثروا.
ردت عليهما توحيدة بخوف قائلة: هو في ايه؟، أنا عملتلكم ايه؟، كل ده عشان بسألها فينك من زمان؟!، هو السؤال حرم عاد؟، أما انتوا عيلة مهابيش بصحيح كيف أمكم!
شهقت منة ووضعت يدها على شفتيها من كلمة توحيدة لتنظر إليها يسر لتقول لها بعينيها انظري!، ضُربت وما زالت تسبنا وتسب أمنا أيضًا، ليلمع الغضب في عيني منة وتقوم بتلقينها درسًا أشد شراسة وبشاعة من درس يسر، حيث قامت بالانقضاض على طرحتها وأزاحتها وأمسكت ضفائر شعرها وسحقتها أرضًا قائلة بصوت أشبه بفحيح الأفعى: يعني أنا ساكتة ليكي وببعد يسر لتعملك عاهة مستديمة وأنتِ بدل ما تقولي أسفة بتشتمي في أمنا لاااا، ده أنا أدفنك مكانك واعتبر إن ربنا مخلقكيش، كله الا أمنا يا بنت أخو نجية.
نخطئ..نعم.. فعلتها منة وأخطأت..كان من الصواب أن تتركها ..ولكن الخطأ الأعظم هو ظهور توحيدة في ذلك الوقت المفعم بالثورات..ليس خطأ منة أو يسر وحدهما في ردة فعلهما.. ولكن ما الذي سيحدث الآن؟..بعد أن ألحقت السوء بتوحيدة..بإنقضاضها عليها.
نظرت منة إلى توحيدة التي باتت تحت قدميها، وإلى يسر التي تبتسم ابتسامة نصر، وتركتهما وذهبت إلى شبل حيث مكان وجوده، لتسرد له ما حدث دلفت إلى المزرعة وعيونها تلمع وهي حمراء كالدم قائلة بلوم وعتاب: مامتك مش حابة إن واحدة من بنات سلفتها تعيش سعيدة، بعتتلي توحيدة عند بيت أبويا تعايرني بوشي النحس على أختي، أنا سكت لأن يسر قامت بالواجب، وأنا دافعت عنها، تخيل الحقيرة اتكلمت عن أمي كله إلا أمي يا شبل!، أنت فاهم؟، أنا موتها من الضرب.
لم يصبر شبل واحتضنها بقوة وسط خيله الذي ازداد صهيله كأنما يشعر بعشقهما، ربت على ظهرها يهدئها قائلًا: هو ده اللي مزعلك صوح؟، أنا خابر إن حجيجة اللي مزعلك إنك ضربتيها،بس هي تستحج، خابرة ليه؟، لأنها كيف البغبغان بتردد حديت أمي.
تعالت شهقاتها كثيرًا وهي بين أحضانه، ليذعر الخيل من صوتها ويرمح في المزرعة، ليقبلها شبل من جبينها ويمسح دموعها قائلًا: بزيداكي عاد يا منتي الفرس يزعل، ولا أنتِ ولا الفرس تهونوا عليا، والله العظيم لأجبلك حجك منيها، خابرة ععمل ايه؟، عجوزها الواد جابر حلال فيها ولو إنه طيب، بس حجاني وعيعرف يلمها صوح.
ابتسمت على مزحته، لأن في البداية كلامه كان كالبلسم الشافي، أحضانه سكينة بالنسبة لها، تحققت جميع خيالاتها معه، يجعلها المرتبة الأولى في حياته، ينبثق من قلبه الطاهر شعاعات مضيئة، بدون تحدثها معه وهي في تلك الحالة كانت ستنهار فعليًا، لأنها تمتلك الشجاعة من خلاله، هل يمتلك قوة خارقة أم ماذا؟، قوة خارقة تشتعل من أجل إسعادها. تود أن تصرخ وتعلم العالم بأكمله أنها تعشق هذا الشبل، الذي تكون مهمته الوحيدة في هذه الحياة إسعادها فقط.
تركته ورحلت مرة أخرى إلى أختها فظهر من جديد الشخص الذي كان يخبأ نفسه من عيونها لينظر إلى شبل قائلًا: عمي...كتر خيرك إنك مجولتلهاش إني اهنهه..أنت خابر من ساعة الفرح مش جادر أحط عيني في عينيها..فضلت متخبي عنيها وهي في دارنا.
احتضنه شبل وربت على ظهره ليبكي أحمد قائلًا: يا عمي والله العظيم ما كنت عايز أكذب عليك..بس بوي الله يسامحه هددني بالضرب..وأهو عاود و ضربني تاني..لما فتنت عليه ..أنا خابر إن خالتي عتسامحني.
مط شبل شفتيه قائلًا: ولما أنت خابر إنها عتسامحك، عتتخبى منيها ليه؟، وهربت النهارده من دار جدك ظافر وأنت خابر إن اكده خطر عليك، تصرفك كلياته غلط.
نظر إليه أحمد بحزن قائلًا: أنا جيت اهنه لأني خابر إنها جاية دار جدي..وعشية كانت عايزة تشوفني وأمي اتحججت إني نايم..طب دلوجيت أمي عتحجج بايه؟
هز شبل رأسه باستياء قائلًا: يعني علشان أمك متكدبش تقوم تيجي اهنه، طب دلوجيت أنت طلعت كذاب تاني، وأمك عتطلع كذابة لأنها معتعرفش تقول أنت فين.
خبط أحمد على جبهته قائلًا: صوح يا عمي.. بس أعمل ايه أنا عحب خالتي منة كتير..يمكن أكتر من أمي.. وزعلان على اللي عملته فيها.. ومش جادر أطلع في وشها.. خلاص يا عمي أنا ععاود ليهم تاني وععتذرلها عن كل شيء.
ابتسم شبل لجرأة أحمد وعزم أمره على الرجوع معه خوفًا من بطش ليث، بينما كانت منة تجلس مع يسر أختها في حديقة المنزل حتى وجدت نوارة تدلف إليهما كالهارب من شيء قائلة: توحيدة راحت على المركز يا منة وجالت إنك ضربتيها وعملولك محضر، أنتِ ويسر وأمي شهدت عليكم، وجالت عطربجها فوق دماغكم.
قطبت منة جبينها قائلة: ايه اللي أنت بتقوليه ده يا نوارة؟، هي أمك تقتل القتيل وتمشي في جنازته!، طب يعني كنت أعملها ايه وهي نازلة كلام سم على أمي؟
رفعت نوارة يدها بيأس قائلة: مخبراش، أنا جيتلك من وراها، والله لو تعرف لتقتلني، البت راجعة هدومها مجطعة، وخطيبي المحترم عايم على عومها وعايز ياخد حجها.
زفرت منة بحنق قائلة: حقها!، حقها ده ايه؟، احنا هنستعبط!، بدل ما يروح يجيب حقها يروح يحاسبها وهي دايرة في الشوارع تلطش في خلق الله، قال حقها قال!
تنهدت نوارة بتعب قائلة: والله العظيم أنا نفسي الأرض تنشج وتبلعني من اللي بيحصل مننا فيكم، بس أعمل ايه يا منة دي أمي برضك، ومعرفاش لساتها مستجوية عليكم ليه؟
خرج في هذا الأثناء ظافر إلى الحديقة بعد أن قامت يسر بإخباره ما حدث ليقاطع نوارة قائلًا: أنا عجولك يا بت خوي، أمك عتعمل اكده ليه في بناتي، لأني زمان موافجتش أتجوز خالتك، من يوميها جلبت النار بين وبين خوي.
حاولت منة تهدئته قائلة: بابا ملوش لزوم نوارة تعرف حاجات زي دي عن مامتها، نوارة لسه صغيرة، وبعدين دي مخطوبة لابن خالها، متصعبهاش عليها الله يخليك.
دلفت في هذه الأثناء نجية تصرخ قائلة: أنا ساكتلك من عشية يا مرت ولدي، لكن كله كوم وتوحيدة بنت جلبي كوم تاني، بجا تضروبيها وعسكتلك عاد، لع، عتضربي زي ما ضربتيها.
ربعت منة ذراعيها بكل ثقة قائلة: لا يا مرات عمي، الضرب ده للعيال مش ليا، أنا ست كبيرة وعاقلة وناضجة، وهروح القسم وهعترف على نفسي، وهمشي بالاجراءات.
لم تستمع إليها نجية وانقضت عليها مثل الأسد الذي ينقض على فريسته ليرفع ظافر عصاه الأبنوسية في وجه نجية ويقف حائلًا بينها وبين ابنته قائلًا بغضب: سيبيها يا نجية، بدل ما عضربك أني، و ادفنك مطرحك، وأعتبر إنك مجتيش الدنيا، ومش عيهمني عضم التربة يا بت عمي،اسمعيني زين بناتي خط أُحمر.
ابتسمت منة ابتسامة شماتة لنجية بسبب مدافعة والدها عنها وتحدثت بثقة قائلة: بابا قال اللي كان لازم يقوله من زمان يا مرات عمي، بس هو احترم إنك ست كبيرة وليكي مقامك، بس أنتِ دايمًا بتضيعي مقامك وسطينا.
استشعر ظافر كلمات منة اللاذعة فأوقفها قائلًا: منننة، عيب يا بتي، دي مهما إن كان حماتك برضك، اكفايه اني بس أرد عليها، بصي يا نجية يمين بعظيم لو عرفت إنك قربتي عليهم تاني لتكون نهايتك بيدي.
هزت نجية رأسها بغضب ووعيد قائلة: اكده يا ابن عمي، عتخسر اللي بيناتنا بسبب بنتين ملهمش لازمة عاد، حتى أمهم كانت كيف الغوازي، علمتهم المسخرة والتطاول على أسيادهم.
اقترب منها ظافر ونظر لها نظرة نارية قائلًا: منة النهارده كانت هتجتل توحيدة من الضرب لمجرد انيها اتكلمت على أمها، جوليلي أعمل فيكي ايه وأنتِ عتتكلمي عن مهجة القلب.
ثم أكمل ليشعل فتيل الحرب بينهما غافلًا عن تلك الأعين التي تراقبهم، أعين حاقدة وناقمة على ما يحدث.
ظافر باستعلاء: طب دي منة، ما بالك بيسر، اللي أنتِ وولدك استجليتوا بيها، خابرة ععمل ايه عطلجها منيه، وعاخد عياله وعجوزها ناجي سيد سيده.
ولم يدري أنه لفظ أخر جملة بعمره فمن بعد تلك الكلمة لم تتحمل الأعين التي تراقبهم فقد تفاقم الحقد والغل بداخلها فاندفعت بإطلاق الرصاص نحو منتصف رأس ظافر ليسقط أمام ابنته التي انعقد لسانها إثر رؤية الدماء تلطخ قدميها مكان سقوطه.
أنت تقرأ
قلب بارد🌷(مكتمله)💐
Romanceلا تفرط في قلبي فاني أحبك...امنحني الحب والسعاده...لا تقلل من قلبي...لا تقسو عليا ولا تظلمني يا أحب الناس..لا تبتعد عني بقسوة قلبك. اللي عايز يقرأ اقتباس النوفيلا هيبقا في اللينك ده https://m.facebook.com/groups/183447422474327/permalink/86350971446...